يذكرني تشكيل أو تعيين المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمصر مجلس استشارى – غير منتخب وغير واضح المعالم والصلاحيات - للرد على ضغوط التظاهرات الشعبية المطالبة بإنهاء حكمهم وتسليم السلطة لمدنيين منتخبين من طرف الشعب، بما سبق وشهدتة تركيا فى عام 1961 ، عندما شكل قادة الانقلاب العسكري لجنة حملت أسم " لجنة الوحدة الوطنية " التى ضمت الضباط الثمانية والثلاثين الذين نفذوا الانقلاب ،بل أن العسكر تمادوا فى ألاعيبهم بتقنين وضعية تلك اللجنة بين مواد دستور عام 1961 ، بحيث أصبحت تلك اللجنة أعلى سلطة تشريعية فى الجمهورية التركية ،وهو الأمر الذى كان يعنى التعدى والتجاوز العلني من قادة الجيش على إرادة الشعب الممثلة فى المجلس التشريعي المنتخب ،بخلق جهة أو جهات أخرى لا علاقة لها بالارادة الشعبية ،تكون فوق ارادة الشعب وفى وضعية الوصاية عليه. وتقول المصادر التركية إن قادة الانقلاب الذى أطاح بحكومة عدنان مَنّدَرس المنتخبة شعبياً وبأعلى نسبة أصوات فى تاريخ الجمهورية التركية ،قاموا باعدام مَنّدَرَس ووزيرين بحجة الخروج عن مبادىء أتاتورك وتعريض الجمهورية العلمانية للخطر.لم يكتفوا بجريمة قلب الحكومة المنتخبة شعبياً أو قتل رئيس الحكومة ووزيرين معه وتعليق الدستور والقوانين وفرض حالة الطوارىء وغلق ومصادرة ممتلكات الأحزاب السياسية واعتقال مئات المواطنين وتعريضهم لمحاكمات عسكرية ،بل راحوا عبر دستور جديد يرسخ لدى العسكريون فكرة أنهم حماة الجمهورية العلمانية والمحافظين على أفكار وتطبيقات أتاتورك.بل والشىء الأخطر أنهم رأوا فى أنفسهم جهة فوق القانون والمساءلة.وهذه لوضعية الفوقية أعترف بها الفريق إلكر باش بوغ رئيس الأركان الأسبق بقوله : كنا نتصرف وكأننا فوق القانون. كذا حاولوا عبر الجندرمه العسكرية(الشرطة العسكرية) فرض ضغوط وتهديدات وتخويف للناخبين لكى يصوتوا لصالح دستور يريده العسكر ،يقوض التجربة الديمقراطية الوليدة.غير أن الشعب التركي وجّه صفعة لهم برفض نسبة 40% للدستور الجديد ،وفسر المراقبون موقف الشعب آنذاك بأنه نصر جديد لمندرس(المُعدَم) وفعل شعبي مضاد لإنقلاب 27 مايو 1960. كما كانت نتائج الانتخابات التى جرت يوم 15 أكتوبر 1961 قد أوضحت من جديد ، وبجلاء أن الشعب لا يزال يؤيد ويساند الحزب الديمقراطي فى نسختة الجديدة( حزب العدالة) الذى تزعمه سليمان ديميريل. هكذا كانت بعض ألاعيب عسكر تركيا طوال الفترة ما بين 1960 وحتى عام 2008 ، قلب الحكومات المنتخبة وتهديدها وتخويفها وغلق الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية ودور السكن الطلابي والاعتقالات والمحاكمات والتعذيب داخل المعتقلات والسجون.غير أن ثورة الاتصالات الحديثة التى جعلت العالم يشبه قرية صغيرة تعرف ما يدور فى أطرافها لحظة بلحظة والتجارب المريرة التى تعلم منها الشعب بتركيا جعلت حكومة حزب العدالة والتنمية بزعامة طيب أردوغان وشخصيات مخلصة داخل الجيش التركي ، تحبط محاولة عسكرية- مدنية لقلبها ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ساعد الدعم الشعبي الكبير للحكومة فى مضيها قدما نحو القبض على الجنرالات المتورطين والتحقيق معهم وحبسهم على ذمة القضية المشهورة بعنوان " أرجاناكون".ذلك أنه لم يعد هناك أحد فوق القانون والمساءلة. مصرنا العزيز اليوم تعيش حالة من ألاعيب العسكر مشابهة جداً لما حدث بتركيا.تارة تطلق بالونة " الوثيقة فوق الدستورية" تحت عباءة الوزير على السلمي ،وتارة أخرى ببالونة " المجلس الإستشاري" ،ثم القول بعدم وجود سلطة للمجلس المنتخب على الحكومة، وادعاء أن البرلمان لا يمثل كل مصر(!).تعمد التباطؤ فى محاكمة المسؤولين الأمنيين والعسكريين عن قتل الشباب علنا بالشوارع والميادين .فى الحقيقة هى ألاعيب يجس بها العسكر نبض الشارع المصري، هل سيبلع الطعم وتمر ألعوبتة أم لا ؟ إنى أعتقد بأن كل هذه الآلاعيب لن تخيل على شعب مصر الذى عرف طريقه ويتمسك باقامة جمهوريتة الديمقراطية الجديدة.صحيح أن الجيش مؤسسة وطنية فى الدولة المصرية، وصحيح أن أمواله ورجاله من دماء وأحشاء شعب مصر وأن وجوده ولو شكلياً له دور أمني حالياً ،وأن هناك قوى داخلية وخارجية متربصة بشعب مصر ،تريد منعه من اقامة جمهوريتة الحرة والديمقراطية ، كذا هناك من يستغل تظاهرات الشباب بميدان التحرير لتنفيذ أعمال ضمن مسلسل تقويض الثورة بالثورة المضادة ، لكن مجلس عسكري عُين من طرف حسنى الموّكوس ليس من حقه - عبر البالونات والآلاعيب- الوصاية على شعب مصر، بأى حال.لأن الموكوس سقط ظاهرياً بارادة شعبية وذهبت معه قراراتة ومجالسه ،وعصابتة تقاوم الرمق الأخير للبقاء.بينما شعب مصر ينتخب بكل جدية وشفافية ممثليه الحقيقين فى هذه الأيام لكى يشكلون مجلسهم التشريعي الوحيد صاحب السلطة الشعبية .