لم تعد تقتصر زيارات زوار الفجر، على المداهمات الليلية بل باتت في وضح النهار، كما تجاوزت اعتقال النشطاء السياسيين وأنصار جماعة الإخوان، إلى القبض على الباحثين وكتاب الرأى، والزج بهم خلف القضبان بتهم من نوعية الانتماء لجماعة محظورة، أو تلقي تمويل أجنبي، أو تكدير السلم والأمن العام. السجون في مصر تختلف عن مثيلاتها في العالم، فهي لا تضمن القتلة والبلطجية وسارقي المال والعرض فحسب، بل تضم الطبيب والمهندس والصحفي والباحث والداعية والمفكر والعالم، في صورة مغايرة تماما للقابعين في سجون الكرة الأرضية. هشام جعفر.. باحث وصحفي، قلم معتدل، أثرى الحياة الفكرية في مصر بموقع شهير تفتقده الساحة المصرية منذ إغلاقه قبل سنوات، العدو قبل الصديق يشهد له، لكن يبدو أن وزارة الداخلية لها رأي آخر.
هشام جعفر
خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة،عضو نقابة الصحفيين ورئيس مجلس أمناء مؤسسة "مدى"، وكبير خبراء المركز الإقليمي للوساطة والحوار، عرف عنه دماثة أخلاقه وبشغفه بالقراءة والتفكير الحر وقبوله للرأى الآخر، ساهم فى تأسيس الموقع الإلكتروني " إسلام أون لاين" الذى قدم فى المجمل قراءات عصرية لقضايا الإسلام والمسلمين فى القرن الحادي والعشرين حتى تم إغلاقه في 2010.
اعتقال ومداهمة
داهمت قوات الأمن، في 21 أكتوبر الماضي، مقر مؤسسة مدى للتنمية الإعلامية، وقامت باعتقال هشام جعفر، وأغلقت المؤسسة بالشمع الأحمر بعد احتجاز الصحفيين والعاملين بها لأكثر من 8 ساعات . ثم اقتادت قوات الأمن "جعفر"، إلى بيته لتفتيشه، وقامت بتحطيم محتويات المسكن والاعتداء بالضرب على نجل جعفر عندما طلب منهم احترام المكان وصاحبه، كما احتجزت العاملين بالمؤسسة داخل المبنى، ومنعتهم من الخروج أو العودة لبيوتهم.
سير القضية في 16 نوفمبر الحالي، جددت نيابة أمن الدولة الحبس 15 يوما ورفضت، الاستجابة لطلب فريق الدفاع بشأن الاطلاع على التحقيقات ومعرفة طبيعة وتفاصيل "الاتهامات " الموجهة إلى جعفر. وقال محمد الباقر، محامى جعفر، إن موكله سيمثل أمام النيابة للمرة الثانية فى 30 من الشهر الجاري. لازال في سجن "العقرب" شديد الحراسة، ولا يسمح له بدخول الأدوية، فيما يسمح له بالزيارات غير المنتظمة، حسب قولهم، لافتًا إلى أنه لم يتمكن من الجلوس مع موكله سوى بضع دقائق. مشيرا إلى أن جعفر، وغيره من المحبوسين في "العقرب"، يتعرضون لانتهاكات تتمثل فى منع دخول الطعام والشراب والملابس، لكنه أكد أن موكله لم يتعرض لأي انتهاك جسدي، وهو الآن في عنبر "الدواعي الأمنية" بأمر خاص من جهاز الأمن الوطني ومصلحة السجون، موضحًا أنه لا يجب حبسه في هذا السجن شديد الحراسة وهو لا يزال قيد التحقيقات، طبقا للإجراءات القانونية الطبيعية.
التهم قررت نيابة أمن الدولة العليا، حبس هشام جعفر بتهمة الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين وتلقى رشوة دولية، وهو ما نفاه جعفر جملة وتفصيلا.
ماذا قال عنه "حمزاوي" كتب الناشط الحقوقي وأستاذ السياسة العامة بالجامعة الأمريكية، عمرو حمزاوي، عن هشام جعفر قائلاً: "أكتب اليوم عن الصديق هشام، أولاً، لكى أعتذر عن تأخر فى التضامن معه ومع أسرته ما كان ينبغي له أن يحدث ، ولكي أسجل شهادة ضمير بشأن رجل دمث الخلق، يحمل من مبدئي الدفاع عن الحقوق والحريات ما حال بينه وبين الصمت على الانتهاكات المتراكمة أو على هستيريا التصنيف والتخوين والعقاب الجماعي، له من الإصرار على التسامح وقبول الآخر ما جعله يعلى دوما من قيمة التوافق الوطني، رجل مارس واجبه الأخلاقي وحقه الإنساني في التعبير الحر والسلمي عن رأيه المعارض للسلطوية الحاكمة.
شهادة "عرفة"
قال عنه الكاتب الصحفي والمحلل السياسي المعروف محمد جمال عرفة:"قابلته لأول مرة في كلية اقتصاد وعلوم سياسية عام 1980..كنت في عامي الرابع وهو في الثاني ..لاحظت نشاطاته وثقافته العالية ..أصبحنا أصدقاء مع أسرنا وأولادنا وأسرة واحدة نتجمع في المناسبات في منزل أحدنا نقضي اسعد الأوقات..حضر للعمل بإسلام أون لاين بعدي وأصبح رئيسي بتفوقه علينا ..اتفقنا واختلفنا زي اي اثنين صحفيين ولكن كنا نختلف صباحا ثم نلتقي مساء مع أسرنا نضحك سويا ..تعلمت منه الصبر والهدوء والإنصاف ..صدمت باعتقاله وغلق المقر ولا زلت لا أفهم غباء النظام في اعتقال صحفي وباحث معتدل مثل صديقي هشام جعفر".