إن القدوة الصالحة من أعظم المعينات على بناء العادات الحسنة والسلوكيات الطيبة حتى تتحول إلي عمل ملموس في واقع الحياة . ولقد كان - صلى الله عليه وسلم – قدوة للناس في واقع الأرض ..وقائدا للبشر في واقع الامر ، تجمع فيه كل الصفات الحسنة والاخلاق الطيبة التي تفرقت في البشر ..!! يرونه – وهو بشر منهم – تتمثل فيه هذه الصفات والطاقات كلها فيصدقون هذه المبادئ الحية لأنهم يرونها رأي العين ولا يقرأونها في كتاب ! يرونها في بشر فتتحرك لها نفوسهم وتهفو لها مشاعرهم وتنجذب لها عقولهم ، وترتاح لها ضمائرهم ، وتطمئن لها قلوبهم ..!! ويحاولون أن ينهلوا منها .. كل بقدر ما يطيق أن ينهل وكل بقدر ما يحتمل كيانه الصعود . لا ييأسون ولا ينصرفون ولا يدعونه حلما مترفاً لذيذاً يطوف بالأفهام .. لأنهم يرونه واقعاً يتحرك في واقع الأرض ، سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالت : كان خلقه القرآن ، وفي رواية كان قرآنا يمشي علي الارض ..!! ومن هنا كان صلي الله عليه وسلم قائدا ربانيا يؤتمن علي الودائع ويضع الحجر ويحقن الدماء ...!! لقد كان صلى الله عليه وسلم أفضل قائد للبشرية في تاريخها الطويل . وكان مربيا وهاديا بسلوكه الشخصي قبل أن يكون بكلامه النفعي ، فعن طريقه – صلى الله عليه وسلم – أنشأ الله هذه الأمة التي يقول فيها سبحانه " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " آل عمران لقد بعثه الله قائد قدوة للعالمين .. وهو أعلم حيث يجعل رسالته . وأعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير وقد جعله الله القدوة الرائدة للبشرية يتربون علي هديه ويرون في شخصه الكريم الترجمة الحية للقرآن ، فيؤمنون بهذا الدين علي واقع تراه أبصارهم محققا في واقع الحياة . لكن هناك شخصيات مريضة منافقة تقل مالا تفعل وتفعل مالا تقل ، لذلك لا تؤثر مواعظها في القلوب كما قال مالك بن دينار رحمه الله " إن العالم إذا لم يعمل بعمله زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا " . وفي المقابل عن عبدالله بن المبارك قال : قيل لحمدون بن أحمد : ما بال السلف أنفع من كلامنا ؟ قال : لأنهم تكلموا لعز الإسلام ونجاة النفوس ورضا الرحمن ، ونحن نتكلم لعز النفوس وطلب الدنيا ورضا الخلق . ودعوة الإسلام لم تعرف في تاريخها المشرق وظيفة العالم أو المفكر الذي لا يخالط الناس و لا يصبر علي آذاهم ، لا علاقة له بمتاعب العمل والبذل والعطاء .. فالذي يحرك الأمة في الحقيقة هم الدعاة والمربين الذين يعتقدون ما يؤمنون ، و يفعلون ما يؤمرون ، وينفذون ما يقولون ..!! كان - صلى الله عليه وسلم - مع ربه العبد الطائع، وكان مع الناس الفقير الجائع، وكان مع زوجاته المحب الودود، وكان مع جيرانه الكريم الجواد وهذه إنما تتوفر في القائد القدوة. لقد كان الصالحون إذا ذكر اسم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: يبكون شوقا وإجلالا ومحبة لَهُ، وكيف لا يبكون؟ وقد بكى جذع النخلة شوقا وحنينا لما تحوَّل النبي - صلى الله عليه وسلم -: عنه إلى المنبر، وكان الحسنُ إذا ذَكَرَ حديث حَنينَ الجذع وبكاءه، يقول: "يا معشر المسلمين، الخشبة تحن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شوقا إلى لقائه؛ فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه" أعلام النبلاء إن رحمة الله نالت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قدوة لصحابته قبل ان يكون قدوة لامته ، فقد كان رحيما بهم، لينا معهم، متواضعا لهم " واخفض جناحك للمؤمنين " ولو كان فظا غليظ القلب ما تألفت حوله القلوب، ولا تجمعت حوله المشاعر، ولا هفت حوله القلوب ، ولا انساقت له الانفس ، فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم... " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حولك .." ال عمران كان قدوة في الدين فقد كان رجل دين يتنزل الوحي عليه من الله عز وجل ليربط الأرض بالسماء بأعظم رباط وأوثق صلة. وفي الدعوة كان رجل دعوة جمع الناس من شتات وأحياهم من موات وهداهم من ضلالة وعلمهم من جهالة في فترة لا تساوي في عمر الزمن شيء، فإذا هي أمة قوية البنيان، عظيمة الأركان، لا تطاول. وكان صاحب رسالة يقوم على أفضل رسالة عرفتها الأرض وأنجبتها السماء وعاشها الخلق، مؤمنهم وكافرهم، كبيرهم وصغيرهم، أبيضهم وأسودهم، قويهم وضعيفهم، غنيهم وفقيرهم عبر كل زمان و في كل مكان. وفي السياسة ، كان رجل سياسة من طراز رفيع يضع الخطط ويقود الجيوش، ويخوض المعارك، كأنه مقاتل من طراز فريد، إذا احمرت الحدق، ولمعت السيوف، وتخضبت الرقاب وبلغت القلوب الحناجر كان أقرب المؤمنين إلى العدو يصيح في الميدان (أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب) متفق عليه. كان أبا روحيا ورب أسرة يقوم على شؤونها لا المادية فقط وإنما النفسية والاجتماعية، والأخلاقية والسلوكية.(خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) صحيح. وفي العبادة كان رجل عابد لله عز وجل وكأنه ما خلق إلا للعبادة وحدها فيقوم الليل حتى تتورم قدماه، فيسأل في ذلك فيقول (أفلا أكون عبدا شكورا) ومن هنا يجب أن يكون هو القدوة قال تعالى لمن أراد أن يقتدي ويقود، لمن أراد أن يهتدي ويسود، لمن أراد أن يَصلُح ويُصلِح، لمن أراد أن يَعلُو ويَفلح، هذا هو الرسول القدوة والنبي القائد الذي جاء بأوامر السماء لإحياء الأرض من جديد ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ [الأنعام: 122] فكان معصوما بتبليغه للناس ﴿ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ... ﴾ [المائدة: 67]. القدوة الحسنة هي من أفعل الوسائل وأقربها للنجاح وأكثرها فاعلية في حياة المربين ... وتظل كلمات المربين مجرد كلمات ويظل المنهج مجرد حبرا علي ورق .. ويظل معلقا في الفضاء .. ما لم يتحول إلي حقيقة واقعة تتحرك في واقع الأرض .. وما لم يترجم إلي تصرفات وسلوك ومعايير ثابتة ، عندئذ يتحول هذا المنهج إلي حقيقة واقعة ، وتتحول هذه الكلمات إلي سلوك وأخلاق عندئذ فقط تؤتي الكلمات ثمارها في حياة العالمين ، والقدوة الحسنة والاسوة الطيبة علي مدار القرون وعبر الاجيال وفي كل الاحوال وضحها القران الكريم فقال تعالي " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " الاحزاب إن القدوة الصالحة عنصر رئيس ذو أهمية بالغة في البناء والتربية .. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.