قليلون من يعرفون مصر ويدركون قيمتها ويقدرونها قدرها، تاج العلاء في مفرق الشرق بترابها التبر ونهرها الفرات ، كنانة الله في أرضه التي أصابتها سهام مسمومة، تآمرت على تراثها وتاريخها التليد ولعلها تلك الأصابع التي عبثت بحضارة بغداد حاضرة الخلافة وغيَّرت لون مياة النهر بأحبار المخطوطات والكتب في هجمة تترية شرسة، والمشهد يتكرر في ليلة سقوط بغداد حين وطأت جنود الأمريكان أرضها، نهبت ثرواتها، ومزقت حضارتها، واختفت الكثير من الآثار، وقتل الكثير من العلماء غيلة وغدراً، واليوم نهدم صرحاً من صروح مصر العظيمة، المجمع العلمي ومايحويه من مخطوطات نادرة هي تراث ليس ملكاً لمصر فحسب بل للدنيا بأسرها،هذا المجمع الذي أنشأ في القاهرة 20 أغسطس عام 1798 بقرار من نابليون بونابرت وكانت أهداف المجمع العمل على تقدم مصر العلمي ونشر العلم والمعرفة فى مصر ، وبحث ودراسة ونشر أحداث مصر التاريخية ومرافقها الصناعية. والمجمع العلمي المصري هو أعرق المؤسسات العلمية في مصر؛ إذ مر على إنشائه أكثر من مائتي عام، امتدت أيدى العابثين لتنال من تاريخنا ، وتغتال تراثنا، وتشوه ملامح حقب من تاريخ مصر بكل مافيها،لم ترق قلوبهم لدموع مصر التي هطلت وقد غبر سماءها دخان كثيف، وسقط وسط القتلى أبرياء أجلاء وفي الذؤابة منهم الشيخ الجليل عماد عفت أمين عام الفتوى بدار الافتاء المصرية، ولعل الذي لفت الانتباه هو تلك اللفتة النبيلة عبر اتصال هاتفي للشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة ببرنامج العاشرة مساءً ، عارضاً مبادرة رائعة قائلا : إنني سأتولي إعادة بناء المجمع العلمي مرة ثانية بكل تفاصيل البناء والصيانة . كما أتعهد بالتبرع من مكتبتي الخاصة نسخا أصلية لعدد كبير من المطبوعات النادرة التي كانت موجودة في المجمع . وسوف أبحث عن نسخ أصلية أخري في باريس لشرائها ، والتبرع بها لهذا المركز الكبير . وقال إننا لا ننسي فضل مصر علينا .. فقد أرسلت بعثة تعليمية الي الشارقة عام 1954 ، ونجحت في تشكيل الخريطة العلمية لأبناء الشارقة . حدث هذا وكانت مصر في حاجة الي كل التمويلات المالية ، لكي تعيد بناء إقتصادها بعد ثورة 1952.أ.ه. هؤلاء الذين يعرفون قيمة مصر ويقدرونها يشعرونا بالخجل أحياناً والحيرة أحياناً أخرى، يشعرونا بالخجل لأننا كنا يوماً منارة للدنيا وتآمر عليها المخلوع حتى ترك مصر في ذيل القاطرة العربية، والحيرة أحياناً ممن يصرون على الإجهاز على الوطن بدم بارد وبلا رحمة، إننا اليوم نحتاج إلى وقفة واحدة قوية وشجاعة لنكون دروعاً تحمي وطننا وتقطع اليد الآثمة التي تمتد بسوء لتحرق الوطن، إننا في حاجة إلى أن يهدأ الثوار الحقيقيون قليلاً حتى يتم بتر هذا الجزء السرطاني الذي يصر على تدمير خلايا مصر وإشعال الحرائق بين الحين والحين، فلنكن صفاً واحداً، ويداً واحدة لتسترد مصر عافيتها ولننعم بالطمأنينة والراحة.