أبى عام 2015 أن يجرجر أذياله إلا بمنحنا الكثير من الأحزان والألم، يرحل وترحل معه ابتسامات كانت تسطع على دروبنا من القلب. إحساس الفقد على كل المستويات قاتل، أصدقاء كانوا ملء السمع والبصر، يكتبون ويقرأون بمنتهى العافية والصحة والسعادة، والأمل في غد أكثر بهاء. وأهل كانوا يملأون الدنيا بهجة وحياة، وحركة، ودعت عمي الحبيب الغالي وأساتذة علمونا العلم والأخلاق والفن والأدب، صاروا الآن في عداد الماضي د. محمد حافظ دياب ود. محمد حماسة عبد اللطيف. كما كان عام رحيل الشعر النابع من الجنوب.. محمود المغربي ومأمون الحجاجي، الطيبان اللذان لم يمتلكا ذهبًا ولا فضة إنما امتلكا أخلاقًا وموهبة وحبًا للناس تزن أطنان المال والذهب والفضة.. بعد رحيل مأمون الحجاجي، تفوز روايته صحراء المرتدين بجائزة دار نشر "كشيدة". فلماذا يا مأمون يا حجاجي تركت الحياة دون أن تشفي غليلك من عذوبة الكتابة وعذابها، تلك الأنثى المراوغة التي يا كم كنت تعشقها، لذا أعطتك نفسها ولم تبخل عليك يومًا، فوهبتك نفسها راضية، مرة في رواية، ومرة في قصيدة بالفصحى وثالثة بالعامية ورابعة بدراما مسرحية وخامسة بقراءة نقدية، وسادسة بطرفة تسكبها في قلب صفحتك على الفيس بوك وتهرب! لم تمت، فنحن الموتى.. أتممت عامك الخامس والخمسين منذ أسبوعين فقط، وياكم كنت سعيدًا وأنت تتدفأ بفلذاتك أحمد ومحمد وزينب، زهور عمرك وابتسام روحك وهم يملأون الدنيا من حولك بالأمان، ويمنحان روحك هدوءها وهى التي لم يعرف جناحاها كيف يحطان على أرض البشر المشحونة بالآلام والأحزان والمشاحنات والصراعات يوما! ها هى الدموع تحفر مجراها في كبدٍ حرّى لأبنائك الذين لا يعرف أحد مقدارهم وعندك سواك والمقربون منا، فيقفون ارتباكًا، من سيقلب أوراقهم، ومن سيمحو ذرات التراب عن وجوههم ومن سيمسد بيده الرحيمة برد أرواحهم غيرك أنت؟ ها هم أوزوريس نصير الفقراء، ومن مذكرات الولد المنتظر، وانتظار، والسلطانة ملك، ورقية، وتفاصيل سوداء ومنديل أبيض، وشال حرير أحمر وصوتي حلو يا أزهار وكثير كثير مما خططته بفتات روحك وعصير قلبك! لم تكن الجوائز تشغلك أيها الأقصري الحجاجي الطيب بقدر ما كان يشغلك شعورك بالإنجاز، أتذكر لمعت روحك حين اقتنص “الانتظار” جائزة الفجيرة للمونودراما، وفي كل جائزة تحصل عليها كنت تشعر بالفرحة كطفل أخضر يبني قصرا من لآلئه الحرة. نم قرير العين يا مأمون يا حجاجي.. فمن كان له قلب كقلوب الطير مثلك.. على القساة ألا يقتربوا من فضائه كي لا يعكروا صفو روحه..!