قلت يوم 27/9/2014، إن جوهر الأزمة "المصرية التركية"، ترجع إلى تناقض النسختين المصرية بطبعتها "السيساوية" والتركية في تفاصيلها "الأردوغانية". فالسيسي يمثل نموذجًا يؤرق أردوغان: (عودة الجيش إلى السلطة).. وأردوغان يفزع السيسي: (عودة الجيش إلى ثكناته وإخضاعه لولاية الحكومة المدنية المنتخبة). ومع ذلك فإنه ليس ثمة مبررات لهذا الصدام الكبير بين الدولتين، ف"أردوغان" ليس مسئولا عما يعتقده "انقلابًا عسكريًا" في مصر.. و"السيسي" لن يكون مسئولا حال أطاح الجيش بحكومة أردوغان في تركيا. بل إني أعتقد أن النموذج التركي هو الذي يمثل خطرًا حقيقيًا، على ما استقرت عليه العلاقة بين المؤسستين العسكرية والرئاسية في مصر، منذ ثورة 23 يوليو 1952.. أكثر مما يمثله النموذج المصري بعد 3 يوليو 2013 من تهديد ل"الدولة المدنية" في تركيا. فتركيا حسمت خياراتها لصالح الديمقراطية ومدنية الدولة، فهي اجتازت اختبار نفوذ الجيش وعافيته السياسية، بنجاح مدهش، حين قضت محكمة تركية يوم 5/8/2013 بالسجن مدى الحياة على رئيس الأركان التركي السابق "إيلر باشبوغ" وضباط آخرين بعد إدانتهم بالسعي للإطاحة بحكومة "أردوغان"، وكان من ضمن المتهمين في ما يسمى شبكة "أرغينيكون" القائد السابق للفرقة الأولى في الجيش "هورسيت طولون" الذي أدين مع آخرين "بمحاولة قلب النظام الدستوري بالقوة".. فضلا عن أن تركيا تجاوزت نسبيًا الفرز الأيديولوجي في تسمية الرئيس أو رئيس الوزراء، حيث بات الناخبون أكثر بحثًا عن الحكومة التي ستحل مشاكلهم، وآية ذلك، أن "أردوغان" الإسلامي، لم يفز بأصوات الإسلاميين وحسب، ولكن بأصوات القوى والتيارات العلمانية أيضًا.. بل إن جمعية رجال الأعمال الأتراك، والتي تمثل مركز ثقل المال العلماني، وأداة الأتاتوركية القديمة والمتطرفة، أدلى بأصواته لصالح "أردوغان" الإسلامي، لما حققه من نهضة اقتصادية، أنعشت جيوب رجال الأعمال الأتراك. فالديمقراطية التركية باتت في حصانة رأي عام قوي، انتصر لمدنية الدولة، وذاق لذة الديمقراطية وثمرة الحكم المدني، حيث تحولت تركيا إلى واحدة من أقوى الاقتصاديات على مستوى العالم.. وبالتالي فإن "قلق" أردوغان من الطريقة التي أطيح بها الرئيس الأسبق محمد مرسي، مبالغ فيه، ولا تمثل كما يعتقد أردوغان مصدر إلهام لجنرالات تركيا. على العكس فإن النموذج التركي هو الذي يمثل عبئًا كبيرًا على "السيسي"، ففي حين تجاوزت تركيا جدل العلاقة بين الجيش والسلطة، فإن هذا الجدل، لا يزال متوهجًا في النقاش العام في مصر، وما انفك سؤال: لماذا نجح "أردوغان" وفشل "مرسي" فيما يتعلق بهذا الملف تحديدًا، يشغل الفضاء السياسي المصري، في شقه الإسلامي الحركي.. ما يجعل "أردوغان" مصدر طاقة متجدد لهذا الجدل في مصر.. ومع ذلك نلحظ تعاطي مؤسسة الرئاسة في مصر مع الملف التركي بهدوء يحسب لها، وذلك إذا نحينا جانبًا الإعلام المصري الزاعق وعدم مهنيته.. وللحديث بقية لاحقا إن شاء الله تعالى. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.