تعد إيران واحدة من الدول الغنية في المنطقة بسبب امتلاكها للثروات النفطية والزراعية والصناعة وغيرها، لكن رغم ما تمتلكه من ثروات فإنَّ شعوبها تعاني من الفقر الذي أخذ يزيد من تفاقم الأزمات الاجتماعية في إيران عاماً بعد عام، فبحسب ما تؤكده المصادر الرسمية فإنَّ دخل إيران الشهري من النفط يزيد على ال5 مليارات دولار ولكن رَغم كل هذه الثروة الهائلة إلاّ أنَّ نظام الملالي لم يستطع طوال العقود الثلاثة الماضية من عمره أن يُحسِّن من مستوى الوضع المعيشي والاجتماعي للمواطن الإيراني وإنَّما الذي جرى هو العكس من ذلك تماماً. فآخر الإحصائيات الرسمية التي نشرتها وكالة أنباء «ايسنا» الطلابية أكدت أنَّ هناك أكثر من عشرة ملايين مواطن إيراني يعيشون تحت خط الفقر، وأنَّ 600 ألف مواطن يدخلون السجن سنوياً. ويأتي هذا فيما نشرت وكالة «فارس» للأنباء دراسة جديدة عن أوضاع الإدمان على المخدرات في إيران، مشيرةً إلى الانخفاض الكبير في أعمار المدمنين، حيث أكدت تلك الدراسة التي أعدَّها المتخصص في الشؤون الاجتماعية بجامعة طهران الدكتور هومان نارنجيها، أنَّ 70% من المدمنين على المخدرات تتراوح أعمارهم ما بين 25-29 عاماً. وأضافت الدراسة أنَّ 66% من المدمنين هم من سكان المدن، وأنَّ 41% من المدمنين متزوجون، وأنَّ من بين كلِّ 193 مدمناً توجد 96 امرأةً مدمنة. أمّا بشأن أرقام حالات الانتحار فقد أظهرت إحصائية أعدّتها ونشرتها منظمة الإدارة والتخطيط الإيرانية في عام 2006، أنَّ عدد المنتحرين في العام 2005 بلغ 5 آلاف و300 شخص، منهم 1841 رجلاً و3459 امرأةً. وأكدت إحصائية لوزارة الصحة أنَّ معدّل عدد المنتحرين يومياً بلغ 14 شخصاً، وأنَّ أعمار أغلب المنتحرين لا تتجاوز 29 عاماً. وما يَزيد من ألم هذه المأساة أنَّه وفي اليوم الثاني عشر من أبريل عام 2006، وهو ذات اليوم الذي أعلن فيه أحمدي نجاد انضمام بلاده إلى النادي النووي، كانت وسائل الإعلام الإيرانية قد نشرت خبراً مؤلماً للغاية يفيد بانتحار عائلة بأكملها في مدينة تبريز عاصمة محافظة أذربيجان، وقد أكد التقرير الذي أعدّته الشرطة أنَّ الفقر المدقع كان السبب وراء إقدام ربّ العائلة على قتل زوجته وأبنائه الستة قبل أن ينتحر. فالأوضاع الاجتماعية المزرية التي تمرّ بها إيران قد خلقت بدورها تآكلاً للوضع الأمني، وهو ما دفع مؤخراً بمجلة ألمانية متخصِّصة في الشؤون الاقتصادية إلى وضع إيران على قائمة الدول غير الصالحة للاستثمار على مدى السنوات الخمس القادمة، وذلك نتيجةً للأحداث الأمنية التي تشهدها الكثير من المناطق الإيرانية، ولعلّ الانفجارات والحرائق التي تتعرّض لها المُنشآت النفطية والصناعية الإيرانية الكبرى بين فترة وأخرى دليل على تخوّف هذه المجلة. إنَّ الأوضاع الحالية في إيران إذا ما قورنت بأوضاع الدول الأشد فقراً في العالم فإنَّنا سوف نجد أنَّ حالة الوضع الإيراني لا تقل سوءاً عمّا هو حاصل في تلك الدول. ومما يزيد من الأسى أنَّ القادة الإيرانيين يتجاهلون كلَّ هذه الأزمات ويصرُّون على تنفيذ سياساتهم الفاشلة التي لم تجلب للشعوب الإيرانية طوال العقود الثلاثة الماضية سوى البؤس والشقاء. ففي الوقت الذي كانت الشعوب الإيرانية تتأمل أن تنتقل البلاد إلى مرحلة جديدة من الاستقرار والانفتاح السياسي والاقتصادي والرفاه الاجتماعي عقب 8 سنوات من الحرب المدمّرة مع العراق، وعقب حملة القمع التي شنها النظام الإيراني على المعارضة في تلك المرحلة، فإنَّنا نجد اليوم أنَّ أجواء الحرب قد عادت من جديد تخيِّم على البلاد، وعادت طبولها تقرع مهدِّدةً بكوارث لا يعلمها إلا الله. إلاّ أنَّه ورغم كل هذا فإنَّ النظام الإيراني يطالعنا بين فترة وأخرى متباهياً بقدراته العسكرية وقدرته على إنتاج اليورانيوم المخصَّب لتصنيع أسلحة الدمار الشامل دون أن يتوقف قادة هذا النظام لحظة واحدة ليسألوا أنفسهم ما إذا كان تضخيم الترسانة العسكرية وإكمال المشروع النووي سيجلب الخبز والحرية للإيرانيين ويحقق المساواة بينهم أم سوف يزيد من مأساتهم؟.