إذا كانت لي من دعوة في نهاية عام آخر دموي على العرب والمسلمين فهى أن يرأف الله بالشعب السوري حتى يتوقف سفك دمه، وأن ينتقم الله بعدله من كل أشرار الأرض الذين يتنافسون في ذبحه منذ نحو 5 سنوات. وإذا كانت لي من أمنية فهى أن تضع الحرب أوزارها اليوم قبل الغد وينتهي القتال الذي مزق سوريا أرضا ودولة وشرد شعبها في أصقاع الأرض ليواجه كل أنواع الأهوال، وأن تنتهي تلك المجزرة الطويلة الممتدة غير المسبوقة باتفاق سلام يوقف شلالات الدماء، ويرحم من بقي في سوريا محاصرا غير قادر على الفرار، ويهيئ أسبابا للنازحين واللاجئين للعودة إلى ما بقي من أطلال بيوتهم وقراهم ومدنهم تأويهم بدل هذا النفي والتشرد والموت غرباء جوعا ومرضا وإذلالا وكمدا. نحن أمام جريمة العصر التي بدأها نظام وحشي لا مثيل له عربيا، أنظمة الاستبداد التي رحلت تعد حملا وديعا مقارنة به وبما يرتكبه من مجازر مروعة في شعبه، لا نظام جلب كل هذا الخراب والدمار على شعبه مثل بقايا نظام دمشق، الإنسان عنده بلا وزن والروح بلا ثمن، نظام عفا عليه الزمن، لو أن هناك عدالة أرضية لعُوقب أشد العقاب، لكن لأن له نظائر في الإجرام والاستهانة بالإنسان واستباحة دمه فإن داعميه هبوا لنجدته إبقاء لتحالفهم معه وحفاظا على مصالحهم في بلده ومنعوا سقوطه أمام انتفاضة شعبية سلمية أرادت الانعتاق من هذا الاستعباد الطويل، استعباد يفوق الوصف ويطغى على أي استعباد آخر في أي بلد مماثل في تلك المنطقة التي نعيش فيها وكأنها مجبولة على الاستبداد والاستعباد للناس، ولا أفهم تلك العقول التي مازالت تدافع عن نظام كهذا بدعوى أنه يحارب التطرف والإرهاب، وأنه يحافظ على وحدة سوريا، أفهم أن تأخذ موقفا ضد الإرهاب، لكن كيف تدافع عن الطغيان وعن صانع الإرهاب أو من يهيئ التربة له، كلام هؤلاء مبني على قاعدة أن عدو عدوي هو صديقي، لكن من الذي جر سوريا إلى مستنقع الدمار؟، ومن الذي عرضها للتفتت والتقسيم؟، ومن الذي شق فيها أنهارا من الدماء، وبنى على ترابها جبالا من الهياكل البشرية التي زادت عما فعله الخمير الحمر في كمبوديا؟، هو ذلك النظام، وهم حلفاؤه من الفاشيات الدينية القمعية في إيران وأذنابها في المنطقة، ومن الديكتاتوريات التاريخية في روسيا والصين، لم يكن السوريون يطالبون برحيل النظام، ولا إسقاطه، بل توسموا فيه خيرا منذ جاء للحكم وراثة في بداية الألفية، وعلقوا عليه آمالا عريضة في الإصلاح الداخلي، لكنه تراجع عن الإشارات البسيطة التي كان قد ألمح إليها، وفي مد الربيع العربي كان لدى السوريين أمل في استجابته لمطالب الحرية والكرامة عبر خروج سلمي هادئ، هذه حقوق أساسية، ليست منة، ولا منحة، لا تقبل المصادرة للأبد، لكن النظام الذي لا يكره إلا كلمة الحرية والحقوق للمواطنين كان قد حسم أمره منذ جاء للسلطة في انقلاب عام 1970 بأن القتل والدم هو الحل الوحيد عنده لأي رغبة جماهيرية إصلاحية ولو سلمية . تعسكرت الثورة، وكما جاء الأشرار واحدا تلو الآخر إسنادا لنظام يماثلهم في الوجه القبيح، بدأ يتسلل لسوريا مسلحون ينتهجون العنف من مختلف البلدان لمقاتلة النظام تحت زعم إسناد المعارضة الحقيقية المعتدلة التي تريد الخلاص من المستبد الذي طغى وتكبر وتفرعن لبناء دولة مدينة بلا طائفيات ولا لعب على وتر الأقليات ولا توريث، وهؤلاء الوافدون من مختلف الأماكن صاروا الدواعش تحت مسميات مختلفة ليكونوا هم أشرار الضفة الأخرى، وليمنحوا الأسد وأشراره الفرصة الكبيرة ليواصلوا ادعاءاتهم بأنهم لا يواجهون شعبا ثائرا ولا منتفضا ولا معارضة متطلعة لدولة ديمقراطية وطنية، إنما يواجهون إرهابيين وقتلة، لم تتضرر معارضة محقة في هدفها ومسعاها كما تضررت المعارضة المدنية في سوريا من العناصر والجماعات الجهادية التي ما إن تحل في أي بلد حتى تمنح الاستبداد قبلات الحياة والبقاء. كل العالم يضرب في سوريا، من الشرق روسياوإيران وميليشياتها، ومن الغرب أوروبا وأمريكا، وبينهم تنظيمات وجماعات وكيانات ذات نوازع تطرف لا ترغب في ديمقراطية ولا دولة مدنية، إنما تسعى لتنفيذ أجنداتها الخاصة وأحلامها الضيقة وهى بعيدة عن جوهر الإسلام، وجوهر الدولة التي ينشدها ذلك الدين، ياليت كل هؤلاء الأشرار كانوا يتقاتلون ويصفون بعضهم بعضا، إنما هم يتقاتلون في منافسة حامية الوطيس على جسد الشعب السوري أطفالا ونساء وشبابا ورجالا وعجائز. في 2015 فقط الذي ينتهي خلال ساعات هناك أكثر من 21 ألف قتيل سوري، هذا العدد في هذا العام لوحده لم يسقط في كل حروب سوريا مع إسرائيل، لكنه سقط على أيدي الدمويين من النظام وحلفائه إلى جماعات التطرف. والروس منذ بدأوا حملتهم المزعومة ضد داعش وهم يستهدفون المدنيين، ويوقعون فيهم قتلى يوميا، وأخيرا فقط تنبهت وزارة الخارجية الأمريكية وبعد 3 أشهر من القصف اليومي إلى أنها رصدت زيادة ملحوظة ومزعجة في عدد القتلى المدنيين في سوريا منذ بدء الضربات الجوية الروسية. يبدو أن هناك تواطؤ أمريكي روسي أوروبي عربي، تواطؤ دولي - سواء مباشر، أو بالصمت على المجازر، أو بالجبن والنفاق، أو بعدم فرض الحلول لإيقاف المقتلة - ضد هذا الشعب الذبيح المسكين المظلوم إلا من يسترأف بحاله وهم قليل من حكومات عربية وإسلامية. هل تسألون عن العنف والتطرف والإرهاب؟، سوريا مزرعة مثالية لنموه وازدهاره، لا يلومن العالم إلا نفسه، ولا يشتكي من الإرهاب، فهو صانعه في هذا البلد بدم أكثر من 300 ألف إنسان حتى اليوم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.