جمال سلطان أتفهم تضامن بعض المثقفين المصريين مع النظام السوري في وجه الضغوط الأمريكية ، ولا أشك في أن منطلقها نبيل ، وأنها تمثل إعلانا عن الغضب من عمليات الاستباحة المتكررة من قبل الولاياتالمتحدة للعالم العربي شعوبا ودولا وأنظمة حكم ، ولكن الذي لا أستطيع استيعابه هو صمت هذه النخب المتضامنة مع نظام البعث السوري عن حقوق الشعب السوري نفسه ، الذي عاش ويعيش حالة من التهميش السياسي والقانوني والإنساني أصبحت نادرة في عالم اليوم ، جميل أن نتضامن مع نظام الأسد ، ولكن الأجمل أن نتضامن مع الشعب السوري ، الأفاضل الذين سافروا إلى دمشق بكل تأكيد ينزلون في فنادق الخمسة نجوم ، فهل سألوا هناك عن سكان معتقل تدمر والمسحوقين في أقبية الاستخبارات السورية في صحنايا وكفر سوسه ، هل سألوا عن الآلاف من المفقودين والذين ذهبوا وراء الشمس ولا يعرف أهلهم هل هم أحياء أم في عداد الأموات ، هل نصح هؤلاء الأصدقاء نظام الأسد بأن يعيد الاعتبار والكرامة للشعب السوري ، لقد تحدث الرئيس بشار عن الكرامة الوطنية طويلا أمام البرلمان ، وهو يشير إلى استدعائه للتحقيق من قبل اللجنة الدولية الخاصة بقضية اغتيال الحريري ، وهو بكل تأكيد يتحدث عن الكرامة الشخصية له ولنظامه ، وأما الكرامة الوطنية للشعب نفسه فهي مستباحة منذ زمن طويل على يد أسوأ أجهزة القمع والإرهاب التي تضخمت حتى أورثتهم المهالك عندما حاولت تصدير خبراتها إلى دول مجاورة ، هل طالب أحد المتضامنين القيادة السورية بإعلان انتهاء جمهورية الخوف والرعب ودولة المخابرات وميلاد الجمهورية الديمقراطية في سوريا ، هل زار الوفد النبيل بعضا من أسر ضحايا القمع والتعذيب والقتل خارج إطار القانون ، إن كان هناك قانون أصلا ، وسمعوا منهم أو حملوا قضيتهم إلى القيادة السورية ، هل سألوا القيادة السورية عن ضمانات لعودة عشرات الآلاف من أبناء سوريا المهجرين والفارين بحياتهم وحريتهم وأعراضهم في المدن الأوربية والأمريكية ، آلاف من أصحاب المهن الرفيعة والنخب المثقفة والقيادات الدينية والسياسية والثقافية ، فرضت عليها جمهورية الرعب في سوريا هجرة مريرة على مدار ربع قرن الآن أو يزيد ، إن النخب المصرية التي سافرت للتضامن تتظاهر في القاهرة وتعتصم وتصخب بحق لأمور تعتبر شكلية ورمزية إذا قيست بما حدث ويحدث في سوريا ، جميل أن نتضامن مع السيد بشار الأسد ، ولكن أجمل من ذلك أن نتضامن مع المعتقلين والمغيبين والمهمشين ، قبل الضغط الدولي العنيف بأشهر بطش السيد بشار بعدد من خصومه السياسيين بدون رحمة ، وألقى بهم في السجون وفق محاكمات شكلية ، وناشدته المنظمات الحقوقية وشخصيات سياسية محلية ودولية أن يعفو عنهم أو يطلق سراحهم لأن معظمهم يعاني الأمراض وهو يعاند ويرفض ، فقط عندما جاء الضغط الدولي والإهانات غير المسبوقة من لجنة التحقيق واستشعر الخطر أصدر قرارا بالإفراج عنهم ، في رسالة واضحة لأن الشعب لا وزن له ولا قيمة ولا كرامة ، وأن الاعتبار الوحيد الذي يقيم له وزنا هو الخارج وضغوطه ، أيها الأصدقاء : كوني ضد الاستكبار الأمريكي لا يعني أبدا لا أخلاقيا ولا منطقيا أن أكون داعما للقمع والاستبداد والديكتاتورية واستباحة الشعوب المغلوبة على أمرها ، ولن يكون لموقفنا أي مصداقية ما لم يكن مصحوبا بتضامن موازي مع حق الشعب السوري في الحرية والكرامة والمشاركة والعيش بأمان في وطنه ، وقتها فقط يصدقنا الناس ، ويحترمنا العالم . [email protected]