أعلنت الحكومة البريطانية، الخميس الماضي، أنها لن تحظر جماعة "الإخوان المسلمين"، لكنها ستشدد إجراءاتها بحق الجماعة؛ فيما ردت الجماعة رسميًا بأن التقرير: "أمر غير مقبول ويمثل رغبة سياسية مبيتة ضد الجماعة". ونشرت الحكومة البريطانية خلاصة مراجعة حول جماعة "الإخوان المسلمين" فى بريطانيا ومدى اتساق أفكارها ونشاطها بالقانون البريطانى أو تهديده للأمن فى البلاد، ووقوعه تحت طائلة استراتيجية مكافحة الإرهاب البريطانية والتى انتهت فى العام 2014، حيث تبيّن أن بعض "قطاعات الإخوان على علاقة مشبوهة بالتطرّف والعنف"، سواء من حيث الاتفاق الأيديولوجى أو كون الجماعة "معبراً" للعناصر التى تلتحق بالإرهاب. وأوضحت المراجعة أنه على الرغم من انتقاد "الإخوان" لتنظيم "القاعدة"، إلا أنهم لم يُجادلوا أبداً فى الأساس النظرى للتنظيم أى أفكار سيد قطب أبرز منظرى "الإخوان". وأشارت إلى أن الأفراد المرتبطين ب"الإخوان" فى بريطانيا أيّدوا العمليات الانتحارية (الاستشهادية) التى ترتكبها حركة "المقاومة الإسلامية" (حماس) مثلاً، مشيرة إلى أنه على الرغم من نفى "إخوان" مصر لجوءهم للعنف إلا أن مؤيديهم انخرطوا فى عمليات عنف ضدّ القوى الأمنية وغيرها من الجماعات. وأضافت أن "نتائج المراجعة تخلص إلى أن الانتماء لجماعة الإخوان أو الارتباط بها أو التأثّر بها يُعتبر مؤشراً محتملاً للتطرّف". ووجدت المراجعة أن بعض أفكار الجماعة ومعتقداتها تتناقض مع القيم البريطانية كالديمقراطية وحكم القانون والحريات الشخصية والمساواة والاحترام المتبادل والقبول بالمعتقدات والديانات الأخرى. وأعلنت الحكومة عن رفض تأشيرات الدخول لأعضاء "الإخوان" أو المرتبطين بهم ممن لهم تصريحات تؤيد أو تُحبّذ العنف والتطرّف، والتأكد من أن المنظمات الخيرية المرتبطة بالجماعة لا تُستخدم فى تمويل الجماعة وإنما تقوم بعمل خيرى فقط، والتنسيق مع الشركاء الدوليين لضمان عدم استخدام الجمعيات الخيرية لتمويل "الإخوان"، وفرض تجميد الأصول المعمول به أوروبياً على حركة "حماس"، واستمرار متابعة وتدقيق إذا كانت آراء ونشاطات "الإخوان" تتّسق مع القانون البريطاني. وفى هذا السياق، سيتمّ تشديد الإجراءات الأمنية ومتابعة الجماعة والأفراد والجماعات المرتبطة بها (سواء فى بريطانيا أو خارجها). وقال رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون، فى بيان مُصاحب للتقرير: "هناك قطاعات من الإخوان المسلمين لها علاقة مشبوهة بقوة مع التطرّف المشوب بالعنف، أصبحت الجماعة كفكر وشبكة نقطة عبور لبعض الأفراد والجماعات ممن انخرطوا فى العنف والإرهاب". ورد المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين "محمد منتصر"، مساء الخميس، على "اتهام بريطانيا للجماعة بالتطرف بأنه "أمر غير مقبول ويمثل رغبة سياسية مبيتة ضد الجماعة". وأضاف المتحدث باسم الإخوان، فى بيان له، أن "موقف بريطانيا من الإخوان يفهم فى إطار حملات التحريض التى تقودها دول وأنظمة تدعم النظام فى مصر وعلاقة تلك الأنظمة بلندن، وهو الأمر الذى يسيء إلى لندن وليس الإخوان". وذكر منتصر فى البيان: "إذا كانت بريطانيا ترى أن التظاهرات السلمية والفعاليات الرافضة للنظام ولعمليات القتل ضد المدنيين والاعتقال والإخفاء القسرى تطرف فبالتأكيد أن بريطانيا لديها خلل وعليها أن تعالجه". من جانبه قال "أحمد رامي"، القيادى بجماعة الإخوان المسلمين، إن "المنظومة الدولية فى هذا السياق تفتقد المصداقية، والمؤشر المحتمل للإرهاب هو السياق العام الذى يصنعه الظلم والاستبداد". وفى تصريحات خاصة ل"المصريون"، تساءل رامي: "كم من الوقت استغرقناه لنعلم أن الإمارات وظفت بمقابل أجر مبعوث الأممالمتحدة فى ليبيا، وكم راتب تونى بلير الذى كان يشغل منصب رئيس وزراء بريطانيا سابقًا؟ وأين سيعمل كاميرون بعدما يترك منصبه و كم ستقاضى؟". وأكد رامى أن "أغلب المنظمات التى تتهم بالإرهاب الآن لم يكن لها وجود قبل احتلال العراق الذى كان الغرب يدعى أنه من أجل إقامة ديمقراطية فى المنطقة". وذكر أن "هناك جرائم ارتكبتها إنجلترا فى بلادنا وما زالت إما بدعم الاحتلال الصهيونى الذى مكنته من فلسطين أو بدعم الانقلاب على الديمقراطيات و الثورات الوليدة"، مضيفًا: "كل ما يشكو منه الغرب هو نتاج سياساتهم فى بلادنا". محمد عبدالغفار، أحد شباب جماعة الإخوان المسلمين، قال إن بريطانيا هى آخر محتل لمصر وتديرها مع قوى أخرى من خلال من وصفهم ب"العسكر" ولها رؤية لما بعد الثورة. وأضاف عبدالغفار، فى تصريحات خاصة ل"المصريون"، أن "بريطانيا لا تريد للإخوان الثورة على النظام الأكثر أمانًا لها ولو مؤقتًا لحين خروج البديل الذى يرغبونه"، واصفًا بريطانيا بأنها "دولة تحترم الحريات ظاهريًا ولا تفعل ذلك حقيقة". ومضى قائلا: "عشت فى بريطانيا وأعلم ازدواجية المعايير عندها فى التعامل مع المسلمين، ورأينا كمًا من مؤسسات المجتمع المدنى تُغلق بقرارات لأن مفهوم قانون الإرهاب فى أوروبا فضفاض، ويستخدم ضد من لا يتماشى مع الرؤية البريطانية"، مستطردًا: "لا أعمم هنا الأمر". وبشأن تأثير التقرير على الجماعة، ذكر عبدالغفار أنه "لا يقدم ولا يؤخر ولن يثنى أحدا عن استمرار الثورة، ولكنه يوضح مع مَن تقف الحكومة البريطانية". وفيما يخص دور قيادات الإخوان المقيمة فى الخارج طوال فترة التحقيق، أوضح أن "القيادات كانت تتابع ولكن لن يقدم متابعتهم لبريطانيا إذا كان الأمر متعلقًا بمصالحها وضغوط بعض دول الخليج". المحلل السياسى عبدالعزيز الكاشف، قال إن التقرير لا يوجد به أى مباغتات ومتوازن جدًا وموعد خروجه يشوبه الريبة على فشل مكتب لندن فى إدارة الأزمة وصرف الإمارات مبالغ ضخمة لربط الإخوان بالإرهاب. وأضاف الكاشف أن "اتهام الإخوان بإخراج إرهابيين ليس دليلاً على أنهم جماعة إرهابية"، موضحًا: "لا بد من التفريق بين الحكومة البريطانية وبين الشعب البريطاني، لأن الحكومة تستقبل الحكومات التى تدعم العنف والإرهاب، على عكس ما يدعونه بدعم الديمقراطية والحريات". وتوقع الكاشف ألا ترد جماعة الإخوان حاليًا على التقرير، داعيًا إياها أن تكون على موقف قوة حتى تتعامل معها الدول على هذا الأساس، ضاربًا مثلاً ب "حركة حماس" التى تعد إرهابية فى أغلب دول العالم، لكن الحكومات تتعامل معها على أساس الحاكم الفعلى للقطاع غزة". وتوقع الكاشف أنه "لن تحظر بريطانيا الجماعة، لكن ستضيق على أفرادها وستمنع عنهم التمويل، وخاصة حماس ومن يدعمها ويدعم عملياتها، أى الضرب فى أكثر من اتجاه". وكان ديفيد كاميرون، رئيس الحكومة البريطانية، أمر بإجراء تحقيق عاجل حول جماعة الإخوان المسلمين ونشاطها فى بريطانيا، بسبب المخاوف من قيامها بأنشطة إرهابية، فضلاً عن التحقيق فى فلسفة وأنشطة الجماعة، وكيف ينبغى أن تكون سياسة الحكومة البريطانية تجاهها. وفيما ترأس لجنة التحقيق، السفير البريطانى لدى السعودية، شارك فى عضويتها السير، جون سوريز، مدير جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية (إم آي-6) والذى عمل سفيراً فى القاهرة من عام 2001 حتى 2003. والتقى جنكينز، خلال التحقيقات التى أجراها مع عدد من رموز جماعة الإخوان فى عدد من البلدان العربية، مثل زعيم حركة النهضة فى تونس، راشد الغنوشي، المراقب العام للجماعة فى الأردن، همام بن سعيد، وقيادى فى حزب العدالة والتنمية المغربي، إضافة إلى محمود حسين، الأمين العام للجماعة فى مصر، وأمين سر مكتب الإرشاد الدولى للإخوان، إبراهيم منير. ودارت نقاشات بشأن موقف الجماعة من عدد من القضايا، منها نظرتها للمرأة والأقباط والأجانب، إضافة إلى المناهج التربوية التى يتداولها أعضاء الإخوان فى البلدان المختلفة.