أخطاء الترميم والإهمال والزحف العمرانى أسباب التدهور ترشيح المزيد من المواقع لقوائم «يونسكو» مثل «سبخة نبتة» حوار: دعاء درويش تحتضن مصر على أرضها كنوزًا أثرية فريدة، شاهدة على عظمة حضارات متعاقبة عبر آلاف السنين بينما تستحوذ الآثار المصرية القديمة على اهتمام عالمي واسع، يبرز التراث الإسلامي الغني والمتنوع كصفحة مضيئة أخرى في تاريخ هذا الوطن العريق. ولإلقاء الضوء على هذا الجانب المهم، التقت «اللواء الإسلامي» المؤرخ د. محمد حمزة، أستاذ الآثار والحضارة والتراث وعميد كلية الآثار ومساعد رئيس جامعة القاهرة الأسبق، ونستعرض معه رؤيته للوضع الراهن للآثار الإسلامية والتحديات التي تواجهها، وسبل الحفاظ على هذا الإرث الحضاري، وتعزيز دوره في حاضرنا ومستقبلنا.. وإلى نص الحوار: في البداية.. كيف تُقيِّم الوضع الحالي للآثار الإسلامية في مصر، وما أبرز التحديات التي تواجهها؟ الوضع الحالي سيء للغاية، خاصة خلال السنوات الأخيرة،فقد تم شطب الكثير من الآثار، مثل «طابية فتح» في أسوان التي تعود للعصر الفاطمي، فهناك إهمالًا كبيرًا لهذه الآثار، خاصة في الصعيد حيث قلت الآثار الإسلامية مقارنة بالآثار الفرعونية،فضلا عن هدم بعض المواقع الأثرية بحجة التطوير، مثل مشهد «آل طباطبا» بعين الصيرة، بالإضافة إلى سوء الترميم وظهور الكثير من العيوب بعد صرف مبالغ كبيرة عليها، مثل قصر البارون، بالإضافة إلى الاستغلال التجاري للآثار الإسلامية وإقامة الحفلات والأفراح فيها، وامتد ذلك إلى الآثار المصرية القديمة أيضًا، والوضع ازداد سوءًا بهدم المقابر التراثية في الإمام الشافعي، والتي تضم مدافن النخب المصرية في عصر أسرة محمد علي، رغم أنها مسجلة وتحميها القوانين والدستور، وللأسف الإهمال والتقصير كان من وزارة الآثار في تسجيل هذه المقابر، ولا يخفى على أحد ما يحدث في جبانة باب النصر شمال القاهرة لبناء باركينج متعدد الطوابق. قانون موحد من وجهة نظرك.. كيف يمكن الحفاظ على منطقة القاهرة التاريخية لتصبح مدينة تراثية عالمية؟ الوضع الراهن لمنطقة القاهرة التاريخية غير مرضى تماما، فلابد من التفرقة بين التطوير والتحديث وبين الحفاظ على الهوية والتراث، فلا يوجد مصري محب لوطنه ضد التطوير، فيجب البحث عن بدائل وحلول مبتكرة، وهو ما نادى به الرئيس عبد الفتاح السيسى، ويجب الالتزام بالمعايير الدولية وقوانين اليونسكو، وتعديل القوانين المصرية المتعلقة بالآثار والتراث، حيث يوجد تداخل وتضارب بين أربعة قوانين مختلفة تعطى تبعية الآثار لجهات متعددة «وزارة الآثار والسياحة، والجهاز القومي للتنسيق الحضاري التابع لوزارة الثقافة، ودار الكتب والوثائق القومية»، بالإضافة إلى تبعية معظم الآثار الإسلامية والقبطية لوزارة الأوقاف، فمن الأفضل إلغاء هذه القوانين ووضع قانون موحد يتبع جهة إدارية واحدة هي وزارة الآثار، لضمان المساءلة. كما يجب إلغاء أو تعديل قانون المنفعة العامة لعام 1990 بحيث لا يتعارض مع التراث، ووضع بدائل للتطوير ومواجهة الزحف العمراني، ولكي تصبح منطقة القاهرة التاريخية كالمدن التراثية العالمية، فتحتاج لرؤية واضحة واستراتيجية متكاملة لتطويرها، بمشاركة المتخصصين الأكفاء والخبراء، بالإضافة لوضع حدود واضحة للمنطقة في وزارة الآثار تختلف عن الحدود الإدارية في المحافظة، والحفاظ على «القاهرة الخديوية» بما تحتويه من مبانٍ ذات طراز معماري متميز يعود للقرن 19، والتي لا مثيل لها في العالم. تقلدت سابقًا منصب عميد كلية الآثار، فكيف ترى دور المؤسسات الأكاديمية في تعريف الأجيال الجديدة بتراثهم الإسلامي؟ المؤسسات الأكاديمية لها دور حيوي في تعريف الأجيال الجديدة بتراثهم الإسلامي من خلال تطوير المناهج الدراسية، وتغيير النظرة السائدة التي تركز بشكل أساسي على الآثار المصرية القديمة، ودمج تدريس الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية تحت مظلة شاملة لتاريخ وآثار مصر،واستخدام وسائل الإعلام ومنصات التواصل لنشر الوعي الأثري بطرق جذابة ومبسطة، والاعتماد على المتخصصين والخبراء في تقديم المعلومات الصحيحة بدلاً من الوجوه الإعلامية المكررة غير المتخصصة. المنظمات الدولية ما معايير ضم مواقع أثرية إسلامية مصرية إلى قوائم اليونسكو للتراث، وما أبرز المواقع التي تستحق ذلك؟ المعايير الخاصة بتسجيل المواقع على قائمة التراث العالمي لليونسكو موجودة بالفعل، ومصر ليست بحاجة إلى إضافة معايير جديدة، فاليونسكو والإيسيسكو والألكسو والمنظمات الدولية والإقليمية على دراية بهذه المعايير،انما المشكلة تكمن في طريقة ترشيح المواقع، فمثلا اعتبار منطقة الأهرامات موقعًا واحدًا لا يجوز، لأن كلامنهم معلم أثري مهم يستحق أن يُدرس ويُرشح بشكل منفصل (هرم خوفو، دهشور، هرم ميدوم، الهرم المدرج). وبالنسبة للآثار الإسلامية، هناك العديد من المواقع التى تستحق الترشيح، خاصة النقوش الصخرية في سيناء والصحراء الشرقية. ومنطقة «سبخة نبتة» في النوبة كأقدم قرية زراعية في العالم، وموقع يحتوي على أدوات فلكية ومرصد فلكي يعود إلى 9 آلاف قبل الميلاد، وكذلك وادي الملوك (بمقابره ال 64) ووادي الملكات فيستحقان التسجيل كمواقع منفصلة. كيف يمكن توظيف التكنولوجيا الحديثة في توثيق الآثار الإسلامية ونشر الوعي بأهميتها عالميًا؟ توظيف التكنولوجيا الحديثة أمر بالغ الأهمية في توثيق الآثار الإسلامية ونشر الوعي بها، واستخدام الوسائل العلمية والطرق الجيوفيزيائية مثل الرادار الأرضي في الكشف عن الآثار، فنحن في كلية الآثار استخدمنا الرادار الأرضي لاكتشاف «كاتاكومب» في تونا الجبل بالمنيا، والتصوير ثلاثي الأبعاد والذكاء الاصطناعي في توثيق الآثار الإسلامية، هذه التقنيات مُستخدمة بالفعل في الجامعة، وفي أعمال الترميم، بالإضافة إلى الصور الفوتوغرافية المستخدمة والتى يجب أن نقوم بإنشاء متحف لها عن الآثار المصرية، لأن هناك أرشيف ضخم من الصور القديمة، فهي تعتبر مصدرًا مهما لتوثيق وترميم الآثار. ترميم خطأ كيف يمكن تشجيع الشباب على زيارة المواقع الأثرية الإسلامية؟ للإعلام دور كبير في تشجيع الشباب على زيارة المواقع الأثرية الإسلامية، ولكن الحكومة والمحافظة غالبًا ما يتجاهلون هذه الحملات والمبادرات، وللأسف ردود الفعل الرسمية التى تظهر عند وجود حملات ضد الهدم أو الإهمال غالبًا ما تكون مجرد تهديدات أو وعود غير منفذة، فالاتجاه الآن نحو تحقيق مكاسب سريعة من خلال رفع أسعار تذاكر دخول المتاحف والمواقع الأثرية على المصريين، مما يجعل زيارتها صعبة على الشباب والأسر، فيجب تسليط الضوء على هذه القضايا ومناقشتها بمجلس الشعب، وعمل حملات توعية، فالعديد من الدول تتيح لمواطنيها دخول المتاحف والمواقع الأثرية مجاناً أو بأسعار رمزية. بالنسبة لمشروعات ترميم الآثار الإسلامية.. هل هناك أخطاء حدثت في مشروعات سابقة؟ نعم حدثت أخطاء عديدة بمشاريع الترميم أذكر منها ترميم قصر البارون، وكذلك قصر محمد علي بشبرا بعد ترميمه تم تحويله إلى قاعة أفراح، وجامع محمد علي وجامع سرية الجبل بالقلعة أيضًا تحولا إلى قاعات أفراح بعد الترميم، مما يسيء لقيمتهما الأثرية. وهناك مشروع ترميم «سور القاهرة» كان فيه خطأ، حيث تم تشكيل لجنة قضائية (كان هو أحد أعضائها مع د. صالح لمعي وآخرين) وأثبتت اللجنة أن المشروع غير مطابق للمواصفات العالمية وتم إدانة الشركة والأثريين المسئولين عنه.. لذلك يجب أن تتم مشروعات الترميم وفقًا للقانون والمواثيق الدولية، وأن يقوم بها استشاريون متخصصون وخبراء، وأدن تنفذها شركات ترميم متخصصة لديها خبرة في أنواع مختلفة من الآثار (معمارية، عضوية، غير عضوية)، وتحليل عينات التربة واستخدام الوسائل العلمية الحديثة في الترميم، وتوثيق الأثر بالصور القديمة لإعادته إلى حالته الأصلية والحفاظ عليه. المواقع الأثرية ما رؤيتك للنهوض بملف الآثار الإسلامية في مصر؟ وما الرسالة التي توجهها للمسئولين؟ أتمنى تنفيذ العديد من المشروعات والمبادرات لدعم الآثار الإسلامية، على المستوى المحلي، أهمها أن يكون هناك قانون موحد للآثار والتراث يتم تطبيقه بشكل فعال، وإنشاء «قطاع للآثار المصرية» شامل لكل الفترات التاريخية في وزارة الآثار والجامعات، ولابد من تفعيل دور الإعلام المتخصص والأكاديميين في نشر الوعي الأثري. أما على المستوى الدولي، أتمنى ترشيح المزيد من المواقع الأثرية الإسلامية المصرية لقوائم التراث العالمي لليونسكو بناءً على المعايير العلمية المعروفة. ورسالتى للمسئولين الاهتمام بملف الآثار الإسلامية بشكل خاص، وعدم تهميشه لصالح الآثار الأخرى، والاستماع إلى المتخصصين والخبراء في اتخاذ القرارات المتعلقة بالآثار والتراث، وتعيين الكفاءات في المناصب القيادية، وتوفير الدعم المادي والمعنوي اللازم للحفاظ على هذه الثروة القومية للأجيال القادمة، وتفعيل القوانين لحماية الآثار من التعديات والإهمال. هل أنت راضٍ عن العمارة الإسلامية في الوقت الحالي؟ روح العمارة الإسلامية غائبة بشكل كبير عن مدننا الجديدة،فالعمارة الحديثة في أغلبها تعتمد على تقليد الطرز الغربية دون مراعاة للهوية المصرية الإسلامية، يرجع ذلك إلى عدة أسباب، منها غياب الرؤية الواضحة للتخطيط العمراني، وعدم الاستعانة بالمهندسين المعماريين المتخصصين في العمارة الإسلامية عند تصميم المدن الجديدة، والاعتماد على «القص واللصق» من تصميمات غربية دون فهم لجوهر العمارة الإسلامية وخصائصها، فمن المهم دمج العناصر والزخارف الإسلامية الأصيلة في التصميمات الحديثة لخلق هوية معمارية مميزة للمدن تعبر عن تاريخنا وحضارتنا الإسلامية العريقة.