لا يبدو أن البرلمان القادم فى ثوبه الجديد سيشهد استقرارًا كما يعول الكثيرون، فسرعان ما تحولت المياه الراكدة إلى أمواج عاتية حتى قبل الانتهاء من التشكيل النهائي للبرلمان، وأصبحت تلوح فى الأفق «حرب مستعرة» طرفاها هم نواب الوطني المنحل الذين حصدوا ما يقرب من 30% من المقاعد البرلمانية خلال الجولة الأولي، وبين المتهمين بتأييد جماعة الإخوان أو المتعاطفين معها والذين حصدوا ما يقرب من 10% من المقاعد إلى الآن، طبقًا لإحصائيات جمعها متابعون للانتخابات البرلمانية. وأجريت المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية فى 14 محافظة، الشهر الماضي، وبلغت نسبة المشاركة 26.56% من بين 27 مليونًا و402353 ناخبًا لهم حق الانتخاب، وتنافس المرشحون على شغل 226 مقعدًا بالنظام الفردي، أبطل القضاء الإداري النتائج فى 4 منها، وأمر بإعادة الانتخابات فيها فى غضون 60 يومًا.
الفلول والليبراليون ويتخوف كثيرون من معركة «حامية الوطيس» بين نواب الوطني من جهة وبين التيار المدني والليبراليين من جهة أخرى، وذلك بعد «ثأر مبيت» يُخبئه المحسوبون على الوطني فى جعبتهم ضد هذا التيار وما يُمثله نظرًا لمشاركتهم فى ثورة يناير، التي أطاحت بالمخلوع مبارك، فى هذا الصدد، ذهب المتحدث باسم حملة "لا.. للأحزاب الدينية"، محمد عطية، مؤكدًا أن “البرلمان سيكون على صفيح ساخن“.
اعتبر عطية، أن المتعاطفين مع الإخوان نجحوا فى دخول البرلمان، وقال ل«المصريون»: حذرنا من تغلغل الإخوان فى البرلمان وقد حدث ولكن النسبة التي دخلت حتى الآن "مطمئنة" ولن تُحدث تأثيرًا، لأن الخوف كان من قدرة الفئة المخترقة للبرلمان من الانسجام والتفاعل مع الآخرين. وأوضح أن حملته ستُلاحق عناصر الإخوان والمتعاطفين معهم خلال الجولة الثانية، ولكنها تعتبر أنهم لن يستطيعوا التحالف مع المستقلين لأن الجميع يعرف أهدافهم، مؤكدًا أن عددًا كبيرًا من النواب سواء من الإخوان أو من فلول الوطني أو المستقلين دخلوا الانتخابات بأموال رجال الأعمال لتصفية حسابات شخصية.
تساؤلات وأجوبة وفى خضم المعركة المنتظرة، وقع تحت قبة البرلمان فى المرحلة الأولى عدة شخصيات مثيرة للجدل، يأتي فى مقدمتها الإعلامي عبد الرحيم علي، الذي ذاع صيته عقب ثورة 30 يونيو، وقدّم برنامجًا مثيرًا للجدل عرض خلاله عددًا كبيرًا من التسريبات الصوتية لنشطاء سياسيين وشخصيات ثورية، وهو البرنامج الذي أثار جدلاً واسعًا حول طبيعة تلك التسجيلات ومدى شرعية وقانونية إذاعتها، فيما اعتبرها البعض انتهاكًا لخصوصيات الآخرين، رأى آخرون أنها تكشف الكثير من الشخصيات ومواقفهم.
دخل "علي" البرلمان، على الرغم من خوضه منافسة إعلامية شرسة مع رجل الأعمال نجيب ساويرس، صاحب النفوذ القوى والأسهم العديدة فى الكثير من الوسائل الإعلامية، غير أن «عبد الرحيم علي» خسر قضية أمام ساويرس وغرم بها 15 ألف جنيه بتهمة سب وقذف «ساويرس» الذي يرأس حزب المصريين الأحرار أيضًا.
ولحزب المصريين الأحرار 46 نائبًا فى البرلمان حتى الآن، ولذلك يتخوف البعض من مناوشات سياسية داخل قبة البرلمان بين عبد الرحيم على وفريق كبير من المؤيدين له وخصوصًا أعضاء الحزب الوطني "حزب الرئيس المخلوع مبارك"، حيث استطاع الوطني المنحل، حصد 84 مقعدًا انتخابيًا فى الجولة الأولى بواقع 30% من إجمال المقاعد البرلمانية.
ويميل «عبد الرحيم علي» إلى تأييد سياسة الحزب الوطني والرئيس المخلوع مبارك، حيثُ يعتبره أعضاء الوطني الذين تمكنوا من دخول البرلمان حتى الآن بعد تغيير صفتهم أو ارتداء ثوب أحزاب أخرى أو مستقلين، "متحدثًا باسمهم".
الأب والابن!! ويقول رئيس حزب الجيل المصري المنافس ضمن قائمة تيار الاستقلال، ناجى الشهابي، إن "ليس عبد الرحيم على وحده هو مثار الجدل فى البرلمان، هناك أيضًا نجل رئيس نادي الزمالك الذي فاز فى دائرة الدقي، والمعروف عنه أنه هو الرجل الأول فى مصر حاليًا الذي يُثار حوله جدل كبير بسبب أسلوبه الحاد والمتضمن لألفاظ خارجة فى أغلب الأحيان."
يُضيف ل"المصريون": "رئيس الزمالك مرشح فى المرحلة الثانية، ما يعنى أننا يمُكننا أن نرى "الأب والابن" داخل البرلمان، وبطبيعة الحال فإن وجودهما معًا يُعتبر أكبر دليل على أن مصر تسير إلى الخلف لا إلى الأمام، وإلا فماذا يعنى تواجد إحدى الشخصيات المثيرة للجدل بهذا الشكل داخل البرلمان.
ومؤخرًا يتعرض رئيس الزمالك لحملة إعلامية شرسة تقودها "غرفة صناعة الإعلام ونقابة الصحفيين"، بعد تطاوله على بعض الإعلاميين، فما كان منه إلا أن فرض على لاعبيه عدم الإدلاء بأية تصريحات لأية وسيلة إعلامية أو الظهور على إحدى الشاشات التليفزيونية، متوعدًا برد قاصٍ حال فوزه بالمقعد الانتخابي جنبًا إلى جنب بجوار نجله.
إثارة وسيكون البرلمان المصري أكثر إثارة حال فوز الراقصة "سما المصري"، هكذا قال الكثيرون من النشطاء السياسيين فى سخرية شديدة لما يشاهدونه على الساحة السياسية، غير أن اللجنة العليا للانتخابات رأفت بالراقصة ورفضت أوراقها ورحمتها من سخرية "لن تهدأ" حال ترشحها أو فوزها، ولكن الراقصة اعتبرت أن هناك تمييزًا ضدها فقامت بتقديم دعوى قضائية تطالب ببطلان العملية الانتخابية.
لكن نُشطاء التواصل الاجتماعي أجمعوا أن عنصر "الإثارة" لن يغيب عن البرلمان، فهناك أيضًا "توفيق عكاشة"، صاحب قناة الفراعين، وصاحب "الإفيهات"، التي يعشقها المصريون، و«توفيق عكاشة» مرشح أيضًا فى المرحلة الثانية وتبدو فرصه فى الفوز بالمقعد الانتخابي كبيرة، ولذلك يعتبر الكثيرون أن البرلمان لن يخلو أبدًا من طابع "الإثارة".
دهشة واستنكار وأسفرت نتائج المرحلة الأولى أيضًا عن فوز سعيد حساسين، الذي عرفه المصريون كمعالج بالأعشاب، الأمر الذي أثار دهشة واستنكار الكثيرين، لاسيّما أنّ حساسين الذي أعلن أن أول استجواباته تحت قبة البرلمان سيكون موجهًا لوزير الصحة، بشأن اتهامات تتعلق بالتدليس، حيث صدر فى حقه حكم قضائي بالسجن وإغلاق مراكزه الطبية المنتشرة فى كل المحافظات بسبب التشكيك فى منتجات حساسين، بوصفها غير مطابقة للمواصفات والمعايير الطبية، وسط تساؤلات حول خلفيته ومؤهلاته التي تجعل منه برلمانيًا.
ثوري أم فلولي؟! وينضم لقائمة الجدل الإعلامي، الكاتب الصحفي مصطفى بكري، الذي يطل على المصريين ببرنامج على إحدى الفضائيات المملوكة لأحد المحسوبين على الحزب الوطني المنحل، حيث يقف البرلماني المعارض السابق فى مواجهة كل من يعارض الدولة أو أداءها على أي صعيد بالمرصاد، وهو ما يعتبره البعض نموذجًا لأدائه تحت قبة البرلمان التي من المفترض أن يكون فيها رقيبًا على الحكومة.
كان "بكري" من أكثر المعارضين لنظام الرئيس الأسبق مبارك، فى فترته الأخيرة، غير أنه تحول وبشكل مفاجئ إلى تأييد الأنظمة التي أعقبت ثورة يناير، بداية من المجلس العسكري مرورًا بالرئيس الأسبق مرسى ثم الرئيس المؤقت عدلي منصور، وانتهاء بالرئيس السيسي، ولذلك لا يعول عليه الكثيرون فى معارضة الحكومة أو الرئيس داخل البرلمان.
سيكون "بكرى" جنبًا إلى جنب بجوار صديقه الإعلامي "عبد الرحيم علي"، ربما فى مواجهة رجال ساويرس، غير أن النواب الفائزين ارتدوا ثوب المعركة مبكرًا وبدأوا فى التلاسن والتلميحات المبكرة على الشاشات كل فى وسيلته الإعلامية التي يمتلكها، أو التي يعمل بها.
ويتألف البرلمان الجديد من 568 عضوًا منتخبًا، هم 448 نائبًا بالنظام الفردي، و120 نائبًا بنظام القوائم المغلقة، ولرئيس الدولة، عبد الفتاح السيسي، تعيين ما يصل إلى 5% من عدد الأعضاء، وتُعتبر انتخابات مجلس النواب هى البند الثالث والأخير من بنود خريطة الطريق، التي أعلنها الجيش عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين.
حركة محافظين ومن المتوقع، أن تشهد مصر حركة محافظين قبل الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية المقررة فى 21 و22 من الشهر الجاري، حيثُ إنه طبقًا لمصادر «المصريون»، فإن الحركة ستشمل 10 محافظات على الأقل وتأتى بعد تقارير واردة إلى السيسي بتردي الخدمات فى عدد لا بأس به من المحافظات، واعتبرت المصادر أن تأخير اختيار محافظ جديد للإسكندرية خلفًا للمستقيل "هانى المسيرى" يُعجل بإجراء حركة المحافظين.
وقال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الاشتراكي، مصطفى السعيد، إنه لابد من البدء فى حملة لانتخاب القيادات المحلية وأن تبدأ من الإسكندرية، مؤكدًا أن مشروع الدستور قبل إقراره كان يتضمن مادة تنص على انتخاب جميع القيادات المحلية من رؤساء الأحياء والعمد حتى رؤساء المدن والمحافظين، وكانت هذه المادة مفيدة بهذا الشكل، إلا أنه تم إضافة كلمة "أو بالتعيين" ففقدت المادة مصداقيتها لدى الشعب.
مكسب سياسي وأكد السعيد، فى تصريحات ل«المصريون»، أنه كان يرى هذه المادة أهم مكسب فى الدستور قبل أن تُضاف إليها كلمة "أو بالتعيين"، وأضيفت هذه الكلمة بدعوى أن «بعض المناطق سيكون من الصعب إجراء الانتخاب فيها»، ثم تحول الاستثناء إلى قاعدة، وجرى الإطاحة بأهم مكسب فى الدستور.
من جانبه، طالب مؤسس الجبهة الشعبية لتطوير المحليات بالمحافظات، الدكتور حمدي عرفة، بإقالة كل المحافظين المقصرين فى عملهم بعد أن ساءت الأوضاع المحلية ولجأ أكثر المواطنين إلى العشوائيات والقبور بدلاً من توفير مسكن آمن ومناسب.
حركة موسعة حمدي أكد ل«المصريون»، أنه يتوقع حركة محافظين موسعة وذلك نظرًا لأن أغلبية المحافظات بها مشاكل كثيرة متمثلة فى سوء الخدمات المعيشية وفساد منتشر فى المحليات والوحدات، معتبرًا أن علاج هذه الأزمات يكون "جذري" بمعنى أن المقصر يتم إقالته فورًا والذي يُقدم خدمات للناس تُترك له المساحة بشكل أكبر. وناشد عرفة، المسئولين بسرعة الاستجابة للمطالب المنادية بتوفير حياة آدمية للمواطنين، متوعدًا المقصرين من المحافظين الجدد بالملاحقة حتى تُقدم خدمات مناسبة للمواطنين، قائلاً: المحافظين الجدد ستكون عليهم مسئولية كبيرة وخصوصًا فى محافظتي الإسكندرية والبحيرة، نظرًا للظروف السيئة التي مرت بها تلك المحافظات.