من مضبوطات قضية الفنية العسكرية جاء نص البيان كالتالى – فى حال نجاح اغتيال السادات فى استراحته - : " بسم الله الرحمن الرحيم " قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شئ قدير " .. أيها الشعب الحبيب ، أيتها الأمة المجاهدة الصابرة ، لقد نجحنا والحمد لله صباح اليوم فى السيطرة على الحكم واعتقال جميع المسئولين عن النظام السابق ، بدأ عهد جديد ... " .. الخ . وهو الأسلوب المكرر ونفس الأمنيات التى شغلت التنظيمات منذ اغتيال النقراشى باشا الى اليوم ؛ أن الاغتيال السياسى يسهل الاستيلاء على السلطة وهو نوع من الجهاد فى سبيل الله واستعادة العزة – يربطون العزة بالملك – ومن ثم اقامة حكم الله فى الأرض . قد يعتبر البعض شهادة المفكر الكبير عباس محمود العقاد مجروحة بسبب خلافه السياسى الشهير مع الاخوان ، ولصداقته وقربه من النقراشى والحزب السعدى الذى كان يرأسه . لكن نحن فى مقام من يتعلم من التاريخ ومن التجارب ، والعقاد كقيمة يشغل مكاناً هاماً من تاريخنا الفكرى لا ينبغى تجاوزه بسبب خلاف سياسى أو تشويه شخصى مغرض . نتجاوز التشويه الشخصى الذى تورط فيه الجميع – حتى العقاد نفسه رحمه الله – وما يهمنا هو قيمة الطرح وخلاصة الفكر والرؤية . فى معالجته الفكرية لقضية الاغتيال السياسى كوسيلة تعليقاً على اغتيال النقراشى باشا ، يؤكد العقاد فى جريدة الأساس 2 يناير1949: أن " أصحاب الأديان يؤمنون علي اختلافها بأن الله هو خالق الخلق . وأنه سبحانه وتعالي يفعل ما يشاء ، ويؤمنون جميعاً بأن حق الله ليس فوقه حق ، وأن سلطانه ليس فوقه سلطان ، ومع هذا يؤمنون جميعاً بأن الإله الذي هذه صفته وهذا سلطانه لا يعاقب أحداً بغير حساب ، والإسلام في طليعة الأديان التي برزت فيها هذه العقيدة علي وجه واضح ناصع لا لبس فيه ، ولهذا يسمي يوم القيامة في الإسلام يوم الدين الذي يدان فيه الناس بما يعملون ، ويوم الحساب الذي يسأل فيه كل إنسان عما أتاه من خير وما جناه من شر . وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تصف الله عز وجل في مقام العطاء والإحسان بأنه يرزق بغير حساب ويوفي الأجر بغير حساب ، ولكن ليس فيه آية واحدة تقول للناس إن الله يدين أحداً بغير حساب أو يعاقبه بغير سؤال ، هذا وهو الخالق العليم بما يعمل خلقه ، الغني عن سؤالهم بعلمه ، الذي له قدرة علي جزائهم كما يشاء، وله العدل الذي تنزه عن الشبهات . وإذا نزلنا عن مرتبة الربوبية إلي مرتبة النبوة لم نجد نبياً واحداً أباح لنفسه أو أباح له الدين أن يتصرف في نفس بشرية بغير بينة وشهادة وقضاء ، وأن أدب النبوة مع هذا كله ليوحي إليه بأن يدرأ الحدود بالشبهات. وتأتي بعد مرتبة الأنبياء مرتبة ولاة الأمور ، وليس لأحد منهم بالبداهة أن يجيز لنفسه في محاسبة الناس حقا فوق حق النبي أو حق الإله . وعلي هذه السنة القديمة دام المجتمع الإسلامي في جميع العهود ، من أيام الخلفاء الراشدين إلي أيام الخلافتين الأموية والعباسية إلي هذه الأيام ، وكل ما جاء من الشذوذ عن هذه السنة التي لا يستقيم أمر مجتمع من المجتمعات بغيرها إنما كان من طائفتين خارجتين علي جماعة المسلمين ، وهما طائفة الخوارج وطائفة اليهود والمجوس الذين دخلوا الإسلام ليفسدوه ويهدموا دولته من داخلها " . يختلف العقاد بالطبع مع الاخوان ومع سيد قطب – وهو تلميذ العقاد – وهو خلاف مشهور ، وليس العقاد وحده بل كثير من المفكرين والعلماء ، ودورنا نحن أن نحرر هذا الخلاف ونتواصل مع أطرافه ونعمق النقاش حوله ونوازن بين آراء المختلفين ونختار الأقرب للحقيقة والثوابت والمنطق والصواب . حق الأجيال والشباب – اذا كنا نحترم عقولهم – أن ينفتحوا على مختلف الآراء ويقرأوا لجميع المفكرين والكتاب ، لا أن نجبرهم على فكر أحادى مقابل تشويه الآخرين والانتقاص من قدرهم . وللحديث بقية ان شاء الله عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.