شهور قليلة مضت قبل انطفاء سعادة المصريين بتوقيع اتفاقية المبادئ مع إثيوبيا في مارس الماضي بخصوص سد النهضة، فبعد أن انتفض جموع المصريين فرحًا وسرورًا ظنًا منهم أن توقيع الرئيس السيسي على الاتفاقية يعني "انتهاء الأزمة" بشكلٍ كامل، غير أن الأيام أثبتت عكس ذلك وبدا واضحًا أن مصر "تورطت" في التوقيع على الاتفاقية، وبدأ الشك يتسرب إلى قلوب المصريين حتى اتضح مؤخرًا أن مصر وقعت بالفعل فريسة داخل الشبكة الإثيوبية. وفي أكثر من تقرير لها، تنبأت جريدة «المصريون» بفشل المفاوضات الفنية التي تُجريها الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان)، ونشرت أكثر من ملف وتقرير بخصوص هذا الأمر، ولاسيمًا بعد توريط السيسي في التوقيع على الاتفاقية التي تنص في مجملها على اعتراف مصر بوجود السد الإثيوبي كأمر واقع في مقابل «خدعة إثيوبية» في إدارة السد. التوقيع وفي مارس الماضي، جر وزير الري المصري، حسام مغازي، الرئيس السيسي إلى إثيوبيا بهدف التوقيع على الاتفاقية وأقنعه أن هذه الاتفاقية في صالح مصر، رغم تحذيرات متتالية بأن اتفاقية المبادئ تتضمن بنود "ملتوية" وضعتها إثيوبيا داخل الاتفاقية وصممت على وجودها بهدف أساسي وهو "ليّ" عنق مصر فيما بعد. أول اعتراف كانت اتفاقية المبادئ في مارس الماضي بمثابة "أول اعتراف مصري بالسد الإثيوبي"، ورغم أن الإعلام المصري حينها روج بأن الاتفاقية في صالح مصر، إلا أنه عاد هذه الأيام ليُلقي بالحمل بأكمله على وزير الري، حسام مغازي، محملاً إياه المسئولية عن فشل المفاوضات ومؤكداً في الوقت ذاته أن "الرئيس السيسي في منأى عن المسئولية وذلك لأن المفاوضات جميعها كانت فنية وهي من اختصاص وزير الري". تحذير وخوف ورغم أن الجانب المصري – أثناء توقيعه على الاتفاقية – اعتمد على النوايا الحسنة، حذر الخبير والمتخصص في المياه، الدكتور نادر نور الدين، من "فخ إثيوبي محكم"، وقال إن الاتفاقية التي وقعتها مصر ستضر بموقفها التفاوضي وتلقي بالكرة في الملعب الإثيوبي. وبالفعل صدق الخبير المائي، إذ سرعان ما تحولت دفة الأحداث لتُلقي بظلالها على القاهرة، التي أصابها الخمود بعد توهج الفرح والانتصار، فخرجت التصريحات الرسمية لتؤكد أن "هناك تعمدًا إثيوبيًا لعدم إكمال المفاوضات وتطويلها قدر الإمكان بهدف إنجاز بناء السد، الذي انتهت من بناء 48% منه". دوامة من الصمت وفي أثناء توقيع الرئيس السيسي على اتفاقية المبادئ مع نظيريه السوداني والإثيوبي، بدا واضحًا أن الرئيس يشعر بثقة متناهية مما ستئول إليه نتائج توقيع الاتفاقية ما جعل هذا الشعور ينتقل إلى المواطن المصري عبر الإعلام الرسمي والخاص الذي نقل الصورة وضخمها على أنها انتصار مصر منقطع النذير، إلا أن الموقف تغير بشكلٍ كبير عقب فشل المفاوضات الفنية ودخول الأزمة مع إثيوبيا معتركًا دبلوماسيًا، ما جعل الرئيس السيسي يدخل في دوامة من الصمت خرجت مؤشراتها بتعديل وزاري مرتقب سيتقدم به رئيس الوزراء شريف إسماعيل إلى مجلس النواب الجديد، يتضمن تغيير 8 وزراء من ضمنهم بالتأكيد وزير الري الدكتور حسام مغازي. الإقالة.. ليست كافية ويقول وزير الري الأسبق، الدكتور نصر الدين علام، إنه يجب محاكمة جميع الفاشلين والمسئولين عن ملف سد النهضة والتوقيع علي اتفاقية المبادئ، مؤكداً أن المفاوضات الأخيرة أوضحت ضعف المفاوض المصري وعدم قدرته على تحمل المسئولية. واعتبر علام في تصريح ل«المصريون»، أن تحمل وزير الري الفاتورة بأكملها "ليس عدلاً أيضًا"، لافتاً إلى أن كل مقصر يجب محاكمته، والمسئولون عن إدارة الملف خلال الفترة الماضية كثيرون ولا يمكن شخصنة الأمور، فالمفاوضات لا يختلف أحد أنها فشلت، والرئيس السيسي "المسئول" عمن يقودون المفاوضات. ثغرة وعلى الرغم من أن اتفاقية المبادئ الموقعة في مارس الماضي، تضمنت 10 بنود جميعهم يتحدثون عن "حسن النية وتبادل المنفعة والتعاون"، غير أن مصر يُمكنها استخدام فقرة في المبدأ الأول من الاتفاقية وهي "التعاون على أساس مبادئ القانون الدولي"، حيث يعتبر الكثيرون أن تلك الفقرة هي الوحيدة التي جاءت في صالح مصر والتي يُمكن أن تلجأ إليها القاهرة حاليًا. لا بديل وفي هذا السياق، قال خبير السدود العالمي، الدكتور أحمد الشناوي، إن مبادئ القانون الدولي تُحتم على إثيوبيا عدم الإضرار بحصة مصر المائية وبالتالي، فإنه يُمكن استخدام هذه الفقرة حينما يتم تدويل القضية رسميًا. وطالب "الشناوي" في تصريح خاص ل«المصريون»، بالتدويل الفوري للقضية بغير إبطاء، محذرًا من خطورة تمادي المسئولين الحاليين في مفاوضات هدفها كسب الرضا والتودد إلى إثيوبيا، قائلاً: لابد من وقف المفاوضات فورًا وتدويل القضية أو ضرب السد ولا بديل. الهدف وقبل خروج المفاوضات الفنية التي أجريت مؤخرًا في السودان بالفشل، كان الصمت المصري هو سيد الموقف حيث تيقن المسئولون عن الملف أن هناك مكيدة وخدعة إثيوبيا بعد تهرب إثيوبي متكرر وتعمد إلى إفشال المكاتب الاستشارية وإصرار إثيوبيا على استبدال المكتبين الاستشاريين (الهولاندي والفرنسي)، رغم أن الاتفاقية الموقعة مع إثيوبيا نصت على أنه "حال اختلاف المكتب الفني يتم اللجوء إلى رأي قانوني ملزم لجميع الأطراف".. ولكن الهدف الإثيوبي واضح وصريح وهو المضي قدمًا في بناء السد وتسويف المفاوضات حتى الانتهاء منه، حينها يكون السد أمرًا واقعًا ولا يستطيع أحد المساس به، فمعني التعرض إليه بأي شيء أن "مصر والسودان" هما أكثر الدول تضررًا وربما تختفي السودان بأكملها ومحافظات بمصر في حالة انهياره، ويعني ذلك أن مصر والسودان سيحميان السد ويحفظان على سلامته.