تعليق الطيران لشرم الشيخ يخيم على الأجواء.. ولندن تراهن على صفقات تسليح واسعة مع القاهرة لم يكن الرئيس عبدالفتاح السيسي يتوقع قبل أن تطأ قدمه أرض مطار هيثرو بالعاصمة البريطانية لندن الأربعاء الماضي أكثر من مظاهرات واحتجاجات من جانب أنصار "الإخوان المسلمين" تزامنًا مع الزيارة، إلا أنه واجه ما هو أسوأ من ذلك بعد أن اتخذت بريطانيا قرارًا مفاجئًا بتعليق الرحلات الجوية إلى شرم الشيخ، مع ترجيحها لفرضية تعرض الطائرة الروسية المنكوبة لتفجير عن طريق زرع قنبلة ماأسفر عن مقتل أكثر من 220من ركابها. وأصدرت الحكومة البريطانية الأربعاء علقت فيه رحلاتها الجوية بين المملكة المتحدةوشرم الشيخ، وأرسلت خبراء طيران بريطانيين إلى الأخيرة، ل"القيام بالترتيبات الضرورية المتعلقة بالأمن"، كإجراء احترازي لحين الحصول على المزيد من التحقيقات، معربة عن قلقها من أن يكون سبب سقوط الطائرة الروسية "قنبلة". وصرح السفير البريطاني لدى القاهرة جون كاسون الجمعة أن طائرتين بريطانيتين ستخليان مواطني المملكة المتحدة من شرم الشيخ، بينما ستبقى أمتعتهم في مصر لبعض أسابيع. وقال أن ركوب الدفعة الأولى من السياح البريطانيين للطائرتين قد بدأ، مضيفًا أن إجلاء المواطنين الآخرين من المدينة السياحية سيتطلب فترة من الوقت. وأصاب الموقف البريطاني النظام بحالة من الغضب المكتوم، وإن تلاشى التعليق على ذلك علنًا، خاصة وأنه يتنافى مع رواية السيسي التي كان قد نفى فيها الادعاءات بوجود عمل تخريبي وراء إسقاط الطائرة الروسية، ووصف ادعاءات "داعش" حول إسقاط الطائرة بأنها "دعاية"، معتبرًا "أن هذه طريقة للإضرار باستقرار وأمن مصر وصورة مصر في الخارج". فيما شكك مراقبون في دوافع موقف بريطانيا، إذ ذهب البعض إلى أنه جاء في إطار الرد الغربي على التقارب المصري مع روسيا، بل والسعي لإشعال أزمة بين البلدين، عبر التأكيد على تعرض الطائرة الروسية لعمل تخريبي، وهو ألقى بظلال من التوتر على زيارة السيسي للندن، ما دفع مراقبين إلى التشكيك في جدواها. وسخر الكاتب البريطاني مايكل دياكون في مقال نشرته صحيفة "جارديان" البريطانية من طريقة تعامل رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، مع ضيفه الرئيس عبدالفتاح السيسي، أثناء استقباله في مقر مجلس الوزراء البريطاني. وقال دياكون إن كاميرون ترك السيسي بعد أن عقدا مباحثات على الغداء قاربت الساعة؛ حيث توجه إلى فندق سافوي في لندن؛ لتسلم جائزة أفضل برلماني في بريطانيا خلال عام 2015. وعقب وصوله إلى الفندق حيث حفل توزيع الجوائز، قال كاميرون ممازحًا عمدة لندن، بوريس جونسون: "آسف لتأخري، لكن بسبب العمل في مشروع مسارات الدراجات، الذي أطلقه السيد بوريس، كان الوصول إلى هنا سريعًا أمرًا مستحيلاً". وبعد تسلمه الجائزة وإلقاء خطاب في الحضور، عاد كاميرون إلى المبنى رقم 10(مقر مجلس الوزراء البريطاني) حيث يتواجد ضيفه المصري. وعلق الكاتب البريطاني على تصرف كاميرون هذا ساخرًا: "بالتأكيد شعر السيسي بالفخر بعد حشره بين مواعيد كاميرون المزدحمة". وخلال المؤتمر الصحفي قال كاميرون ردًا حول موقف الحكومة البريطانية من جماعة الإخوان المسلمين: "نحن نتصرف حيال أي شخص حسب أفعاله، وما إذا كان يتبع القانون أم لا"، مضيفًا: "هناك مراجعة تجرى الآن بشأن الإخوان، وسنعلن عن نتائجها خلال الفترة المقبلة". وتراهن بريطانيا على إبرام صفقات عسكرية تسهم فى إنهاء الركود الذى تشهده صناعتها العسكرية لتوريد مصر طائرات "تورنيدو" وسفن حربية، فضلاً عن الحصول على حصص فى مشروعات التنقيب عن النفط والغاز، وحل المشكلات القائمة بين الدولة وشركة "بريتش بتروليم". فيما لن تستطيع تقديم الكثير للنظام الحاكم في مصر، وذلك لعدم رضا بريطانيا عن خطوات التقارب التى تبناها النظام مع روسيا والصين والهند وسعيه لتكريس أجواء عن عدم الرهان فقط على علاقاته مع الدول الغربية. واعتبر الخبير في معهد بروكينجز الأمريكي، شادي حميد، أن هدف زيارة السيسي إلى بريطانيا هو الحصول على اعتراف دولي بشرعية حكمه. وأشار إلى أن "هناك شيئًا واحدًا يمكن أن يبرر استقبال كاميرون للسيسي وهو رفع ظلم السيسي عن شعبه"، مضيفًا: "لكن السيسي كلما زاد الاعتراف به زاد ظلمه لشعبه". ولم تتوقف قائمة الخسائر عند زيارة الرئيس السيسى لبريطانيا عند هذا الحد، فالرئيس الذى وصف الإخوان بأنهم جزء من الشعب المصري اعتبر البعض كلامه مؤشرًا إيجابيًا على مصالحة محتملة مع الجماعة، الأمر الذي قد تثير غضب حلفاء النظام من أحزاب سياسية يمينية ويسارية ومن لوبي رجال الأعمال، باعتبار تصريحاته تراجعًا عن استراتيجية إقصاء الإسلاميين. وتتخوف دوائر رجال الأعمال من تداعيات عودة جماعة الإخوان وحلفائها الإسلاميين عبر مصالحة مع النظام، رغم أن كثيرًا من المراقبين اعتبروا أن حديثه مجرد خطاب موجه للرأي العام العالمي، لتحسين صورة النظام، وهى لعبة أدراها النظام بذكاء منذ الثالث من يوليو، بوجود ازدواج بين التصريحات الداخلية والخارجية دون أن يعنى هذا أى جدية فى تحقيق هذه المصالحة. وقال الدكتور نادر فرجاني، خبير التنمية البشرية، إن "التلويح بمصالحة مع جماعة الإخوان أصبح طقسًا متكررًا ومعتادًا عشية سفر رأس السلطة لدولة غربية يأمل أن يحصل من حكومتها على تأييد حكمه أو على الأقل التخفيف من حدة اعتراضها على سياساته المثيرة للجدل". وتابع فى تصريحات له، أن "المناورة الأخيرة قبل السفر لبريطانيا كان لها أهمية خاصة نظرًا للوجود القوى تقليديًا لجماعة الإخوان فيها، لذلك كان التلويح بالمصالحة قويًا، لافتا إلى أنه من الضرورى القطع بأن السيسى عندما يتوجه بهذا التلويح بالمصالحة للدول الغربية وفى وسائل إعلامها يسعى لجلب رضا هذه الدول ويعتبرها كعادة أنظمة الحكم السلطوى جميعها مصدر شرعيته، ولا يعير شعبه اهتمامًا فيما يتصل بهذه القضايا المصيرية". وأبدى خبير التنمية البشرية، "تخوفه من تحول المصالحة القادمة إلى جولة جديدة من زواج المصلحة النفعى بين المؤسسة العسكرية والإسلاميين، الذى وإن كان قد انتهى بطلاق غير بائن مع الإخوان مازال قائمًا مع السلفيين". وطالب القوى الثورية جميعًا بأن "ترفض وتعمل ضد أن يقوم، مرة أخرى، تحالف عسكرى دينى يقاوم الثورة الشعبية العظيمة باضطهاد نشطائها من جميع الانتماءات السياسية، ويمنع من نيل غاياتها فى الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والإبقاء على الحكم التسلطى الفاسد، الذى قامت الثورة الشعبية العظيمة لإسقاطه، ولم تفلح حتى الآن". حالة التشكيك فى إمكانية إقدام النظام الحاكم والإخوان على مصالحة وطنية تعيد دمج الإخوان فى المشهد السياسى لا تقتصر على معسكر السيسى وحلفائه، بل تمتد أيضًا لجماعة الإخوان وحلفائها، إذ لايزال هناك تجاه قوي يرى أنه لاحل إلا بعودة الرئيس المعزول محمد مرسى للسلطة، والتمسك بشرعيته ورفض تقديم أي تنازلات في هذا الإطار. غير أن الدكتور أنور عكاشة، القيادى الجهادي، يرى أن المصالحة بين النظام وجماعة الإخوان وحلفائها يبقى الخيار الوحيد المطروح على الطاولة بين الطرفين بعد عجز كليهما عن إلحاق الهزيمة بالآخر وتصاعد الأزمة الاقتصادية، فضلاً عن تعقد المشهدين الإقليمى والدولي. ولم يستبعد أن يكون حديث السيسي عن كون الإخوان جزءًا من الشعب وتصريحاته التي استبعد فيه تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بشأنهم، محاولة لجث نبض الإخوان والدول الحليفة لها، من بينها بريطانيا، للضغط على الجماعة للتجاوب مع عملية المصالحة، باعتبار أن كل ما يجرى فى المشهد السياسى يشير إلى أنها السبيل الوحيد للخروج من المشهد.