بعد انهيار سعر الدولار.. الجنيه يحقق مكاسب جديدة اليوم    سعر كرتونه البيض اليوم الأربعاء 1اكتوبر 2025فى المنيا    ارتفاع توقع البقاء على قيد الحياة في مصر عام 2025    الإصدار السادس والأربعين لسندات التوريق يرفع إجمالي إصدارات شركة ثروة للتوريق إلى 35.3 مليار جنيه، بضمان محافظ متنوعة وتصنيفات ائتمانية متميزة    ميدو يفتح النار: فيريرا لازم يمشي .. أقل من الزمالك    تعرف على أسماء 11 عامل مصابي حادث انقلاب سيارة ربع نقل علي طريق المعصرة بلقاس في الدقهلية    بدء المدارس في تنفيذ أول تقييمات الفصل الدراسي الأول لصفوف النقل    ظهور فيروس اليد والفم والقدم (HFMD) بين طلاب مدرسة في الجيزة.. تفاصيل وإجراءات عاجلة لطمأنة الأهالي    في اليوم العالمي للمسنين.. أهم الإرشادات للتغذية السليمة وحماية صحة كبار السن    أرقام من مواجهة برشلونة وباريس قبل المواجهة الأوروبية    بالتزامن مع جلسة النواب لمناقشة قانون الإجراءات الجنائية.. تعرف على المواد التي اعترض عليها رئيس الجمهورية    بدء صرف معاشات شهر أكتوبر 2025 بالزيادة الجديدة    الإدارة العامة للمرور: ضبط (112) سائقًا تحت تأثير المخدرات خلال 24 ساعة    نقابة المهندسين: البدء في تنفيذ لائحة ممارسة المهنة الجديدة    خالد بيومي يهاجم اتحاد الكرة بعد سقوط شباب مصر أمام نيوزيلندا    فوز مصر ممثلة في هيئة الرعاية الصحية بالجائزة البلاتينية في المبادرة الذهبية فئة الرعاية المتمركزة حول المريض    تعزيز الشراكة الصحية بين مصر ولبنان على هامش القمة العالمية للصحة النفسية بالدوحة    الأخبار المتوقعة اليوم الأربعاء الموافق الأول من أكتوبر 2025    الاثنين أم الخميس؟.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 للموظفين بعد قرار مجلس الوزراء    محمد كامل: أمانة العمال بالجبهة الوطنية صوت جديد للطبقة العاملة في الجيزة    بالصور.. البابا تواضروس الثاني يدشن كاتدرائية مارمرقس بدير المحرق في أسيوط    «الإحصاء»: 45.32 مليار دولار صادرات مصر خلال عام 2024    «مدمن حشيش».. السجن 3 سنوات ل"طفل المرور" بتهمة تعاطى المخدرات    إصابة 14 عاملًا في انقلاب سيارة ربع نقل على طريق الفيوم الصحراوي    أمن المنوفية يكثف جهوده لكشف غموض حادث مقتل سيدة داخل منزلها بالمنوفية    تعاون بين «بحوث الصحراء» و«الأكاديمية الصينية للعلوم» لدعم التنمية المستدامة    «الدفاع المدني بغزة»: إصابة 7 ضباط إنقاذ بقصف للاحتلال    كتابان من وزارة الخارجية بشأن زيارات رئيس الجمهورية وإنجازات الدبلوماسية المصرية    بث مباشر| انعقاد الجلسة الافتتاحية لمجلس النواب لدور الانعقاد العادي السادس    «وزير الصحة»: مصر تترجم التزامات الأمم المتحدة إلى إجراءات وطنية ملموسة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 1-10-2025 في محافظة قنا    عاجل| الدفاع المدني بغزة: الاحتلال استهدف طاقمنا بمدرسة الفلاح بحي الزيتون بشكل متعمد    ما حكم ظهور ابنة الزوجة دون حجاب أمام زوج أمها؟.. دار الإفتاء توضح    في بداية الشهر.. أسعار الفراخ اليوم تحلق عاليًا    روسيا تتولى رئاسة مجلس الأمن الدولي    مغامرة وحماس واستكشاف .. تعرف على أكثر 5 أبراج مفعمة بالشغف    طقس اليوم الأربعاء.. بداية محدودة لتقلبات جوية    وزير الخارجية يترأس اجتماع مجلس إدارة الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية    مع اقترابه من سواحل غزة.. رفع حالة التأهب ب"أسطول الصمود"    الحوثيون: استهداف سفينة بصاروخ مجنح في خليج عدن    بالأسماء.. إصابة 5 أشخاص إثر اصطدام سيارتين ملاكى بصحراوى البحيرة    كرة يد - موعد مباراة الأهلي ضد ماجديبورج على برونزية كأس العالم للأندية    ماجد الكدواني وغادة عادل وحميد الشاعري في عرض "فيها إيه يعني"    انهيار "الروصيرص" السوداني خلال أيام، خبير يحذر من استمرار الفيضان العالي لسد النهضة    «محدش وقف جنبي.. وخدت 6000 صوت بدراعي».. رد غاضب من مجدي عبدالغني بسبب مقولة ولاد الأهلي    أيمن منصور: الزمالك قدم شوطا جيدا أمام الأهلي والخسارة محزنة بعد التقدم    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 1-10-2025 في بني سويف    المحكمة الدولية تطلع على حيثيات بيراميدز في قضية سحب الدوري من الأهلي    موعد معرض القاهرة الدولي للكتاب 2026.. انطلاق الدورة ال57 بمشاركة واسعة    د.حماد عبدالله يكتب: الإدارة الإقتصادية فى المحروسة (1) !!    محمد منير: الأغنية زي الصيد.. لازم أبقى صياد ماهر عشان أوصل للناس    محمد منير: «خايف من المستقبل.. ومهموم بأن تعيش مصر في أمان وسلام»    ماذا يحدث داخل الزمالك بعد القمة؟.. تمرد اللاعبين ومستقبل فيريرا    ضياء رشوان: نتنياهو سيحاول الترويج بأن خطة ترامب انتصار له    ضياء رشوان: أي مبادرة إنسانية في غزة يجب قراءتها سياسيًا وحق العودة جوهر القضية الفلسطينية    باسم يوسف يعود إلى الشاشة المصرية عبر برنامج "كلمة أخيرة" على ON    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في موكب النور.. بين أحمد والمسيح
نشر في المصريون يوم 31 - 12 - 2015

في هذه اللحظات النورانية المحيطة التي شهدت مولد البشير أحمد وأخيه المسيح، عليهما السلام، تعاودنا الذكرى العام بعد العام، تعاودنا ذكرى من النور الهادي والمسرات المفعمة بالحب والأمل .. بيد أنها تعالج فينا قلوبا كالحجارة صلدا وكبرا، وتقتحم نفوسا عصية كالجياد جموحا وحمقا.. ولا زال موكب النور يسير في مضماره ويلقي بهدايته للعالمين .. والبشرية من حولنا تفارق الإنسانية التي بعثها المسيح والروح الإنسانية فينا تخاصم الروح التي أحياها أحمد .. والحق أقول: إن إنسان النبوة يموت من حولنا في كل المواطن .. ونحن في تيه عنه تفرقت بنا السبل وتقطعت بنا الذرائع.. فلا عجب أن نرجع القهقرى حضارة وثقافة وإنسانية...
نتساءل.. لماذا يعاني العالم اليوم ويلات الحروب؟ لماذا تنفق الدول ميزانيتها على سوق التسلح؟ أي شيطان يرسم خارطة الأولويات في حياة الإنسان المعاصر؟ لماذا تشتعل نيران التطرف ومحارق الطائفية الدينية والمذهبية؟ ألم تتضاعف موارد الأرض عشرات المرات؟ ألا يوجد ما يكفي من الماء والطعام والرفاهية للبشر جميعا؟ ألا يوجد في الأرض من السكن الجميل والحدائق الغناء ما تستظل به الإنسانية جمعاء؟
نعم... إجابة قاطعة.. يعلمها صناع القرار وسدنة معابد الحروب وتجار الدماء وعشاق التسلط؛ فلو قرر الساسة صناعة السلام بدلا من الحرب، وصناعة الرفاهية بدلا من السلاح، وصناعة الحب بدلا من الكراهية، وصناعة الحرية بدلا من التبعية، وصناعة الأخوة بدلا من العنصرية.. لتغيرت حياة الإنسانية جمعاء... هنا نلفت انتباه الأمم المتحدة وقادة الدول .. نلفت انتباه الرؤساء والزعماء وصناع القرار .. هذه رسالة المسيح ورسالة نبي الرحمة... فهلا تابعتموهم حقا..
جاء المسيح إلى مجتمع تسوده الوثنية ويقوده المنافقون.. وولد محمد في عاصمة الوثنية القديمة حيث الأصنام تحاصر الكعبة من كل ناحية.. ومن حولهما مجتمع يقوده أصحاب المال والمصالح .. ولكن إلى أين؟ لا أحد يدري.. فلنستمر ولو كانت الدفة تسير إلى الهاوية.. ولو لكانت الحرب على الإنسان.. ولو كانت الغاية غاية دنية تستلذ عذابات الإنسانية واستعباد البشرية والتلاعب بمصائر الناس...
على هامش هذا المجتمع القديم الحديث —وهو هامش عريض شمل أغلبية الإنسانية حينئذ— يئن المساكين، ويقضي الجوعي، وتموت الأحلام .. وعلى ضفافه البائسة تزدهر الأشواك .. تنعدم الرحمة.. يستشري النفاق والكبر.. تنتشر الوثنيات المختلفة.. يتكاثر الطواغيت.. تتقد نيران الكراهية.. تضمحل جداول الحب... تنتحر الإنسانية!!!
حينئذ عزّى المسيحُ المساكين والمحرومين والمهضومين والعبيد .. فعادت دمعات المقهوين ضحكا، وعاد يأس البائيسين أملا.. بينما جمع محمدُ أهل الضعف والمسكنة والحاجة والمسغبة إلى نفسه ”اللهم أحييني مسكينًا وأمِتني مسكينًا واحشرني مع المساكين“ (الترمذي) ”أحبوا الفقراء وجالسوهم“ (الحاكم) ونسبهم إلى بيته: ”سلمان منا آل البيت“ (الطبراني والحاكم) فأنزلهم منزلة الأهل والخلصاء وأخرج أعظم ما فيهم من قيم الخير والبر والسمو فصنع منهم قادة الإنسانية ورواد الحرية وأنصار المساواة والعدالة الإنسانية... ثم رحل وتركهم يقودون سفينة السلام والحب والرفاهية، وهل خير من محروم يعطي من غنى بعد حرمان!! ومن ودود يرحم من نفس زللتها لحظات القسوة والهوان!!
من قديم .. نادي المسيح بجلالة الإنسان وأعاد الحياة إلى أهل المسكنة والحزن والفقر: ”طوبى للمساكين بالروح؛ لأن لهم ملكوت السموات.. طوبى للحزانى لأنهم يتعزون.. طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يُشبعون.. طوبى للرحماء لأنهم يُرحمون.. طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله .. طوبى للمطرودين من أجل البر لأن لهم ملكوت السموات..“ (متى، السفر الخامس) ..
ومن بوارق إشارات النور النابضة بحكمة الوحي جاء الحبيب محمد فأكدها ونفخ بسناها الرقراق الروح الإنسانية وعاد بالحياة إلى سنتها الأولى.. كان الناس إنما يحترمون أهل الجاه والقوة ففتح أمام الضعفة والفقراء دروب الأمل وأبواب الحرية ثم وعدهم الجنة تعزية عما فاتهم من هالك الدنيا: ”اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء“ (البخاري ومسلم)، وسرهم بما لهم من بقاء فأغناهم عما فاتهم من الفناء: ”تَجْتَمِعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُقَالُ:أَيْنَ فُقَرَاءُ هَذِهِ الأُمَّةِ وَمَسَاكِينُهَا؟ قَالَ: فَيَقُومُونَ ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا عَمِلْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا ابْتَلَيْتَنَا فَصَبَرْنَا ، وَآتَيْتَ الأَمْوَالَ وَالسُّلْطَانُ غَيْرَنَا ، فَيَقُولُ اللَّهُ: صَدَقْتُمْ ، قَالَ: فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ النَّاسِ ، وَيَبْقَى شِدَّةُ الْحِسَابِ عَلَى ذَوِي الأَمْوَالِ وَالسُّلْطَانِ..“ (ابن حبان).
كانوا يأنفون صحبة الفقراء فقال لأصحابه: ”أحبوا الفقراء وجالسوهم“ (الحاكم).. كما أنفوا حبهم ومودتهم فأمرهم بحبهم كما رواه أَبو ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنِي خَلِيلِي بِسَبْعٍ: ”أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ..“ (أحمد)، ولما جاءوا إليه برجل قد هاب مجلسه فوجل وارتعد، قال له: ”هوّن عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد “ (الطبراني والبيهقي).
وكان الناس إنما يتناكحون ويتفاخرون على الأنساب حتى تكاثروا بالنابهين والسادة من الأموات ”ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر“ (القرآن، 102: 1-2 ) فجاءهم يعصف بمقاييس الدنيا ويثبت أصول الخير والبر والتقوى: ”إن أكرمكم عند الله أتقاكم“ (القرآن، 49: 13)... ”إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ“ (الترمذي)..
كان الناس إنما يصحب بعضهم بعضا على الدنيا، فأبدلهم بها الأخوة الكاملة وجعلها آية لحب الله ونيل رضوانه فقال مبلغا عن ربه: ”وجبت محبتي للمتحابين في، وللمتجالسين في، والمتباذلين في، والمتزاورين في“ (مالك في الموطأ). ”سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ .. َرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ, اجْتَمَعَا عَلَيْهِ, وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ“ (متفق عليه).
وكما حذر المسيح من أهل النفاق في الدين وعباد المصلحة في الفكر والثقافة فقال: ”احْذَرُوا مِنَ الْكَتَبَةِ الَّذِينَ يَرْغَبُونَ الْمَشْيَ بِالطَّيَالِسَةِ، وَيُحِبُّونَ التَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ، وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ، وَالْمُتَّكَآتِ الأُولَى فِي الْوَلاَئِم.. اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ، وَلِعِلَّةٍ يُطِيلُونَ الصَّلَوَاتِ. هؤُلاَءِ يَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ “ (لوقا، 20-47)، (مرقس، 12: 38).
نعم .. من هذه المشكاة النورانية ذاتها تدفقت كواشف الوحي تجلي صفاتهم؛ فتذكر تأنقهم في الحديث والصورة مع ظلمة القلوب وفساد الطوية: ”وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ.. “، (القرآن، 63: 7)، وتعري فساد عقيدتهم وأمانيهم الباطلة الراغبة في إفساد الناس: ”وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً“ (القرآن، 89).. وعرف النبي بدقيق خاصلهم فقال: ”إِنَّ لِلْمُنَافِقِينَ عَلَامَاتٍ يُعْرَفُونَ بِهَا: تَحِيَّتُهُمْ لَعْنَةٌ ، وَطَعَامُهُمْ نُهْبَةٌ ، وَغَنِيمَتُهُمْ غُلُولٌ ، وَلَا يَقْرَبُونَ الْمَسَاجِدَ إِلَّا هَجْرًا ، وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا دَبْرًا ، مُسْتَكْبِرِينَ ، لَا يَأْلَفُونَ وَلَا يُؤْلَفُونَ ، خُشُبٌ بِاللَّيْلِ ، صُخُبٌ بِالنَّهَار“ (أحمد).
كان أهل الزمان يمتدحون الشدة والفتك ويعيشون للثأر والانتقام ويلهجون بالحروب والدماء.. يقتل بعضهم بعضا لعبا ولهوا وصراعا وشغبا، فقال لهم المسيح: ”طوبى لصانعي السلام. لأنهم أبناء الله يدعون ...“ (متى، السفر الخامس) وقال لهم: ”قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجب الحكم.. وأما أنا فأقول لكم: إن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم.. ومن قال: يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم.. فان قدمت قربانك الى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك.. فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولا اصطلح مع أخيك. وحينئذ تعال وقدم قربانك“ (متى، 5: 21-25)..
ومن بعده قام فيهم أحمد يذيع رسالة السلام فريضة لازمة لا ريبة فيها وينهى عن الدماء لأنها طريق الشيطان: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ“، (القرآن، 2: 208)، حتى إذا استبدت الحياة بمعاركها واستبدت الشياطين بنفوس الناس.. بث إليهم عوالج نفسه بوجوب اللجوء إلى الله أن يجنبهم القتال: ”لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية“ (البخاري). وهو بعدُ يتلو عليهم كلام الحي الذي وهب الحياة ووضع حرمتها وقدسيتها: ”مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا“ (القرآن، 5: 32)، ”وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ “ (القرآن، 6: 151).
كانت حياته لصناعة الجنة والجنة موقوفة على نشر المسامحة وكظم الغيظ وحفظ الحياة: ”وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ.. الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ“ (القرآن، 3: 133-134). ”من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه ملأه الله أمنا وإيمانا“ (أبو داود).. وردع الناس عن التطاول والاستهزاء بإخوة الإنسانية ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ “ (القرآن، 49: 11)، وجعل هذه الوقاحات خلعا لستر الإيمان ونقضا لطهارته الزكية: ”المؤمن ليس باللعان ولا الطعان ولا الفاحش ولا البذيء “ (أحمد)..
جمع الله رسالة نبيه في”الرحمة“ فقال له: ”وما أرسلنالك إلا رحمة للعالمين“ (القرآن، 21: 107).. وأوجز النبي رسالته فيها فقال: ”إنما بعثت رحمة مهداة“ (الحاكم والطبراني) بل جمع النبي النجاة والجنة في الإيمان .. وجمع معاقد الإيمان في الحب .. وجعل سبيل الحب ”السلام“ فقال: ”لاَ تَدْخُلُوا الجَنَّة حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ“ ... ولم يزل يلهج بالإنسانية وحبها حتى أخذت مكانها في قلوب الأحرار والعبيد، حتى جمع عمار بن ياسر الإيمان في العدالة والسلام والسخاء فقال: ”ثَلاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإيْمَانَ: الإنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وبَذْلُ السَّلاَمِ للعَالَمِ، والإنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ“ (البخاري تعليقا)... وليس هناك من عجب فقد اهتدى عمار إلى لب اللباب وغاية الصواب، وكان رضي الله عنه عبدا فحرره الإسلام، مستضعفا فرفعه الإسلام، مؤخرا فقدمه الإسلام..
هذه أيها السادة رسالة إلى صناع السلام من أتباع المسيح وأحمد .. نداء القلب إلى القلب .. والعالم تفتك به الحروب والدماء.. ومشاهدة نشرات الأخبار كفيلة بزرع اليأس والبأس والقنوط في قلوب الناس.. وخلق بيئة مثالية للفكر المتطرف... لقد خاطب المسيح ومن بعده الحبيب محمد.. فيكم الصلاح والخير وذكرا بدوركم وريادتكم للبشرية، فقال المسيح عليه السلام:
- أنتم ملح الأرض ولكن إن فسد الملح بماذا يملح؟ ... أنتم نور العالم، لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل.. فليضي نوركم هكذا قدام الناس.. لكي يروا أعمالكم الحسنة... (متى، السفر الخامس)..
- أحبوا أعداءكم .. أحسنوا إلى مبغضيبكم.. باركوا لاعنيكم.. صلوا لأجل الذين يسئيون إليكم اغفروا يغفر لكم.. (لوقا، السفر السادس)
وفتح محمد أمامكم دروب النور وطريق الحياة وسبيل السعادة ...
- أفشوا السلام.. أطعموا الطعام.. صِلُوا الأرحام... (أحمد والترمذي)
- أحبوا المساكين .. قربوا الفقراء .. (أحمد والحاكم)
- ارحموا المحرومين.. اعطوا من حرمكم.. اعفوا عمن ظلمكم.. صلوا من قطعكم.. (أحمد)
- ابذلوا السلام للعالم...
دعونا نحلم ب”يوم الحياة“ يوم تعيش الأرض يوما قدسيا يمر علينا دون دماء ودون قتل ودون تفجير أو هدم أو تحقير لكرامة الإنسان...

جامعة الأزهر الشريف.. عضو المجلس الأعلى لشئون الإسلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.