الغالبية في بلداننا-الشرق أوسطية-عند مواجهة المشكلات يتعاملون معها بمنطق التبسيط والتسطيح والقفز سريعا علي النتائج دون تروي، وذلك لحالة الكسل العقلي لأن تفكيرهم يتجاهل خلفية وجذور وكذلك الظروف التي أدت بهم لتلك المشاكل، ولأن الكثير من التقليديين يفضلون التعايش-بالتعود-معها يحدث لتفكيرهم تكلس وجمود في المواقف علي أن يدفعوا ثمن التغيير في الرأي ناسين أن الفشل يعد جزء من النجاح وأن الخطأ في المحاولة ليس نهاية الطريق بل هو متعة للمبدع الحقيقي. الخطر كل الخطر يكمن في تبني البعض منطق اللاموضوعية والتفاهة والسطحية في أمورنا ثم نتوقع من أبنائنا أن يتجنبوا تلك الأفعال، فمن المستحيل أن نزدري حياة المنطق والعقل الموضوعي ثم نطلب منهم أن يمجدوها لأن ذلك يمثل عار علينا كما يقول الشاعر أبو الأسود الدؤلي: لا تنه عن خلق وتأتي بمثله....عار عليك عظيم. البعض عندنا ممن هم علي رأس المؤسسات أو الهيئات أو المؤسسات يتصفون بالكسل الذهني والفكري ويسود عندهم منطق الفهلوة والارتجالية بالاضافة الي العجرفة والاستعلاء علي البعض من مرؤسيهم الموضوعين والذين يفكرون دائما خارج الصندوق لايجاد حلول جديدة أو أفكار مبتكرة للنهوض بالمؤسسة أو رقيها، فتجدهم غالبا مغضوب عليهم ومظلومين-في حقوقهم-بالمقارنة بنظرائهم -الفهلويين- ولاعتقاد رؤسائهم أنهم سوف يكشفون سطحيتهم وجهلهم أو سوف يكونون سببا في اقصائهم من مراكزهم القيادية. الفكر الذي لا يتجدد والرأي الذي يتجمد ويتكلس ينبع ممن يفتقر الي شجاعة النقد الذاتي أو النقد البناء من الآخرين، هذا بالاضافة الي عدم الاعتذار عن أخطائهم فهم كما يصفهم البعض "يتكبرون بفرط جهلهم ويجهلون بفرط كبرهم". المفكرون الحقيقيون تينتظرون بسعادة فائقة الأفكار الجديدة سواء منهم أو من الآخرين، فقديما قال الفيلسوف اليوناني هيرقليطس "لو خيرت بين فكرة جديدة أقع عليها وبين عرش فارس لاخترت الفكرة". صحيح ان من يسلك الطرق الجديدة بأسلوب علمي ومنطقي عليه أن يضحي ببعض الراحة والهدوء مقابل ترويض نفسه وروحه علي فهم وكشف الحقائق والظواهر، وتلك قد يفتقر الي تلك السلوكيات الكثير بيننا حتي من المتخصصين والمعترف بشهاداتهم الرسمية في مجالات عديدة. البعض يتبني تفكير غير منطقي أو خرافي ذلك لعدائهم الصريح للعلم لأن الاول سهل ومريح ولا يحتاج لمجهود ذهني، ولأن طبيعة البعض الكسل والركون للاستسهال غالبا ما يؤدي بهم الي الهلاك لتراكم المشكلات والتسويف في المواجهة والحل، والخطر الأعظم كما يقول د. زكريا ابراهيم عندما يستهين البعض ويربط أفكاره الخرافية بالدين مستغلا بعض ما ورد في الدين من أمور غيبية كالروح مثلا والأستناد-خطأ-الي بعض النصوص الدينية التي تتحدث عن السحر والحسد لكي يدافعوا بشدة عن خرافاتهم وعدائهم للعلم مؤكدين دعم الدين لها والدين منها براء، فيقع البسطاء السذج من الناس حائرين بين عقيدة متأصلة فيهم وبين منهج علمي تثبت صحته علي أرض الواقع العلمي كل لحظة. أمرنا الله في القرآن أن نتدبر ونتفكر باستمرار بمساعدة ما وهبنا من عقول والدليل علي ذلك أن كلمة "يتفكرون" وردت 14 مرة في آيات القرآن الكريم وكلمة "يتفكروا" وردت 3 مرات وكلمة "فكر" مرة واحدة. وصدق الله اذ يقول "ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" سورة الرعد و "يبين لكم الآيات لعلكم تتفكرون" سورة البقرة. اعتماد البعض وركونهم علي أفكار غيرهم الشائعة أو السائدة والتسليم بها بالمطلق يعد من السلبيات التي تعكس الكسل العقلي، فتخيلوا لو لم يتجرأ البعض من المفكرين او العلماء-الذين أسهموا بأفكارهم وعلمهم في تقدم البشرية-في نقد المسلمات التي كانت سائدة في أيامهم والتصدي لكهنة القديم من الافكار لما تقدمت البشرية. تقول مقولة غربية هذه ترجمتها "انك لن تحصل علي شيء لم تحصل عليه من قبل الا اذا قمت بفعل شيء لم يقم بفعله من قبل". يجب علينا أن نعتمد علي أنفسنا وننهج التفكير العلمي المنطقي والموضوعي لأن اعتمادنا علي الآخرين كي يفكروا لنا وتنازلنا عن كل حق حصري لنا في أخذ القرار هو "عبودية نفسية" ووضع النفس تحت رحمة الآخر بالاضافة الي محو الهوية الفردية التي خص الله بها البشر. يقول أحد الحكماء "انك لا تستطيع أبدا أن تكون أفضل من القدر الذي تحمله من التقدير والثقة في ذاتك".