كل شيء انتهى يا أيمن، غاب أباك و توارى تحت الثرى ،و لم يعد استجداؤك لنا ذي قيمة أعلم أنك كنت تريد الاحتفاظ بملامح وجهه في نظرة طويلة أخيرة قبل أن يأخذوه بعيدا عن ناظريك فلا تتمتع بحضوره من جديد ، أعلم أنك كنت تريد تقبيل يديه ،و شكره على كونه السند و العائل وعمود الاتزان الذي طالما استندت عليه صغيرا و أواك و حماك شابا ، أعلم أنك كنت تريد الاعتذار عن كل دمعة حزن ساخنة ذرفها في غيابك ،أعلم أنك كنت تريد احتضان أمك و الشد على يدها و انت تحاول أن تنزع عنها مصابها في زوجها و شريك حياتها و رفيق دربها ، مطمئنا لها انك الرجل الثاني بعد أبيك حاملا همومها ووزر اخوتك على عاتقيك، فتركتها وحيدة بين فراقين ووحدتين . أعلم كل هذا ، فأنا مثلك ، فقدت أبي في غربة تشبه غربتك ، كنت بين نارين ، نار اكرامه بدفنه و نار وضعه في ثلاجة الموتى لأمتع عيني به و أقبله القبلة الأخيرة ، فاذا بي أدعس على قلبي لاعنة الغربة و لاعنة المسافات التي حرمتني حتى من رؤيته لمرة أخيرة أدفن فيها رأسي في صدره و أبكي ،و لكن غربتي اختلفت عن غربتك ، غربتي كانت اختيارية نوعا ، أما أنت فغربتك انتقامية . أعلم أنك تريد الصراخ ، اصرخ يا أيمن ، و لكن صراخك لن يتجاوز زنزانتك الباردة تماما كقلوب سجانيك ، ابكي يا أيمن ، فبكاؤك لن يروي غير زهور يانعة مثلك، تنتظر في زنزانتك السقيا من دموعك. لم حملت هموم بلدك و نزلت تطلب حقا أخذ منك بالقوة ، هل جننت ! ، هل حقا ظننت أن ضمائر سجانيك ستحتمل هتافك ؟ ألا تعلم أن هتافك يشق في صدورهم كألف سكين ؟ أنت قاتل اذن ، تريد قتلهم بصوتك ، تريد انتزاع حريتك بكراسيهم ، ألا تدري أنهم قننوا أهواءهم بقانون حتى يكون عليك حجة ،فيشفوا منك غليلهم في الانتقام من كل من نادى بحرية بلادي . ألا تفهم انهم لا يريدون إلا ان تهتم بشئونك الخاصة ، و أن ينحصر دورك فيما يطلب منك فقط ، فلا يتذكرون وجودك إلا حين يحتاجون إلى أرقام تتوج أعراسهم الانتخابية ؟ ، ألا تعلم انهم بمنعك من دفن أبيك لم يريدوا إلا الشماتة فيك و في مصابك لأنك تجرأت عليهم و هتفت ضدهم ؟ انا مثلك لا أفهم و لا أستوعب ، كيف لقاضي أن يحكم على شاب حديث العهد بالرجولة مثلك- و ان كانت رجولتك يا صغيري تزن ألفا من ذكورة ذوي الشوارب متدثري السرائر - بمصادقة عتاة المجرمين ، و كيف ساوى بين صنعك بقصد بناء الوطن مع جرمهم في هدمه ، و ما بين نشرك لمبادئ الديمقراطية مع نشرهم الموبقات في بلادك . و كيف لقاضي أن يحكم بالقانون بدون روحه ؟ هل غاب عنهم ما فعله سيدنا عمر بن الخطاب في عام الرمادة ، حين اشتد الجوع بأمة المسلمين فلغى حد السرقة الذي لم يلجأ اليه المسلمون إلا جوعا و فاقة ، ألم يقس الحدثين فيعطل حد سنه البشر -و هو هين -بحدود الله التي وضع عمر لتعطيلها عدله و آخرته قربانا أمام الله متحملا وزرها ان كان مخطئا عملا بالآية الكريمة " فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم " ، فهل يتساوى الحدثان و أنت و كل الشباب تتوقون جوعا إلى الحرية و استرداد أوطانكم . هل لقّنك قاضيك حجتك و هو يحكم بفناء ربيع عمرك ، كما فعل النبي الكريم (عليه الصلاة و السلام ) لِماعِز رضي الله عنه : لعلك قَبّلْت ، أو غَمَزْت ، أو نَظَرت ؟ قبل الحكم عليه هل شرع قبل تطبيق حد القانون ببعض الأحكام السابقة، كما فعل سيدنا عمر رضي الله عنه في جعل الطلاق ثلاثا ، لدرء مفسدة انتشار الطلاق بين الأمة الاسلامية ؟ اما و قد أداروا وجوههم عن شطر سير المسلمين ، أفلم يقابلوا شطر الغرب الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو في شرحه ل" روح القانون " ؟ و الذي ربط فيه بين السياسة والقوانين ربطاً منطقياً، إذ كان يرى أن المعنى الحقيقي للقوانين والذي يؤثر في كيفية تطبيقها هو الأهداف، والمبادئ، والقيم، والأعراف السياسية الكامنة خلفها. و الذي أوعز الدافع الكامن وراء تطبيق القوانين إلى قيمة الفضيلة في المجتمع ، حين يكون المغزى الرئيس للشرائع والقوانين هو ضمان الحقوق العامة والخاصة، بعيدا عن الإيذاء أو فرض العقوبة التي تفضي إلى إثارة حقد الفرد على المجتمع، أو تفضي لتدميره بدنيًا أو نفسيًا بحيث يكون عالة على المجتمع فيما بعد. فهل فكر القاضي فيما ستكون عليه بعد 15 سنة من ارتكابك اللا جرم و اللا ذنب ؟ هل تعلم يا بني أن "القاتل يُقتل". ولكن القضاء في عدالته لا يأخذ بحرفية هذا المبدأ. إنما يراعي روحه بكافة التفاصيل. فيدرس القضية وظروفها. وهل حدث القتل عفواً أو عرضاً أو خطأً أو سهواً. أو عن طريق الإصرار والترصد وسبق الإعداد وإحكام الخطة؟ وهل القاتل كامل العقل أم مختل أم مجنون؟ وهل وقت ارتكاب الجريمة كان في كامل إرادته وحريته؟ أم كان مرغماً أو مضطراً أو مستفزاً أو محرضاً من غيره؟ وهل ارتكب الجريمة دفاعاً عن النفس. أم دفاعا عن الشرف. أم دفاعاً عن غيره؟ أم بقصد الحقد أو الانتقام أو السرقة أو بنية خبيثة؟ فهل درس القاضي ظروفك و ملابسات القبض عليك و نفسيتك و أسباب نزولك في التظاهرة قبل أن يحكم بحرمانك من حضن ذويك 15 عاما هي ريعان شبابك ؟ ثم حرمانك من أبسط حقوقك في دفن أبيك و لو كنت من عتاة المجرمين و الارهابيين ، فما بالهم و أنت الملاك البريء ذو الملامح و الأخلاق النبيلة . سامحكم الله جميعا ، و سامحني قبلكم رسالتي هذه ليست لقراء الجريدة الغراء ، ولا للمسئولين، و لا لمنظمات حقوق الانسان ،و لا المنظمات الدولية، و لا منظمات حرية الرأي و التعبير ، لأننا جميعا نتحمل أوزار بقاء الأطفال و الشباب في المعتقلات . رسالتي هذه شكوى إلى الله العليم القدير و طلب مغفرة من أخي الصغير و ابني أيمن .