رغم كثرة الشعارات “الصيّاحة” والدعاية الإعلامية الكبيرة التي يروِّجها النظام الإيراني لتلميع صورته في الخارج وإبعاد الأنظار عمّا تشهده إيران من أزمات اجتماعية واقتصادية وقمع وصراع سياسي داخلي وعزلة خارجية، فإنَّ تلك الشعارات والدعايات الإعلاميّة الكذابة لم تستطع أن تمنع بئر الأزمات الإيرانيّة من الانفجار. الإحصائيات التي تنشرها وسائل الإعلام والصحافة الموالية للنظام وتصريحات المسؤولين الإيرانيين حول بعض هذه الأزمات، وحدها تُغني عن اللجوء إلى الإحصائيات والأرقام التي تنشرها المؤسسات والمراكز المستقلة، فعلى سبيل المثال أوردت الصحافة الإيرانيّة خلال الأيام الماضية من الشهر الجاري تصريحات وإحصائيات رسمية عن جوانب من الأزمات الاجتماعية التي تمرّ بها إيران؛ كان من بينها تصريح محمود ذوقي رئيس نيابة المحاكم الثورية والعامة في مدينة مشهد عاصمة إقليم خراسان -المسمّاة بالمدينة المقدسة لضمها مقام علي بن موسى الرضا الإمام الثامن عند الطائفة الشيعيّة-، الذي أعلن قائلاً: “إن الاستيعاب الحقيقي للسجن المركزي في هذه المدينة المقدسة هو 3000 سجين إلاّ أنَّ الرقم الموجود حالياً في هذا السجن هو أضعاف هذا الرقم، علماً أنَّ هذا ليس هو السجن الوحيد في المدينة المقدّسة، إنَّما هناك سجنان آخران في المدينة وهما ما يُعرف بمعسكر “جناران” وسجن “التربية والإصلاح”، ويبلغ مجموع السجناء فيهما 15 ألفاً و995 سجيناً”. وأضاف أنَّ عدد السرقات في المدينة المقدّسة بلغ خلال شهر سبتمبر الماضي 2925 سرقة، ناهيك عن الجرائم الأُخرى التي كان أعلاها الاتجار بالمخدرات. وفي هذا الصدد أيضاً صرَّح رئيس المحاكم في محافظة “لرستان” -جنوب غرب إيران- علي بدري لوكالة أنباء إيسنا قائلاً: “في بداية الثورة كان لدينا 10 آلاف سجين، أمّا اليوم فإنَّ الإحصائيات تُشير إلى وجود 250 ألف سجين، أي بمعدل ارتفاع 25% عمّا كان عليه قبل الثورة، واعتبر المسؤول القضائي المذكور أنَّ “الانحطاط الثقافي، البطالة، الفقر الاقتصادي” من جملة العوامل الرئيسة في ارتفاع نسبة السُجناء في إيران. أمّا التصريح الرسمي الآخر فكان بشأن الإحصائية الحكومية لأعداد المُصابين بمرض اكتساب المناعة “HIV” أو ما يعرف بمرض الإيدز، وجاء هذا التصريح على لسان الدكتور عباس صداقة رئيس مركز معالجة مرض الإيدز الذي أكد لوكالة أنباء “مهر” الحكومية ارتفاع نسبة أعداد النساء الإيرانيّات المُصابات بهذا المرض، على الرغم من عدم كشفه الأرقام الحقيقية لحاملات فيروس الإيدز إلاّ أنَّه أكّد على أنَّ العلاقات الجنسية غير الشرعيّة هي أهم عوامل انتشار الإيدز بين الإيرانيّات. لكن الموضوع الذي كان ملفتاً للنظر أكثر من غيره من بين التصريحات والإحصائيات المتعلِّقة بكلِّ المواضيع التي قُدِّمت مؤخراً عن الأزمات المُختلفة في إيران، كان التقرير الذي نشرته صحيفة “آفتاب” نقلاً عن وزارة التربية والتعليم والذي أكّد على أنَّ أكثر من 7 ملايين و135 ألف طالب مدرسي غير قادرين على مواصلة التعليم ممّا تسبَّب في انخفاض عدد الطلاب في المدارس الإيرانية هذا العام إلى 12 مليوناً و300 ألف طالب، ما يعني أنَّ نسبة 37% من الطلاب تركوا صفوفهم المدرسيّة في الموسم الدراسي 2012-2011 بسبب الفقر. عندما تصدر هذه الإحصائيات عن مسؤولين كبار في السلطة ومراكز ووسائل إعلامية وصحافية حكومية؛ أعتقد أنَّها تُغني للاستشهاد بها كدليلٍ على حقيقة الوضع الإيراني الداخلي وحُجَّةٍ لدمغ ادعاءات وأكاذيب نظام الولي الفقيه الجائر. أمّا ما يتعلق بالأزمات السياسية، داخلية كانت أم خارجية، التي تواجهها إيران، فهناك ما لا يُعدُّ ولا يُحصى، ويكفي أن نُشير على الصعيد الداخلي إلى الصِراع الدائر بين جناح المرشد خامنئي وربيبه المتمرِّد الرئيس أحمدي نجاد، حيث أدّى هذا الصراع لحدِّ الآن إلى الكشف عن الكثير من الجرائم السياسية والسرقات المالية التي ارتكبها كلُّ جناح من هذين الجناحين بحق الشعوب الإيرانية ومازال كلُّ طرف يهدِّد بكشف المزيد من الجرائم التي ارتكبها الطرف الآخر. أمّا على صعيد أزمات السياسة الخارجية فإنَّ الملفات الإيرانيّة الثلاثة التي هي الآن على طاولة مجلس الأمن الدولي والتي تشكِّل أحد أهم أسباب العزلة الإيرانية على الصعيد العالمي وتُنذر في إدخال النظام الإيراني في نفق مُظلم؛ هي ملف حقوق الإنسان، وملف البرنامج النووي، وملف محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن. أعتقد جازماً أنَّ في ما تقدَّم دلالةً كافيةً على أن ما يرفعه قادة النظام الإيراني من شعارات وما يروِّجونه من دعايات إعلامية قد أثبتت بشكل قاطع فشلها ولم تَعد تُؤتي أُكُلَها، لكن مع ذلك يبقى المُصابون بمرض التعصُّب الطائفي الأعمى والجهل السياسي وحدهم من يصرّون على تصديق أكاذيب نظام الولي الفقيه دون أن يسألوا أنفسهم ماذا يمكن أن يُستلهم من نظام كلّ إنجازاته خلال ثلاثة عقود من الحُكم أنَّه رفع نسبة السُجناء من عشرة آلاف إلى ربع مليون سجين، وتسبَّب في حرمان أكثر من سبعة ملايين طالب من مواصلة التعليم، ويخشى أن يكشف عن أعداد النساء الإيرانيّات المُصابات بفيروس مرض الإيدز بسبب كثرة الفساد الأخلاقي، ناهيك عن الأزمات الأخرى التي تعاني منها الشعوب الإيرانية؟. كاتب وباحث من الأحواز