تشتكي زوجات كثيرات - في عصرنا هذا – من إهمال أزواجهن لهن، نظرًا لطول جلوسهم أمام شاشة "الحاسوب"، أو الأجهزة النقالة واللوحية، لتصفح الفيس بوك إما لمتابعة آخر الأخبار والمستجدات على الساحة السياسية، وإما للتحدث مع الأصدقاء، وكتابة تغريدات في المجالات التي لهم دراية عميقة بها للتنفيس عما بداخلهم، ونشر الوعي – لاسيما إذا كان لهم معجبون ومتابعون كُثْر، حيث ترى الكثير منهن أن الفيس بوك هو الزوجة الثانية أو ربما أعلى مكانة منها، لأنه سلب عقول وأوقات أزواجهن وبات يؤثر سلبا على علاقتهم بالآخرين، بل وصار يهدد سلامة الحياة الزوجية، إذ يلازمهم معظم الوقت، ويأبى مغادرتهم، – حتى في غرف النوم!.. فإذا تحدثت إحداهن مع زوجها المولع بالفيس بوك والمدمن عليه، عند تصفحه إياه، لا يعيرها سمعه، ولا يلتفت البتة، وربما طالبها بالابتعاد والصمت التام، حتى وإن كان ما تود قوله في غاية الأهمية وغير قابل للتأجيل، غير مقدر أن إجبارها على الصمت في الوقت الذي تريد فيه الحديث، يعد كبتا وتضييقا عليها، كما يثير غضبها، ويشعل نار غيرتها، وشكها، ويجعلها تزداد شعورا بالوحدة والألم، خصوصا وأنها غالبا ما تكون صامتة معظم ساعات اليوم أثناء وجوده خارج البيت للعمل، وهذا الأمر يعد شكلا من أشكال سوء العشرة، وسوء التقدير لشريكة الحياة التي لم تتزوج لتظل وحيدة صامتة، وإنما تزوجت لتسعد وتأنس بزوجها الذي تود محاورته، والاستماع إليه، لتشعر بالدفء والراحة والأمان العاطفي، ومن ثم يحدث الاكتفاء والاستغناء به عن العالمين..
نعم، من حق الزوج أن يمارس هواياته، ويتواصل مع أصدقائه ومحبيه عبر الفيس بوك أو غير ذلك، وقتما وكيفما شاء، ولكن ينبغي ألا يؤثر ذلك على من هم في رعايته وكنفه، وخاصة الزوجة، حتى لا يظلمها، ويبخسها حقها في أن تشعر بالمودة والرحمة والسكن مع من فضلته على سائر الرجال، وارتضته زوجا لتكمل معه مشوار حياتها..
تجدر الإشارة إلى أن هناك من الأزواج من يهربون من عالمهم الحقيقي الواقعي إلى عالم الفيس بوك الافتراضي للبحث عن أشياء يفتقدونها مع زوجاتهم غير المتوافقات معهم فكريا، لمحدودية ثقافتهن وتعليمهن، أو افتقادهن القدرة على التحاور والنقاش، أو انشغالهن عنهم بأمور البيت والأبناء.. وهؤلاء الأزواج معذورون لارتباطهم بالفيس بوك لتعويضهم عما يفتقدون - على أن يكون ذلك بتقوى وورع وانضباط وعدم إهدار معظم الوقت هباءً، خصوصا وقت الزوجة والأبناء، فلا يهملونهم، أو يتقاعسون عن أداء واجباتهم نحوهم، أو يشعرون زوجاتهم بالنقص والضآلة لأنهن أقل منهم ثقافة، ولا يجدن فتح قنوات الحوار في المجالات التي يهتمون بها..
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة}، التحريم: 6 وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته"، رواه الترمذي.
وقال عليه الصلاة والسلام أيضا: "ما من عبد يسترعيه الله عز وجل على رعية، يموت يوم يموت غاشٍ لرعيته، إلا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة"، رواه البخاري ومسلم.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.