الإدارية العليا تستقبل 29 طعنا على نتيجة ال19 دائرة الملغاة بالمرحلة الأولى للنواب    وزير الكهرباء: المواطن شريك ومن حقه الحصول على خدمة لائقة تتناسب مع حجم التطور    الجمارك: نستهدف تبسيط الإجراءات وتخفيف الأعباء عن مجتمع الأعمال لتحفيز الاستثمار    موعد صرف معاشات يناير 2026 بعد زيادة يوليو.. وخطوات الاستعلام والقيمة الجديدة    الأردن يدين مصادقة حكومة الاحتلال على إقامة وشرعنة 19 مستعمرة جديدة بالضفة    برلماني: العلاقات المصرية الفرنسية تشهد مرحلة متقدمة من التنسيق والتفاهم الاستراتيجي    أكسيوس عن مسئول إسرائيلي: لم نبلغ واشنطن بمحاولة اغتيال رائد سعد في غزة    واشنطن تتعهد الرد على رواندا ل«انتهاك» اتفاق السلام مع الكونغو الديموقراطية    فلامنجو يعلن تشكيله لمواجهة بيراميدز في كأس إنتركونتيننتال    لماذا يثير محمد صلاح كل هذا الغضب؟    قائمة الكاميرون لبطولة كأس الأمم الأفريقية 2025    حجز محاكمة 7 متهمين بتهريب العملة للحكم    محافظ الغربية يتفقد الشوارع الفرعية بطنطا لمتابعة رفع مياه الأمطار    إعدام عامل والسجن المشدد 10 سنوات ل7 آخرين في قضية قتل بالقليوبية    عالم «تارانتينو» الساحر!    "الإسكندر الأكبر" في مكتبة الإسكندرية    العثور على جثة شخص داخل شقة سكنية بمنطقة ميامي في الإسكندرية    جامعة أسيوط تنظم المائدة المستديرة الرابعة حول احتياجات سوق العمل.. الاثنين    حماس تحذر من كارثة إنسانية بعد عواصف غزة    وفاة والدة الدكتور خالد حمدي رئيس جامعة الأهرام الكندية    نرمين الفقي تهنئ محمد هنيدي بزواج ابنته.. صور    «الجمارك» تبحث مع نظيرتها الكورية تطوير منظومة التجارة الإلكترونية وتبادل الخبرات التقنية    كلية الدراسات الإفريقية تنظم ندوة عن العدالة التاريخية والتعويضات    بحوزته 35 كيلو شابو وأسلحة.. مصرع تاجر مخدرات في حملة أمنية بقنا    سفير الإمارات: الجرى وسط أعظم حضارة فى التاريخ وبين الأهرامات شعور لا يوصف    بدء الصمت الانتخابي غدا فى 55 دائرة انتخابية من المرحلة الثانية لانتخابات النواب    نائب وزير الإسكان يعقد اجتماعا لمتابعة احتياجات شركات مياه الشرب والصرف الصحي    إدراج معهد بحوث الإلكترونيات ضمن لائحة منظمة الألكسو لمراكز التميز العربية    الموسيقيين تشطب عاطف إمام بعد تحقيقات رسمية تثبت مخالفات إدارية ومالية    محافظ الغربية يهنئ أبناء المحافظة الفائزين في الدورة الثانية والثلاثين للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    وصفة الزبادي المنزلي بالنكهات الشتوية، بديل صحي للحلويات    مأساة في قرية الدير شرق أسنا جنوب الأقصر.. انهيار منزل يؤدي إلى وفاة أم وطفليها وإصابة آخرين    برشلونة يكشف سبب غياب تشيزني عن مواجهة أوساسونا في الليجا    "القاهرة الإخبارية": اقتحامات إسرائيلية واسعة بالضفة الغربية تشمل نابلس وطوباس    رئيس الوزراء يتفقد مشروع إنشاء مستشفى التأمين الصحي الشامل بالعاصمة الجديدة    محافظ أسيوط يفتتح المؤتمر السنوي الثالث لمستشفى الإيمان العام بنادي الاطباء    فيديو.. الأرصاد: عودة لسقوط الأمطار بشكل مؤثر على المناطق الساحلية غدا    تموين الفيوم يضبط محطتين تموين سيارات يتلاعبان في المعيار الخاص بطلمبة سولار    طلعات جوية أميركية مكثفة فوق ساحل فنزويلا    جهاز «شئون البيئة» يترأس وفد مصر فى اجتماع جمعية الأمم المتحدة للبيئة فى نيروبى بكينيا    إبراهيم حسن يشيد بإمكانات مركز المنتخبات الوطنية.. ومعسكر مثالي للاعبين    صحة دمياط تضرب بقوة في الريف، قافلة طبية شاملة تخدم 1100 مواطن بكفور الغاب مجانا    محافظ أسيوط يقود مفاوضات استثمارية في الهند لتوطين صناعة خيوط التللي بالمحافظة    الأعلى للثقافة: الكشف الأثرى الأخير يفتح ملف عبادة الشمس ويعزز القيمة العالمية لجبانة منف    «الست» يحقق 7 ملايين جنيه في أول 3 أيام عرضه بالسينمات    تكريم إدارة الصيدلة بمستشفى الشيخ زايد خلال مؤتمر التفتيش الصيدلي    لخدمة الشباب والنشء.. رئيس الوزراء يؤكد دعم الدولة للمشروعات الثقافية وتنمية الوعي بالمحافظات    مواعيد مباريات السبت 13 ديسمبر - بيراميدز ضد فلامنجو.. وليفربول يواجه برايتون    بطولة إفريقيا لسيدات السلة| الأهلي يواجه الجيش الرواندي في نصف النهائي اليوم    «أسرتي قوتي».. المجلس القومي لذوي الإعاقة يطلق برامج شاملة لدعم الأسر    وزيرة التضامن الاجتماعي تلتقي رئيس الطائفة الإنجيلية ووفد من التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    للشباب.. فرص عمل جديدة في عدد من الشركات الخاصة    تشويه الأجنة وضعف العظام.. 5 مخاطر كارثية تسببها مشروبات الدايت الغازية    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولازالت مصطبة عم السيد شاهدة ?!    اسعار الذهب اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى محال الصاغه بالمنيا    "يا ولاد صلّوا على النبي".. عم صلاح يوزّع البلّيلة مجانًا كل جمعة أمام الشجرة الباكية بمقام الشيخ نصر الدين بقنا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 13-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بالصور.. أطفال يكبرون قبل الأوان بعد أن دهسهم قطار الحياة
نشر في المصريون يوم 12 - 11 - 2015

عمالة الأطفال تغتال 3ملايين بحثًا عن "لقمة العيش".. والحكومة تتجاهل الدستور والقوانين
- "حسن" يجلس على مدخل مترو السادات بصندوق مسح الأحذية.. و"عطية" تطارده الشرطة فى محطة مصر
- الأشقاء الثلاثة جاءوا من بنى سويف بحثًا عن المخلفات فى الترع والمصارف.. و"هند" تجلس 10 ساعات فى ميدان المؤسسة
- 90% من الأطفال العاملين فقراء.. 87.4٪ منهم يمنحون أجورهم لأسرهم
- هانى هلال: الأطفال يهربون من الفقر إلى أعمال مجرمة دوليًا.. والحكومة المصرية لا تحترم المادة 182 لمنظمة العمل الدولية
- منى صادق: 30% من الأطفال يلجأون للعمل مبكرًا.. وآليات الدفاع عنهم فى مصر "مشلولة"
"ممنوع من السفر.. ممنوع من الغنا.. ممنوع من الكلام.. ممنوع من الاشتياق.. ممنوع من الاستياء.. ممنوع من الابتسام.. وكل يوم فى حبك.. تزيد الممنوعات.. وكل يوم بحبك.. أكتر من اللى فات".. كلمات صاغها الراحل شاعر العامية أحمد فؤاد نجم، وقام بتلحينها وغنائها الشيخ إمام عام 1984، كلمات كلما أمعنا فى حروفها سنجد أنه بعد أكثر من ثلاثة عقود لا نزال نعيش تلك القائمة من الممنوعات.
البداية على باب إحدى محال "كنتاكي" بميدان التحرير، ذلك الميدان الذى شهد واحدة من أعظم ثوارات الشعب المصرى منذ ثورة 2184 قبل الميلاد للإطاحة بالملك بيبى الثاني، ثورة طالبت بالعدالة الاجتماعية فى الخامس والعشرين من يناير 2011، عدالة لم نصل إليها رغم مرور أكثر من 1700 يوم على سقوط أول شهيد.
العدالة الاجتماعية التى بُح صوتنا هتافًا فى ميادين مصر غابت اليوم وبشكل يكاد يظهر بقسوته على قسمات تلك الطفلة، التى وقفت أمام زجاج المطعم تتنقل بنظرها بين طاولة وأخرى، بين الحين والآخر راحت تلك الطفلة التى لم تتجاوز السادسة بعد "تمصمص شفتيها" دلالة على الجوع والحرمان، تمسك بين يديها "كيس بلاستيك" به كمية صغيرة من المناديل، وحينما دعوتها للطعام، هزت رأسها رفضًا، ثم انطلقت لتنادى "مناديل يا إخوانا.. ساعدونى بكيس منديل ينوبكم ثواب عند الله".

لا أعلم لماذا لم تستجب الطفلة لدعوتي، غير أننى أدركت من إصرارها على بيع ما تحمله من مناديل، فرض عليها كطفلة كبيرة ألا تأكل إلا من عرق جبينها، وكما عرفت من الجرسون "تلك الفتاة تأتى بين الحين والآخر ولكنها ترفض أن تأخذ منا أى شيء دون أن تدفع ثمنه".
خرجت من المطعم وأنا أتعجب من تلك الطفلة التى لم يتثن لى معرفة اسمها حتى الآن، وعلى باب اصطدمت بمشهد آخر لا يقل قسوة من مشهد تلك الطفلة المجهولة، مشهدًا كثيرًا ما شاهدته كلما سنحت لى فرصة التواجد فى ميدان التحرير، وتحديدا أمام أحد مداخل مترو أنور السادات، ولكنه لم يكن يلفت انتباهى على الإطلاق، إنه لطفل صغير يقارب سنةً من عمر الفتاة المجهولة، ولكنه يجلس أمام صندوقه الخشبى ويقوم بمسح حذاء أحد الشيوخ.
المشهد الأول
"باشتغل عشان أصرف على البيت.. يعنى أمى وأختى يشتغلوا وأنا راجل البيت أقعد من غير شغل.. لازم اشتغل عشان ناكل".. هكذا تحدث "حسن" أو "الواد أبو كاب أزرق" اللقب الذى اشتهر به فى بين أقرانه من ماسحى الأحذية، فرغم سنه الذى لم يتخط السادسة، اعتاد الطفل الأسمر لا يبالى بحر الصيف أو ببرودة الشتاء أمام صندوقه، يدق عليه بعصا من "الخرازان" ليلفت انتباه الزبائن.
اقتربت من الفتى الصغير ذى الجسد النحيل الذى اضطر للجلوس على صخرة انتزعها من أحد الأرصفة لتجعله يبدو طويلاً بعض الشيء ليطول أقدام زبائنه، يمسك فى إحدى يديه فرشاة الأحذية وفى اليد الأخرى بقايا ساندويتش فول، وقبل أن أبادر بسؤاله استوقفنى بوجه عابس وبحاجبيه المعقودين قائلا: "استنى أما أشوف شغلي.. رجلك يا باشا".
"أبويا مات من سنتين.. وأمى كانت بتشتغل يوم وتبطل عشرة عشان عيانة.. فجابت لى صندوق الورنيش عشان أساعدها".. تلك هى قصته مع الصندوق، تلك القصة التى تبدأ يوميًا منذ الساعة السابعة صباحًا وحتى مغرب ذات اليوم، لا يحميه من حر الصيف أو برودة الشتاء سوى تلك القبعة الزرقاء، ينتظر أكثر من عشرة ساعات يوميًا بحثًا عن رزق أسرته، فضحك ببراءته المعهودة: "أيام ربنا بيجود بعشرة جنيه وأيام بخمسة وأيام بعشرين وأهى ماشية والحمد لله"، كان يتحدث وكأنه رجل كبير، يقاسى من حمل المسؤولية.
الكارثة أن ل"حسن" شقيقة أكبر منه بسنتين تعمل فى أحد المنازل كخادمة، "ما اعرفش البيت اللى بتشتغل فيه بس أمى بتوصلها كل يوم.. وأهى سبوبة تفك زنقة"، هذا كل ما يعلمه الفتى الأسمر، وأكثر ما لم يعد يحلم به أنه "يروح المدرسة زى عيال الشارع بتاعه.. لكن ظروف أسرتة وحشة.. وكان يحلم بأكل البسكوت والشيبسى زى الواد أيمن عشان يبطل يغيظه"، تلك كانت مجرد أحلام مشروعة لأى طفل صغير، ولكنها تحولت إلى كابوس.
المشد الثاني
"قرب قرب.. معايا الكوفية بعشرة جنيه.. قرب قرب ال6 شرابات بعشرة جنيه".. كلمات بسيطة استوقفتنى فى ميدان المؤسسة بالقرب من المسجد الكبير، طفلة صغيرة ذكرتنى بتلك التى فى ميدان التحرير مجهولة الاسم، جلست بجوار طاولة خشبية مليئة بأشكال متنوعة من الكوفيات والشرابات، تجلس على صخرة كبيرة لترتفع بطولها القصير عن الأرض.
اقتربت من الطفلة التى قالت بصوت مرتفع: "أنا هبة.. وعندى خمس سنين.. وقاعدة هنا لحد ما أمى تبيع فرشتها وتيجى تاخدني".. فجأة توقفت عن الحديث وأمسكت بإحدى الكوفيات قائلة بصوت متوسل: "اشترى منى حاجة والنبي.. نفعيني.. أنا بجرى أنا وأمى على إخواتى الخمسة.. اشترى منى حاجة ربنا يسترك ما يفضحك"، هكذا حاولت أن تستعطفنى لشراء أى شيء من بضاعتها المعروضة أمامها.
"ماما بتشتغل وهى عيانة.. إيه يعنى لما اتعب شوية.. احنا بنشتغل عشان نعيش ونجيب لها الدوا.. والنبى اشترى منى حاجة بقى"، هكذا عبرت الطفلة العجوز التى فقدت سنين طفولتها فجأة مع قسوة الحياة، طفلة صغيرة تضطر للجلوس فى نفس الميدان بحثًا عن "لقمة العيش" على حد تعبيرها، تأتى كل يوم منذ التاسعة صباحًا، ولا تفارقه إلا مع هبوط أول خيوط الظلام.
المشهد الثالث
"ابعد يا ولد من هنا لحسن أحبسك.. عامل زحمة والركاب مش عارفة تخرج".. لم يجد أحد ضباط الشرطة المكلفين بحراسة أحد بوابات محطة قطار مصر بميدان رمسيس سوى إطلاق مجموعة من التهديدات والوعيد لذلك الصبى الذى "دوش دماغه" على حد تعبيره، فقد استوطن هذا الصبى الذى لم يتعد العشر سنوات بعد مدخل محطة القطار، وجلس بجوار صندوق مسح الأحذية.
اقتربت من "عطية" لأستفسر منه عن سبب اختيار هذا الموقع تحديدًا، ولماذا لا يسمع كلام الضابط ويترك مساحة للركاب ليمروا دون أى إزعاج، فقابلنى بسخريته الغريبة قائلا: "أكل عيشى ياست.. وبعدين احنا مبنختارش مكان أكل العيش.. المكان هو اللى بيختارنا.. وبعدين أنا مبزعجش أى راكب.. أنا باشتغل عشان أجيب قوتى وقوت إخواتي".
رد "عطية" المنطقى لم يترك لى أى مجال لأى سؤال آخر، فهذا الصبى رغم تهديدات رجل الشرطة، ورغم قساوة بعض الركاب، لم يكن ليترك المكان الذى رأى فيه حلم مساعدة أسرته، تلك الأسرة التى علمت منه أنها تأثرت كثيرًا منذ أن أُجبر والده على الجلوس فى المنزل قعيدًا.
"من يوم أبويا ما وقع من على السقالة واتقطعت إيده وأنا اللى بصرف على البيت كله.. بصحى الصبح بدرى وأجى جرى على المحطة عشان الشغل بيبقى كتير ساعة الصبحية"، فهذا الصبى "عطية" يبدأ عمله من الساعة السابعة صباحًا ليستقبل ركاب محطة مصر، "الشغل الصبح أكتر من الليل.. الناس بتحب تمسح جزمها قبل ما تسافر أو تدخل مصر لكن بالليل بيروحوا البيت من غير ما يمسحوها"، هذا كان الاكتشاف الكبير الذى اكتشفه بعد خبرة ثلاث سنوات من العمل فى مسح الأحذية.
"أجازة أيه يا ست.. احنا رزقنا اليوم بيومه.. والأعياد بتبقى موسم شغل"، لم يكن "عطية" كأى طفل يمكنه اللعب والاختلاط مع الأطفال، فمن جانب يتحمل مسؤولية الإنفاق على أسرته، ومن جانب آخر الأطفال فى شارعه يذهبون إلى المدرسة ولا يحبون اللعب معه، "العيال مش بترضى تلعب معايا ودايما يقولولى إيدك وسخة"، هذا ما يتركه المجتمع فى ذهنه، فهو يرى أنه أقل من الأطفال ولا يحق له اللعب معهم، ولا يحبهم لأنهم دائمًا يعايرونه بمظهر يده وملابسه.
المشهد الرابع
"بتصورى إيه يا أبلة.. شايفانا نجوم سيما".. بوجه حفرت قسماته قسوة الشمس، وبعصاه الطويلة التى اعتقدت أنه سيطيح بها فى وجهي، راح "مسعد" ذلك الفتى ذو الأربعة عشر عامًا، والذى جاء خصيصًا من محافظة بنى سويف هو وشقيقاه "عادل" و"إبراهيم"، بحثًا عن الرزق فى مياه الترع والمصارف.
وقف الصبى "مُسعد" بعصاه يقول: "بعد إذنك يا أبلة متصوريش.. المعلم لو شاف أى صورة فى التليفزيون أو الجورنال مش بعيد يطردنا".. هذا هو كل ما يهم الصبي، لم ينتبه إلى الترعة التى ترك شقيقيه يسبحان فى مياهها القذرة بحثا عن بعض المخلفات البلاستيكية، لم يلتفت أو حتى يهتم بالأخطار الصحية التى يمكن أن يتعرضا لها، فقط لا يريد أن يرى صاحب العمل أى صورة له ولشقيقيه.
"أنا وإخواتى بنلم أى حاجة مصنوعة من البلاستيك.. ونديها للمعلم.. وكل كيلو بيدينا علية خمسة جنيه.. ويوم نطلع 10 كيلو ويوم منجيبش غير 5 كيلو بس".. هكذا ترك الأشقاء الثلاثة قريتهم فى بنى سويف وجاءوا إلى القاهرة بحثًا عن حفنة جنيهات من وسط الترع والمصارف، حفنة جنيهات لا يمكن أن تكفى لعلاجهم من أثر السباحة فى تلك المياه، ولا يمكن أن تكفى قوت يومهم ويوم أسرتهم الصغيرة التى تركوها فى قريتهم ببنى سويف.
2 مليون طفل عامل
"حسن وهند وعطية ومُسعد وعادل وإبراهيم" ليسوا سوى مجرد حكاوى متناثرة فى شوارع القاهرة، فطبقًا لإحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء هناك أكثر من 3 ملايين حكاية لأطفال تتراوح أعمارهم من 5 إلى 17 سنة يضطرون للعمل بحثا عن "لقمة عيش"، وقالت الإحصاءات إن 87.4٪ من هؤلاء الأطفال يمنحون أجورهم لأولياء أمورهم، وأن نسبة الإناث تصل إلى 21٪، فى حين ترتفع نسبة الذكور إلى 79٪.
كما أكدت الإحصاءات أن 40% من الأطفال العاملين لم يلتحقوا بالتعليم بسبب ارتفاع نفقاته، وعدم كفاية دخل الأسرة لتحمل نفقات التعليم، وأن 40.9% من الأطفال العاملين توقفوا بعض الوقت عن المدرسة والعمل بسبب تأثير إصابات العمل، مقابل 2.4% توقفوا تمامًا عن العمل والمدرسة، كما كشفت عن وجود 26.4% من الأطفال الفقراء، بينما تبلغ نسبة الأطفال الفقراء المحرومين من المأوى 13.5% و7% من الصرف الصحي، و3.6% من المياه النقية، و11.8% من الغذاء، و4.9 % من التعليم.
ورغم أن هناك 17 اتفاقية دولية من 183 اتفاقية لمنظمة العمل الدولية تحد من عمل الأطفال، إلا أننا فى مصر لا نعترف بتلك الاتفاقات على أرض الواقع، خاصة أن الجميع يعلم جيدًا أن 90 % من الأطفال الذين يعملون فى مصر، لأسباب تتعلق بالفقر وضيق اليد.
فى البداية، أكد هانى هلال، رئيس مركز حقوق الطفل المصري، أن السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة تعتبر أخطر الأسباب التى بسببها تتفاقم ظاهرة عمالة الأطفال، وأن الدولة لا تراعى العدالة الاجتماعية، وبالتالى تزيد معدلات الفقر بشكل مستمر، مما يجعل الأسر تلجأ إلى دفع أطفالها للعمل، بالإضافة إلى سوء العملية التعليمية التى تدفع الكثير منهم للتسرب، مبينًا أن الجدوى التعليمية فى مصر جعلت الكثير من أولياء الأمور يفقدون الثقة فى التعليم، ويرون أن تعليم أولادهم لأى صنعة أفضل من تخرجهم من الجامعات ثم يجلسون على المقاهى لعدم توفر وظائف.
وأوضح هلال أن أغلب الأعمال التى يضطر الأطفال للجوء إليها مجرمة دوليًا وفقا للاتفاقية 182 لمنظمة العمل الدولية التى وقعت عليها مصر، وأن جميع الأعمال التى يعمل بها الأطفال غير آمنة، مشيرًا إلى أنه من قطاع الزراعة إلى جمع القمامة إلى الخدمة فى المنازل إلى الورش إلى سيارات "التوك توك"، جميعها أعمال خطرة على صحة الطفل ولا يوجد أى قانون أو تشريع يمكن أن يحميه أو يمنحه حقه.
وأشار هلال إلى أن عمل الأطفال يؤثر بشكل كبير على المجتمعات، وأن الطفل العامل عادة ما ينضم إلى أصحاب السوء ويتعلم شرب السجائر والمخدرات، مؤكدًا أن كل التقارير التى قام بها مركز حقوق الطفل تؤكد أن الجدوى الاقتصادية من عمل الأطفال ليست فى مصلحة مصر، فرغم أن عمالة الأطفال تدخل 30% من دخل الأسرة، إلا أن الدراسات تؤكد أنها تزيد من الأعباء الصحية للطفل، وتقلل من نموه ومن عمره.
وأكد هلال أن التشريعات الموجودة فى مصر كافية لحماية الطفل بشهادة الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الطفل، إلا أن المشكلة أن قانون الطفل الصادر سنة 2008 مازال حبيس الأدراج، مبينًا أن القانون أعد له اللائحة سنة 2010، ولكن قيام الثورة لم يتح للقانون فرصة للخروج إلى النور، مطالبًا فى الوقت نفسه بضرورة أن تعيد الحكومة النظر فى أولويات أجندتها، وأن الملف الأمنى يتضمن ملف الطفل، خاصة أن ظاهرة الأطفال لم تعد قنبلة موقوته وإنما أصبحت قنبلة متفجرة فى المجتمع، كما طالب أيضًا الحكومة بضرورة تفعيل التشريعات الخاصة بقانون الطفل.
على الجانب الآخر، أكدت منى صادق، مدير مركز الطفل العامل والباحثة بالمركز القومى للبحوث التربوية، أن ظاهرة عمالة الأطفال ليست وليدة اللحظة وإنما بدأت تظهر فى منتصف السبعينيات، مبينة أن عمالة الأطفال تقدر بثلث الشريحة العمرية فى التعليم الأساسي، والتى تقدر بعشرين مليون طفل، أى حوالى 6 ملايين طفل، موضحًا أن عمالة الأطفال تتركز من سن 12 وحتى 18 سنة، وإن كان هذا لا يمنع وجود أطفال تعمل فى سن ثمانى سنوات.
وقالت "صادق" إن ظاهرة عمالة الأطفال تشبه "الداء المزمن" الذى يظهر مدى سوء النظام المتبع فى الدولة، وأنه لا توجد آليات تعليمية تساهم فى الحد من الظاهرة، وأن المستوى المتردى للتعليم فى مصر من أهم أسباب زيادة عمالة الأطفال، مبينة أن نسبة الأمية فى المرحلة الإعدادية للأطفال العاملين وصلت إلى 40%.
وأضافت "صادق" أن أحد أسباب عمالة الأطفال فى مصر بطالة الآباء، فى حين أن فى الكثير من الدول مثل الهند وباكستان قام العمال بتظاهرات لمنع عمالة الأطفال وسطهم، وقاموا بتعيين الآباء بدلاً من أطفالهم، وأن هذا لا يحدث فى مصر، مؤكدة أن آليات الدفاع عن حقوق الطفل مقيدة ومشلولة فى مصر، وأن أى جمعية حقوقية تعمل فى حقوق الطفل لا يوجد لها أعمال نقابية، وبالتالى لا يمكن عمل نقابات لعمالة الأطفال فإذا حدثت أى إصابة عمل لأحد الأطفال لا يكون له حقوق لأنه غير نقابي.
وأوضحت "صادق" أنه لا يوجد أى بيانات حقيقية لنسبة العمالة أو التسرب من المدارس، فلا توجد مصداقية لأى بيانات يمكن أن تصدر، فمصر لم توقع أى اتفاقيات تلزمها بمصداقية البيانات، مبينة أن قوانين الطفل فى العالم تحرم وتجرم عمل الأطفال فيما عدا الأعمال الخفيفة، وهى التى تصنف بعمل أربع ساعات يوميًا مع تقديم كوب لبن، وأن الكارثة الحقيقية أن مفتشى العمل قوتهم العددية لا تقارن بقوة الورش وأماكن العمل، بالإضافة إلى أن راتب المفتش زهيد ولا يحميهم من فكرة الرشوة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.