مشكلة "أردوغان" مع "السيسى" ليست مشكلة الإخوان فى مصر.. ويبدو أنه لم تتضح صورة المشكلة بعد، بسبب الشوشرة والأصوات الزاعقة، والعصبية والتوتر المهيمنين على الخطاب الإعلامى المصرى. ف"السيسي" و"أردوغان"، كلاهما يعتبر مشكلة وعبئًا على الآخر.. ولا يمكن بحال أن يرتاح أحدهما للآخر.. فهما يمثلان مشروعين متناقضين، وكل منهما يعتبر كابوسًا مفزعًا لنظيره.. ولن يجتمعا يومًا ما على طاولة واحدة. "أردوغان" يعتبر النموذج الذى يقدمه الرئيس "السيسى" فى مصر، يهدد التجربة الديمقراطية فى تركيا.. الأول يعتبر 3 يوليو "انقلابًا عسكريًا".. والمشكلة بالنسبة ل أردوغان ليست فيما يعتبره "انقلابا" بحد ذاته، وإنما فى رد الفعل الدولى إزاء الإجراءات العسكرية التى اتخذت ضد أول رئيس مدني منتخب فى مصر. والمفزع للرئيس التركى، أن يتجه العالم إلى "تطبيع" علاقاته مع نظام حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي ، لأن ذلك يعتبر من وجهة نظر أردوغان قبولاً دوليًا بعودة "الانقلابات العسكرية" على السلطات المدنية المنتخبة.. فيما تبقى تركيا حديثة عهد بالحكم المدنى الديمقراطي، ولم يطمئن "أردوغان الإسلامي" بعد أو يثق فى نوايا جنرالات الجيش، فربما تشجعهم "تجربة السيسى" فى مصر، وشرعنته دوليًا، بحسب مخاوف أردوغان على العودة مجددًا للاستيلاء على السلطة، متوقعين "تراخى" المجتمع الدولى وتسامحه مع "الانقلابيين" الأتراك، خاصة أن ثمة قواسم مشتركة بين مصر وتركيا فى علاقة المؤسسة العسكرية مع الإسلاميين والتى ورثت ميراثًا ثقيلاً من الهواجس وعدم الثقة، وعلاقات "ثأر" مطمورة فى الوعى العسكرى من جهة والإسلامى من جهة أخرى. من جهة أخرى، فإن "أردوغان" يعتبر أيضًا "كابوسًا" مفزعًا للرئيس "السيسى"، لأن الأول سيذكر الثانى باستمرار بأزمة النخبة المدنية مع المؤسسة العسكرية.. بمعنى أن نجاح "أردوغان" فى إعادة الجيش التركى إلى ثكناته وخضوعه لرقابة السلطة المدنية المنتخبة.. سيظل "نموذجًا" حاضرًا ومؤججًا للنقاش العام بشأن علاقة الجيش بالسياسية فى مصر، وما يترتب عليها من متاعب كبيرة، ومشقة أكبر للسيسى فى محاولاته إقناع العالم بأنه يمثل الشعب ولا يمثل مؤسسات القوة وأجهزتها الأمنية فى السلطة. هذه هى جوهر الأزمة "التركية المصرية".. وهى أزمة كبيرة ومفصلية، تتعلق بمستقبل وجود "أردوغان" و"السيسى" فى الحكم، إذ يعتبر كل واحد منهما الآخر خطرًا يتهدد مستقبله السياسى، ويهدد أيضًا "شكل الحكم" الذى ارتضاه كل منهما لبلده. · نشر في "المصريون" يوم 26/9/2014
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.