كثيرة هى المقارنات الجارية الآن فى وسائل إعلام ومراكز أبحاث ومنتديات سياسية بين جماعة "الإخوان المسلمين" وحزب الحرية والعدالة التابع لها من ناحية وحزب النهضة من ناحية ثانية بعد أن تصدَّرَا المشهد الانتخابي وبالتالِي السياسي, في مصر وتونس. وتتَّجه هذه المقارنة في الأغلب الأعمّ إلى إبراز فروق شتَّى بين الفريقين؛ إذ يميل معظم المَعْنِيِّين بالموضوع إلى أنَّ حزب النهضة يعتبر أكثر تقدُّمًا من جماعة "الإخوان المسلمين" وحزبها الجديد, وتطلب هذا الاستنتاج مراجعةً؛ لأنه يرتب نتائج ذات أهمية بالغة بالنسبة إلى مستقبل الوضع في البلدين اللذين يتصدَّر الإسلاميون المشهد السياسي فيهما الآن, وبخصوص الوضع في مصر خاصة حيث لا يزال الضباب مُخَيِّمًا في سمائها بخلاف تونس التى أزيل كثير من الضباب فيها وعرفت طريقها الى المستقبل. وهذا يفسِّر القلق الواضح في مصر لأسباب من بينها وجود اعتقاد في أوساط عدة بأنَّ الإسلاميين التونسيين ممثلين فى حزب "النهضة" أكثر تقدمًا مقارنةً بنظرائهم في مصر. ويستند هذا الاعتقاد على افتراضيْن لم يثبت أحدهما في الواقع، ويحتاج الثانِي إلى نقاش مستفيض؛ فمؤدَّى الافتراض الأول أن الإسلاميين كتلة واحدة مصمتة وأنَّ الفروق بين تياراتهم إمَّا معدومة أو صغيرة ومحدودة، وبالتالِي لا يُعتد بها. وهذا افتراض يصعب إثباته، عبر المقارنة بين أدبيات وبرامج "الإخوان المسلمين" والسلفيين مثلاً في مصر، ومن خلال متابعة تاريخ العلاقة بينهم. أمَّا الافتراض الثانِي فهو أنَّ حزب "النهضة" في تونس أمضَى شوطًا أبعد بكثير باتِّجاه التكيُّف مع الحداثة المجتمعية والسياسية مقارنة بحال "الإخوان المسلمين" في مصر. ويعبر بعض أنصار هذا الافتراض عنه عادة بالقول إنَّ راشد الغنوشي (زعيم "النهضة" في تونس) ليس مثل محمد بديع (المرشد العام للإخوان المسلمين"). وهذا افتراض ملتبس لسببين أحدهما أقلّ أهمية، وهو أن حزب "النهضة"، ومن قبله حركة "الاتِّجاه الإسلامي"، هو امتداد لتيار "الإخوان المسلمين"، بل هو المعبِّر عن الاتجاه العام لهذا التيار في تونس. فقد خرج "النهضويون" في تونس من رَحِم جماعة "الإخوان"، مثلهم مثل معظم الإسلاميين في العالم العربي وخارجه. أما السبب الثاني الأكثر أهمية فهو أنَّ الاتجاه الذي يتبنَّاه الغنوشي وحزب "النهضة"، وهو أكثر تقدمًا بالفعل من "الإخوان المسلمين" منذ سنوات طويلة، يعود إلى الفرق بين المجتمعين التونسي والمصري في المقام الأول. فالمجتمع التونسي أكثر انفتاحًا على المستويين الاجتماعي والثقافي مقارنة بالمجتمع المصري الذي كان منفتحًا حتى ستينات القرن الماضي قبل أن تتنامَى فيه ميول محافظة بفعل عوامل التغير الاجتماعي. ولم يكن لتيار "الإخوان المسلمين" أو غيره أثر يُذكر في هذا التغير. فعلى سبيل المثال، أخذ الحجاب في الانتشار في مختلف أنحاء مصر منذ نهاية ستينات القرن الماضى حين كان "الإخوان المسلمون" في السجون أو المنافي الاختيارية قبل أن يُفرج الرئيس الراحل أنور السادات عن معتقليهم ويسمح لهم بالحركة. وكانت الهجرة الكثيفة من الأرياف؛ حيث تغطي النساء، مسلمات ومسيحيات، رؤوسهن كتقليد اجتماعي، إلى المدن، هي العامل الرئيسي وراء انتشار الحجاب وتقاليد أخرى محافظة اجتماعيًّا، لكنها تبدو من مظاهر التديُّن الشعبي. وليست هذه إلا ظاهرة واحدة من ظواهر عدة ترتبط بتغير اجتماعي واسع النطاق حدث في مصر، التي تضاعف عدد سكانها خلال ثلاثة عقود فقط (من نحو 40 مليون عام 1980 إلى حوالي 80 مليونًا عام 2010). وكان لهذا التغير أكبر الأثر في تشكيل اتجاهات التيارات الإسلامية وفي مقدمتها تيار "الإخوان المسلمين"، وليس العكس. فعلى سبيل المثال، لم يكن حجاب المرأة على جدول أعمال هذا التيار بعد تأسيس جماعته عام 1928 وحتى حلها ومطاردة قادتها وأعضائها عام 1954، أي قبل أن يحدث التغير الاجتماعي الذي حمل موجة محافظة غيرت في شكله وتفاعلاته والعلاقات بين فئاته. ولذلك، فإذا تبنَّى تيار "الإخوان" في مصر خطاب حزب "النهضة" في قضية المرأة مثلاً، سيفقد جزءًا كبيرًا وربما القسم الأكبر من أعضائه وأنصاره؛ لأنه سيصدم المجتمع الذي بات أكثر ميلاً إلى التديُّن الطقوسي من كل ما تخيله حسن البنا عند تأسيس جماعة "الإخوان المسلمين". ولذلك، ربما يجوز القول إنَّ الفرق بين الإسلاميين في مصر وتونس نتج عن التباين الملموس بين طبيعة المجتمع في البلدين أكثر مما هو تعبير عن اختلاف فكري أو أيديولوجي. المصدر: الإسلام اليوم