من يتابع تداعيات انتخابات مجلس الشعب المصرى ، وبخاصة عبر نتائج الجولة الأولى وكذلك الجولة الثانية ، يلمس بوضوح حاجة المجتمع المصرى عامة إلى تعلم أدب الاختلاف، وكذلك حاجة الأغلبية ممن أطلق عليهم البعض لقب "النخب السياسية والإعلامية " إلى أن تتعلم بشكل تطبيقى ممارسة أدب الاختلاف دون تجريح أو تشويه أو إساءة. إن ما نشاهده فى كثير من وسائل الإعلام الرسمية والخاصة ، والتى لم يعد أمامها إلا التجريح والتشويه والتخوين عقب إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية فى جولتيها الأولى والثانية ،معلنة عن تقدم الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية ، وما نتج عنه ومازال من احتقان على المستوى المجتمعى ، وما ترتب على ذلك من ممارسات دفعت البعض إلى استخدام العنف الممنهج، والخروج عن أخلاقيات التظاهر السلمى الذى عهدناه من الثوار ، وما نتج عنه من تداعيات قد تؤدى فى حال استمرارها إلى تهديد الثورة ، بل قد يصل الأمر إلى الانقضاض عليها بشكل كامل . ومما يزيد المشهد غرابة ، أنه فى الوقت الذى تتعالى فيه الصيحات بضرورة ممارسة العمل الديمقراطى من قبل الشعب ، عبر أداء دوره فى اختيار من يرى أنه يصلح لتمثيله فى البرلمان ، نرى نفس الأصوات تنكر خيار الشعب ، بل تتهمه بالجهل وعدم الوعى ، وأنه لا يحسن الاختيار ، بل يحتاج إلى من يختار له . لقد طرحت السؤال التالى عبر صفحتى على "الفيس بوك" ، وذلك ضمن استطلاع رأى الأصدقاء : هل ترى أن المجتمع المصرى فى حاجة إلى أن يتعلم أدب الاختلاف ؟ ولقد جاءت الاستجابات ب "نعم" وهذا ما توقعته ، وذلك لأنى أكاد أجزم أن الغالبية العظمى من أبناء المجتمع المصرى ، تشعر بغصة نتيجة هذا الصدام والتناحر ، الذى تم تسويقه عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة ، والتى ظهر فى خطابها استنكارا لخيار الشعب المصرى فى المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب ، وهذا ما أظهرته دراسة علمية وبالأرقام من خلال فريق عمل من الباحثين بجامعة القاهرة ، والذى تناول بالبحث تحليل مضمون الخطاب الإعلامى من قبل القنوات الفضائية الخاصة ، وكذلك القنوات الرسمية ، حيث ظهر وبوضح الهجوم الممنهج ضد الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية . ونود أن نشير إلى أن غياب أدب الحوار ، وغياب التربية على أدب الاختلاف ، وعدم وجود تلك المفاهيم على أرض الواقع فى المجتمع المصرى ، بل غيابها داخل الأسرة ، وداخل المؤسسات التعليمية والدعوية والإعلامية ، على مدار عقود عدة مثلت عمر نظام حكم الفرد فى مصر ، والذى رسخ لثقافة الأنا ، وأكد فى ممارساته السياسية على تهميش وإقصاء لغة الحوار ، بل وصل به الأمر إلى قتل لغة الاختلاف ، وبالتالى قد نلتمس العذر على المستوى التربوى نتيجة غياب أدب الحوار والاختلاف لدى المجموع العام للمجتمع المصرى ، نتيجة تلك الممارسات غير التربوية من قبل الأسرة والمدرسة والجامعة ، إضافة إلى باقى المؤسسات المجتمعية والتى تم تفريغها من مضمون الخطاب الجمعى ، والذى يؤسس لثقافة الحوار ، ويؤصل لأدب الاختلاف . إن المجتمع المصرى فى حاجة إلى تعلم أدب الاختلاف من خلال الممارسة الفعلية داخل البيئة المجتمعية ، وليس من خلال الأدبيات ، وإذا كان الاختلاف فى دلالته اللغوية يعنى التباين فى الرأى والمغايرة فى الطرح وقد ورد فعل الاختلاف كثيراً فى القرآن الكريم قال تعالى:{ فاختلف الأحزاب من بينهم } (مريم) ،وقال تعالى:{ يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون }(البقرة) وقال تعالى:{ وما اختلفتم فيه من شىء... } (الجاثية). إن تربية الجيل الحالى من الأبناء على أدب الحوار وأدب الاختلاف من خلال ممارسات حقيقية تتم داخل الأسرة وداخل الصف ، وعبر تفعيل النشاط بمفهومه الحقيقى داخل المدرسة والجامعة ، يجب أن يتم وفق رؤية واضحة تتبنى ذلك المشروع الذى يهدف فى مجمله إلى إعادة تربية الجيل لكى يمارس العمل السياسى وفق قناعة مسبقة ووعى حقيقى بالمشهد السياسى على أرض الواقع ، وعلى الإعلام عبر أشكاله المختلفة أن يؤدى دوره نحو ترسيخ أدب الحوار ، وأدب الاختلاف وفق آليات تساهم فى صناعة الوعى دون تشنج أو تعصب أو إملاء لفكر ما على حساب باقى الرؤى والأفكار . وللحديث بقية حول آليات أدب الاختلاف من منظور تربوى . [email protected]