إتاحة الاستعلام عن موعد الامتحان الشفوي لوظائف الأئمة بوزارة الأوقاف رسميًا    جامعة سوهاج: تعيين 269 طبيبًا من خريجي الدفعة 29 بالمستشفيات الجامعية    متاح الآن.. جدول امتحانات الصف الأول الثانوي الترم الثاني 2025 بالمنيا    تخطت أعمارهم 90 عامًا.. «التأمينات» تكشف سبب إيقاف بعض المعاشات (فيديو)    خبير روسي: انقسام بين العسكريين والاقتصاديين حول إنهاء حرب أوكرانيا    الرئيس اللبناني: حصر السلاح بيد الدولة منصوص عليه في اتفاق الطائف وبيان الحكومة    فيدان: تركيا تولي أهمية كبرى لتعزيز التعاون والتنسيق مع السعودية    من هو صاحب لقطة «المجنون» التي أغضبت الزمالك في إعلان الأهلي المحذوف؟    بالسنج والشوم.. ضبط 10 أشخاص تشاجروا في حفل زفاف بسوهاج    وزير التموين يناقش رسالة دكتوراه عن القيادة والولاء الوظيفي بجامعة حلوان    أحمد غزي أول الحضور في العرض الخاص ل«المشروع X»    نائب محافظ الأقصر يشهد افتتاح معرض أثري بمتحف الأقصر للفن المصرى القديم    ما لا يجوز في الأضحية: 18 عيبًا احذر منها قبل الشراء في عيد الأضحى    أمين الفتوى: يجوز للمرأة الحج دون محرم.. لكن بشرط    صحة كفر الشيخ: إقبال 1983 مواطنا على القافلة الطبية المجانية بقرية صندلا    في 5 خطوات.. طريقة تنظيف الثلاجة والتخلص من الروائح الكريهة بسهولة    مصدر حكومي: نسعى لعلاقة متوازنة بين المالك والمستأجر فى الإيجار القديم    خبير: الحرب البرية بدأت فعليًا.. وحماس وقعت في شرك المفاوضات الأمريكية    الكنائس الأرثوذكسية الشرقية يحتفلون بذكرى مرور 17 قرنا على انعقاد مجمع نيقية بالكاتدرائية    أتلتيكو مدريد يحسم الشوط الأول بثنائية أمام ريال بيتيس في الليجا    احتفال ثقافي شامل يجمع الإبداع والهوية في اليوم العالمي للتنوع    محافظ المنوفية يترأس اللجنة العليا للقيادات لاختيار مدير عام التعليم الفني    9 وزارات تدعم الدورة الرابعة لمؤتمر CAISEC'25 للأمن السيبراني    الحماية المدنية تسيطر على حريق نشب في سيارة تحمل كرتون مضغوط بالمنوفية    أسرة عبد الحليم حافظ: العندليب لم يتزوج من سعاد حسني والجواب مكتوب بخط يدها    أحكام الحج والعمرة (1).. علي جمعة يوضح شروط ووجوه أداء العمرة    محافظ القاهرة يكرم 40 طالبًا وطالبة الحاصلين على المراكز الأولى في المسابقة الدينية    علاء عبد العال: بيراميدز فرط في الصدارة.. والأهلي الأقرب لحسم الدوري    7 صور ل ندى كوسا.. خطفت الأنظار في فعاليات مسابقة ملكة جمال العالم    جهاز تنظيم الاتصالات يناقش أبرز تحديات المستخدمين في عصر الجيل الخامس    أنغام تتألق في "ليلة العمر" بالكويت وتستعد لحفل عالمي على مسرح "رويال ألبرت هول" بلندن    أتالانتا يتمسك بماتيو ريتيجي رغم اهتمام ميلان ويوفنتوس    تعليم الشيوخ تستكمل مناقشة مقترح تطوير التعليم الإلكتروني في مصر    "جلسة جديدة".. بايرن ميونخ يكشف تطورات المفاوضات مع ساني    إغلاق ميناء الغردقة البحري بسبب سوء الأحوال الجوية    محافظة الجيزة تزيل 3 أدوار مخالفة فى عقار بحى العجوزة    وزير الدفاع الباكستاني: تلقّينا عرضًا هنديًّا للتفاوض حول كشمير والإرهاب.. ولا يمكن تجاهل الدور الدولي    بدء التصويت في الانتخابات التشريعية بالبرتغال    بداية من اليوم.. السكة الحديد تتيح حجز تذاكر قطارات عيد الأضحى 2025    حكم قراءة الفاتحة وأول البقرة بعد ختم القرآن؟.. علي جمعة يوضح    محافظ المنوفية يتابع الموقف التنفيذى لمشروعات الخطة الاستثمارية 2025    تواضع رغم النجاح| 4 أبراج لا تغريها الأضواء وتسعى للإنجاز بصمت    هل الكركم ضار بالكلى؟    الداخلية تواصل تيسير الإجراءات للحصول على خدمات الجوازات والهجرة    «مأزق جديد».. بيراميدز يدرس عدم خوض مباراة سيراميكا ويلوح بالتصعيد    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع لسرقته    أشرف العربى: تحسن ملموس فى مستوى التنمية فى مصر    التعليم العالي: قافلة طبية من المركز القومى للبحوث تخدم 3200 مريض فى 6 أكتوبر    حماس: الإدارة الأمريكية تتحمل مسئولية المجازر الإسرائيلية بغزة    وفاة بالسرطان.. ماقصة "تيفو" جماهير كريستال بالاس الخالدة منذ 14 عامًا؟    محافظ الدقهلية يفتتح الوحدة الصحية بالشيخ زايد بمدينة جمصة    أوكرانيا تعلن ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 973 ألفا و730 فردا    السلطات السعودية تحذر الحجاج من ظاهرة منتشرة تعيق حركة الطائفين والمصلين    فيديو.. لحظة اصطدام سفينة بجسر في نيويورك ومقتل وإصابة العشرات    خذوا احتياطاتكم.. قطع الكهرباء عن هذه المناطق في الدقهلية الثلاثاء المقبل لمدة 3 ساعات    أشرف العربي: رغم التحسن الملموس في أداء التنمية في مصر إلا أنه لازال أقل من المأمول    براتب 15 ألف جنيه.. «العمل» تعلن 21 وظيفة للشباب بالعاشر من رمضان    مصطفى عسل يهزم علي فرج ويتوج ببطولة العالم للإسكواش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في موكب النور.. بين أحمد والمسيح
نشر في المصريون يوم 31 - 12 - 2015

في هذه اللحظات النورانية المحيطة التي شهدت مولد البشير أحمد وأخيه المسيح، عليهما السلام، تعاودنا الذكرى العام بعد العام، تعاودنا ذكرى من النور الهادي والمسرات المفعمة بالحب والأمل .. بيد أنها تعالج فينا قلوبا كالحجارة صلدا وكبرا، وتقتحم نفوسا عصية كالجياد جموحا وحمقا.. ولا زال موكب النور يسير في مضماره ويلقي بهدايته للعالمين .. والبشرية من حولنا تفارق الإنسانية التي بعثها المسيح والروح الإنسانية فينا تخاصم الروح التي أحياها أحمد .. والحق أقول: إن إنسان النبوة يموت من حولنا في كل المواطن .. ونحن في تيه عنه تفرقت بنا السبل وتقطعت بنا الذرائع.. فلا عجب أن نرجع القهقرى حضارة وثقافة وإنسانية...
نتساءل.. لماذا يعاني العالم اليوم ويلات الحروب؟ لماذا تنفق الدول ميزانيتها على سوق التسلح؟ أي شيطان يرسم خارطة الأولويات في حياة الإنسان المعاصر؟ لماذا تشتعل نيران التطرف ومحارق الطائفية الدينية والمذهبية؟ ألم تتضاعف موارد الأرض عشرات المرات؟ ألا يوجد ما يكفي من الماء والطعام والرفاهية للبشر جميعا؟ ألا يوجد في الأرض من السكن الجميل والحدائق الغناء ما تستظل به الإنسانية جمعاء؟
نعم... إجابة قاطعة.. يعلمها صناع القرار وسدنة معابد الحروب وتجار الدماء وعشاق التسلط؛ فلو قرر الساسة صناعة السلام بدلا من الحرب، وصناعة الرفاهية بدلا من السلاح، وصناعة الحب بدلا من الكراهية، وصناعة الحرية بدلا من التبعية، وصناعة الأخوة بدلا من العنصرية.. لتغيرت حياة الإنسانية جمعاء... هنا نلفت انتباه الأمم المتحدة وقادة الدول .. نلفت انتباه الرؤساء والزعماء وصناع القرار .. هذه رسالة المسيح ورسالة نبي الرحمة... فهلا تابعتموهم حقا..
جاء المسيح إلى مجتمع تسوده الوثنية ويقوده المنافقون.. وولد محمد في عاصمة الوثنية القديمة حيث الأصنام تحاصر الكعبة من كل ناحية.. ومن حولهما مجتمع يقوده أصحاب المال والمصالح .. ولكن إلى أين؟ لا أحد يدري.. فلنستمر ولو كانت الدفة تسير إلى الهاوية.. ولو لكانت الحرب على الإنسان.. ولو كانت الغاية غاية دنية تستلذ عذابات الإنسانية واستعباد البشرية والتلاعب بمصائر الناس...
على هامش هذا المجتمع القديم الحديث —وهو هامش عريض شمل أغلبية الإنسانية حينئذ— يئن المساكين، ويقضي الجوعي، وتموت الأحلام .. وعلى ضفافه البائسة تزدهر الأشواك .. تنعدم الرحمة.. يستشري النفاق والكبر.. تنتشر الوثنيات المختلفة.. يتكاثر الطواغيت.. تتقد نيران الكراهية.. تضمحل جداول الحب... تنتحر الإنسانية!!!
حينئذ عزّى المسيحُ المساكين والمحرومين والمهضومين والعبيد .. فعادت دمعات المقهوين ضحكا، وعاد يأس البائيسين أملا.. بينما جمع محمدُ أهل الضعف والمسكنة والحاجة والمسغبة إلى نفسه ”اللهم أحييني مسكينًا وأمِتني مسكينًا واحشرني مع المساكين“ (الترمذي) ”أحبوا الفقراء وجالسوهم“ (الحاكم) ونسبهم إلى بيته: ”سلمان منا آل البيت“ (الطبراني والحاكم) فأنزلهم منزلة الأهل والخلصاء وأخرج أعظم ما فيهم من قيم الخير والبر والسمو فصنع منهم قادة الإنسانية ورواد الحرية وأنصار المساواة والعدالة الإنسانية... ثم رحل وتركهم يقودون سفينة السلام والحب والرفاهية، وهل خير من محروم يعطي من غنى بعد حرمان!! ومن ودود يرحم من نفس زللتها لحظات القسوة والهوان!!
من قديم .. نادي المسيح بجلالة الإنسان وأعاد الحياة إلى أهل المسكنة والحزن والفقر: ”طوبى للمساكين بالروح؛ لأن لهم ملكوت السموات.. طوبى للحزانى لأنهم يتعزون.. طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يُشبعون.. طوبى للرحماء لأنهم يُرحمون.. طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله .. طوبى للمطرودين من أجل البر لأن لهم ملكوت السموات..“ (متى، السفر الخامس) ..
ومن بوارق إشارات النور النابضة بحكمة الوحي جاء الحبيب محمد فأكدها ونفخ بسناها الرقراق الروح الإنسانية وعاد بالحياة إلى سنتها الأولى.. كان الناس إنما يحترمون أهل الجاه والقوة ففتح أمام الضعفة والفقراء دروب الأمل وأبواب الحرية ثم وعدهم الجنة تعزية عما فاتهم من هالك الدنيا: ”اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء“ (البخاري ومسلم)، وسرهم بما لهم من بقاء فأغناهم عما فاتهم من الفناء: ”تَجْتَمِعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُقَالُ:أَيْنَ فُقَرَاءُ هَذِهِ الأُمَّةِ وَمَسَاكِينُهَا؟ قَالَ: فَيَقُومُونَ ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا عَمِلْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا ابْتَلَيْتَنَا فَصَبَرْنَا ، وَآتَيْتَ الأَمْوَالَ وَالسُّلْطَانُ غَيْرَنَا ، فَيَقُولُ اللَّهُ: صَدَقْتُمْ ، قَالَ: فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ النَّاسِ ، وَيَبْقَى شِدَّةُ الْحِسَابِ عَلَى ذَوِي الأَمْوَالِ وَالسُّلْطَانِ..“ (ابن حبان).
كانوا يأنفون صحبة الفقراء فقال لأصحابه: ”أحبوا الفقراء وجالسوهم“ (الحاكم).. كما أنفوا حبهم ومودتهم فأمرهم بحبهم كما رواه أَبو ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنِي خَلِيلِي بِسَبْعٍ: ”أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ..“ (أحمد)، ولما جاءوا إليه برجل قد هاب مجلسه فوجل وارتعد، قال له: ”هوّن عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد “ (الطبراني والبيهقي).
وكان الناس إنما يتناكحون ويتفاخرون على الأنساب حتى تكاثروا بالنابهين والسادة من الأموات ”ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر“ (القرآن، 102: 1-2 ) فجاءهم يعصف بمقاييس الدنيا ويثبت أصول الخير والبر والتقوى: ”إن أكرمكم عند الله أتقاكم“ (القرآن، 49: 13)... ”إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ“ (الترمذي)..
كان الناس إنما يصحب بعضهم بعضا على الدنيا، فأبدلهم بها الأخوة الكاملة وجعلها آية لحب الله ونيل رضوانه فقال مبلغا عن ربه: ”وجبت محبتي للمتحابين في، وللمتجالسين في، والمتباذلين في، والمتزاورين في“ (مالك في الموطأ). ”سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ .. َرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ, اجْتَمَعَا عَلَيْهِ, وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ“ (متفق عليه).
وكما حذر المسيح من أهل النفاق في الدين وعباد المصلحة في الفكر والثقافة فقال: ”احْذَرُوا مِنَ الْكَتَبَةِ الَّذِينَ يَرْغَبُونَ الْمَشْيَ بِالطَّيَالِسَةِ، وَيُحِبُّونَ التَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ، وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ، وَالْمُتَّكَآتِ الأُولَى فِي الْوَلاَئِم.. اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ، وَلِعِلَّةٍ يُطِيلُونَ الصَّلَوَاتِ. هؤُلاَءِ يَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ “ (لوقا، 20-47)، (مرقس، 12: 38).
نعم .. من هذه المشكاة النورانية ذاتها تدفقت كواشف الوحي تجلي صفاتهم؛ فتذكر تأنقهم في الحديث والصورة مع ظلمة القلوب وفساد الطوية: ”وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ.. “، (القرآن، 63: 7)، وتعري فساد عقيدتهم وأمانيهم الباطلة الراغبة في إفساد الناس: ”وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً“ (القرآن، 89).. وعرف النبي بدقيق خاصلهم فقال: ”إِنَّ لِلْمُنَافِقِينَ عَلَامَاتٍ يُعْرَفُونَ بِهَا: تَحِيَّتُهُمْ لَعْنَةٌ ، وَطَعَامُهُمْ نُهْبَةٌ ، وَغَنِيمَتُهُمْ غُلُولٌ ، وَلَا يَقْرَبُونَ الْمَسَاجِدَ إِلَّا هَجْرًا ، وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا دَبْرًا ، مُسْتَكْبِرِينَ ، لَا يَأْلَفُونَ وَلَا يُؤْلَفُونَ ، خُشُبٌ بِاللَّيْلِ ، صُخُبٌ بِالنَّهَار“ (أحمد).
كان أهل الزمان يمتدحون الشدة والفتك ويعيشون للثأر والانتقام ويلهجون بالحروب والدماء.. يقتل بعضهم بعضا لعبا ولهوا وصراعا وشغبا، فقال لهم المسيح: ”طوبى لصانعي السلام. لأنهم أبناء الله يدعون ...“ (متى، السفر الخامس) وقال لهم: ”قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجب الحكم.. وأما أنا فأقول لكم: إن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم.. ومن قال: يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم.. فان قدمت قربانك الى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك.. فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولا اصطلح مع أخيك. وحينئذ تعال وقدم قربانك“ (متى، 5: 21-25)..
ومن بعده قام فيهم أحمد يذيع رسالة السلام فريضة لازمة لا ريبة فيها وينهى عن الدماء لأنها طريق الشيطان: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ“، (القرآن، 2: 208)، حتى إذا استبدت الحياة بمعاركها واستبدت الشياطين بنفوس الناس.. بث إليهم عوالج نفسه بوجوب اللجوء إلى الله أن يجنبهم القتال: ”لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية“ (البخاري). وهو بعدُ يتلو عليهم كلام الحي الذي وهب الحياة ووضع حرمتها وقدسيتها: ”مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا“ (القرآن، 5: 32)، ”وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ “ (القرآن، 6: 151).
كانت حياته لصناعة الجنة والجنة موقوفة على نشر المسامحة وكظم الغيظ وحفظ الحياة: ”وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ.. الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ“ (القرآن، 3: 133-134). ”من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه ملأه الله أمنا وإيمانا“ (أبو داود).. وردع الناس عن التطاول والاستهزاء بإخوة الإنسانية ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ “ (القرآن، 49: 11)، وجعل هذه الوقاحات خلعا لستر الإيمان ونقضا لطهارته الزكية: ”المؤمن ليس باللعان ولا الطعان ولا الفاحش ولا البذيء “ (أحمد)..
جمع الله رسالة نبيه في”الرحمة“ فقال له: ”وما أرسلنالك إلا رحمة للعالمين“ (القرآن، 21: 107).. وأوجز النبي رسالته فيها فقال: ”إنما بعثت رحمة مهداة“ (الحاكم والطبراني) بل جمع النبي النجاة والجنة في الإيمان .. وجمع معاقد الإيمان في الحب .. وجعل سبيل الحب ”السلام“ فقال: ”لاَ تَدْخُلُوا الجَنَّة حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ“ ... ولم يزل يلهج بالإنسانية وحبها حتى أخذت مكانها في قلوب الأحرار والعبيد، حتى جمع عمار بن ياسر الإيمان في العدالة والسلام والسخاء فقال: ”ثَلاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإيْمَانَ: الإنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وبَذْلُ السَّلاَمِ للعَالَمِ، والإنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ“ (البخاري تعليقا)... وليس هناك من عجب فقد اهتدى عمار إلى لب اللباب وغاية الصواب، وكان رضي الله عنه عبدا فحرره الإسلام، مستضعفا فرفعه الإسلام، مؤخرا فقدمه الإسلام..
هذه أيها السادة رسالة إلى صناع السلام من أتباع المسيح وأحمد .. نداء القلب إلى القلب .. والعالم تفتك به الحروب والدماء.. ومشاهدة نشرات الأخبار كفيلة بزرع اليأس والبأس والقنوط في قلوب الناس.. وخلق بيئة مثالية للفكر المتطرف... لقد خاطب المسيح ومن بعده الحبيب محمد.. فيكم الصلاح والخير وذكرا بدوركم وريادتكم للبشرية، فقال المسيح عليه السلام:
- أنتم ملح الأرض ولكن إن فسد الملح بماذا يملح؟ ... أنتم نور العالم، لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل.. فليضي نوركم هكذا قدام الناس.. لكي يروا أعمالكم الحسنة... (متى، السفر الخامس)..
- أحبوا أعداءكم .. أحسنوا إلى مبغضيبكم.. باركوا لاعنيكم.. صلوا لأجل الذين يسئيون إليكم اغفروا يغفر لكم.. (لوقا، السفر السادس)
وفتح محمد أمامكم دروب النور وطريق الحياة وسبيل السعادة ...
- أفشوا السلام.. أطعموا الطعام.. صِلُوا الأرحام... (أحمد والترمذي)
- أحبوا المساكين .. قربوا الفقراء .. (أحمد والحاكم)
- ارحموا المحرومين.. اعطوا من حرمكم.. اعفوا عمن ظلمكم.. صلوا من قطعكم.. (أحمد)
- ابذلوا السلام للعالم...
دعونا نحلم ب”يوم الحياة“ يوم تعيش الأرض يوما قدسيا يمر علينا دون دماء ودون قتل ودون تفجير أو هدم أو تحقير لكرامة الإنسان...

جامعة الأزهر الشريف.. عضو المجلس الأعلى لشئون الإسلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.