ظلت أدبيات جماعة الإخوان المسلمين مصدرًا هامًا لأعضائها في المعارك الجدلية ضد المناوئين لهم فكريًّا، أو في السجالات الداخلية وواجهة المطالب بالتغيير الداخلي وذلك على مرور ثمانين عاما منذ بداية تأسيس الجماعة على يد "حسن البنا". وعرفت الجماعة عددًا مؤثرًا من المُنظرين لهذه الأدبيات، التي ظلت، رغم عدم وفرتهم هي الدليل الآمن لفهم سلوكيات الجماعة حيال شئونها الدعوية والسياسية. ورغم أن مصر كانت هي مهد الإخوان ومنشأ دعوتهم وأفكارهم فإن تسطير الأدبيات التنظيمية لم يقتصر على هؤلاء المصريين حيث تعدى الأمر إلى رموز انتمت لأفرع الجماعة خارج مصر خلال السطور التالية، نشرت "ساسة بوست" تقريرا حول أبرز هؤلاء المنظرين في تاريخ الجماعة، وأبرز إنتاجاتهم الفكرية، مع التعريج على أسباب افتقار جماعة الإخوان في مصر إلى منظرين للجماعة رغم أنها تضم تيارًا عريضًا داخلها.
1- سعيد حوي.. الدعوة الباقية للجماعة تمركزت مؤلفات السوري سعيد حوي الفكرية حول إحياء منصب الخلافة الإسلامية لتوحيد كافة الدول الإسلامية، وصياغة الشخصية الإنسانية الإسلامية في كُل قُطر. من أبرز مؤلفاته الفكرية، "الأساس في التفسير، الأساس في السنة، سلسلة التربية والتزكية، وسلسلة الأصول الثلاثة، وسلسلة فقه الدعوة والعمل الإسلامي”، والتي تسعى هذه الأدبيات لبلورة فكرته الرئيسية في "إحياء الربانية"، حيث التركيز على الجوانب العلمية والدعوية والإيمانية الروحانية، التي كان يراها ضعيفة في جماعة الإخوان، وكذلك في التنظير لما أسماه “الجهاد العالمي” من خلال سلسلة “جند الله”،التي توزّعت على عشرة أجزاء تناول فيها حوّى كافة تفاصيل تهيئة «المجاهد»، وإعداده بدنيًّا وروحيًّا وتنظيميًّا… وقد صدّرها بإهداء: «إلى من تتوفر فيهم صفات حزب الله وخصائصه». تلخصت دعوته وأدبياته في حتمية التمييز بين الدعوي والسياسي، وإقامة التوازن بينهما من خلال العديد من القضايا الجدلية التي كان يقتحمها، ويفندها لتبريرها فقهيًّا، وهو ما انعكس في تحذيراته المُستمرة للتنظيم عمومًا في كافة الأقطار العربية بعدم انجراره كُليًّا للسياسة ودهاليزها، محذرًا من أن هذا الأمر سيورط الجماعة في مُستنقعات السياسة والعجز عن إدارة الصراع بشروطها. 2- فتحي يكن.. أحد رموز التأسيس الثاني يُعتبر اللبناني “فتحي يكن” أحد الرجال الأكثر تأثيرًا في الفكر الحركي لمدرسة الإخوان المسلمين في تأسيسها الثاني، وهو الذي يمكن التأريخ له ببداية الصحوة الإسلامية في سبعينيات القرن العشرين.
ينتمي “يكن” للرعيل الأول من مؤسسي الحركة الإسلامية في لبنان، والتي نشأت في عقد الخمسينيات متأثرة بجهود الإخوان السوريين، وعلى رأسهم الشيخ مصطفى السباعي، وكان يكن أول مستشار أو أمير للجماعة الإسلامية في لبنان الفرع القطري لتنظيم الإخوان المسلمين.
هناك مجموعة مؤلفات عديدة للأستاذ فتحي يكن أبرزها: مشكلات الدعوة والداعية، وكيف ندعو إلى الإسلام؟، ونحو حركة إسلامية عالمية واحدة، وحركات ومذاهب في ميزان الإسلام، ونحو صحوة إسلامية في مستوى العصر، والمناهج التغييرية الإسلامية خلال القرن العشرين، والشباب والتغيير، والموسوعة الحركية، والإسلام فكرة وحركة وانقلاب، وأبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي، وماذا يعني انتمائي للإسلام، وقطوف شائكة من حقل التجارب الإسلامية، والمتساقطون على طريق الدعوة. يرى البعض أن منهج “يكن” في أدبياته كان انعكاسًا لمنهج “سيد قطب” وكانت صدى له، حيث مالت نزعتها للتوحد مع الإسلام، والمزج في بعض الأحيان بين الإسلام كدين وبين رؤيتها الخاصة واجتهادها البشري في فهمه، فوفقًا لما كتبه “يكن” لم يكن هناك فارق بين “ماذا يعني انتمائي للإسلام”، و”ماذا يعني انتمائي للإخوان”. لكن من الجدير بالذكر أن “يكن” نفسه قد انفصل عن تنظيم الإخوان إثر خلافات سياسية وتنظيمية في أواخر حياته.
3- مصطفى السباعي.. رجل التنظيم والسرية حظت كتابات شيخ الإخوان السوريين مصطفى السباعي إبان المد الناصري الاشتراكي، بمحاولة تقديم مقاربات ذات وزن في قضايا العدل الاجتماعي وفي المسألة الاجتماعية عمومًا، وهي المسائل التي كانت تغيب عن أدبيات الجماعة وما تزال مُفتقرة لها، كما حملت مجموعة أفكاره انفتاحًا أكبر على الفكرة العروبية، وعلى المكونات الاجتماعية والوسطية السياسية. تعرَّف السباعي أثناء دراسته بالأزهر في مصر على مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، وظلت الصلة قائمة بينهما بعد عودته إلى سوريا، حيث اجتمع العلماء والدعاة ورجال الجمعيات الإسلامية في المحافظات السورية وقرروا توحيد صفوفهم والعمل جماعة واحدة، وبهذا تأسست منهم “جماعة الإخوان المسلمين” في سوريا. مؤلفات كثيرة بعضها في علوم الشريعة الإسلامية التي اشتهر منها كتابه “السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي”، كما كتب مجموعة من الكتب التنظيمية والحركية الخاصة بفكر الإخوان المسلمين. ومما اشتهر من مؤلفاته كتاب “هكذا علمتني الحياة” الذي كتبه وهو طريح الفراش أيام مرضه. كان “السباعي” يجمع بين كونه رجل التنظيم الذي يميل إلى التدقيق، والدقة، والسرية، والتجميع، والتعظيم من قيم التنظيم بين أعضاء الجماعة، وبين كونه رجلًا دعويًّا يرى أن أدبياته ودعوته لا تتعارضان مع القيم السابقة بل مُكملتان لها في تدعيم أسس التنظيم.
4- سيد قطب.. آخر المنظرين الحركيين للإخوان في مصر لم يكن للإخوان من منظرين حركيين في مصر بعد سيد قطب، وقبله لم يكن هناك سوي حسن البنا نفسه، وفقًا لتقديرات العديد من المهتمين بشؤون الجماعة، حتى أن فترة “الصحوة الإسلامية” لم تفرز أي مُفكرين داخل الجماعة يؤسسون لفكر جديد للجماعة، مواكبًا للسياقات المُستجدة في المسألة الفقهية والسياسية والحياة عمومًا، وذلك على خلفية التأسيس الشمولي للجماعة. على خلفية هذا الفجوة الفكرية الكبيرة في أدبيات الجماعة، والافتقار الكبير لأي منظرين داخليين للجماعة في مصر، استعانت بأدبيات مجموعة من منظري التيار الإسلامي من خارج تنظيماته لسد الفراغ التنظيري في غير النواحي التنظيمية، كي تكون الحل للجدالات الداخلية بين كياناته، ومفاتيح لتغذية الجماعة بالرؤى الفقهية والسياسية والفكرية اللازمة للتواكب مع المستجدات. بعض هؤلاء المنظرين قد انتمى إلى الجماعة خلال فترات من حياته وبعضهم لم يعرف له صلة تنظيمية بالجماعة في أي من الفترات. -أسماء استعانت بها الجماعة من أبرز المنظرين التي استعانت بهم الجماعة، محمد الغزالي، ويوسف القرضاوي، وفهمي هويدي وغيرهم من ذوي الإنتاج الفقهي والفكري والتربوي والسياسي "غير التنظيمي". وقد رأى الخبراء هذا الأمر مُناسبًا لكلا الفريقين؛ فمجموعة الدعاة يعتبرون أن وجودهم خارج التنظيم يعطيهم الحرية في مساحة الاجتهاد، وتفادي تبعات الارتباط التنظيمي، بينما رأتها الجماعة حلًّا مناسبًا لتجاوز الصراعات الداخلية والانقسامات بين كياناتها تأسيسًا على هذه الأدبيات، بجانب كون هؤلاء المفكرين من خارج التنظيم يجعلهم غير مُلزمين بأي شيء. "رفيق حبيب"، مُثقف ذو خلفية مسيحية، أحد المنظرين الذين ارتبطت أسماؤهم بجماعة الإخوان المسلمين، ساعده افتقار الجماعة للمنظرين، ليصبح لفترة من الزمن، مُنظر الإخوان الأصلب والأكثر اقترابًا من قيادات الجماعة، وخوض المعارض باسم قياداتها ضد المطالبين بالتغيير. في كتابه “تحولات الإخوان المُسلمين.. تفكك الأيديولوجية ونهاية التنظيم” يبرر الباحث الراحل حُسام تمام هذه الأمر بطبيعة تكوين جماعة الإخوان المسلمين، حيث يعتبرها جماعة سياسية مُحافظة، وليست جماعة ذات منهج ديني صارم،حيث تعتمد على فئة المهنيين المنضبطين الضجرين من الجدالات، والاعتراضات الداخلية التي تكون مرجعيتها الأولى إلى مدى الأولوية الحركية لذلك، ومدى الفائدة السياسية منه، وحتى أن جزءًا كبيرًا من تسامح الإخوان الفقهي مرده إلى كراهيتهم للدخول في الجدالات الفقهية.