يبدأ صباح "مولير تينكو" و5 من رفاقه بشكل مبكر، حيث يتوجّهون مع نسمات شروق يوم جديد نحو سوق دوالا العاصمة الاقتصادية للكاميرون (ساحل)، لجمع النفايات المنزلية المكوّنة من قشر الموز والذرة، ويصنعون منها فحما تستعمله ربات البيوت في طبخ الطعام.. هو فحم صديق للبيئة ويشكل بديلا عن ذلك المستخرج من الحطب، بما يسهم في الحفاظ على الثروة الغابية. ينبشون النفايات المنزلية، بعناية، بحثا عن الجلود والذرة وقشور الموز وبقايا الخضراوات. ناندو، قال للأناضول مفسّرا اختياره وزملاؤه لهذه النفايات تحديدا، قائلا: "نختارها بعناية لأننا نستخدمها في صنع الفحم الذي تستخدمه ربات البيوت لطهو الطعام". مولير ناندو تينكو البالغ من العمر 26 عاما يعمل منسّقا لمنظمة "كيميت إيكولوجي" غير الحكومية المختصة في إنتاج الفحم الإيكولوجي، انطلاقا من النفايات المنزلية. " نحن ننتج الفحم انطلاقا من نفايات منزلية وليس من الخشب كما هو معتاد"، يتابع الشاب الكاميروني، ف "نحن لا ندمر الأشجار، كما أن الفحم الإيكولوجي يعتبر أقل ضررا بالنسبة للبيئة نظرا لقلّة انبعاثاته من الدخان". عمليا، يجري تصنيع الفحم صديق البيئة على مراحل، انطلاقا من جمع النفايات، ثم تصنيفها حسب الحجم، لتتم بعد ذلك عملية تجفيفها في فرن كهربائي مصنوع بطريقة تقليدية من قبل مهندسي "كيميت إيكولوجي". وبعد التجفيف، تبقى عملية التفحيم غير مكتملة وهي التقنية التي اخترناها لإنتاج هذه المادة الأولية"، يتابع تينكو الحاصل على شهادة جامعية في علم البيئة من جامعة دوالا، مضيفا إنّ "عملية التفحيم تجري بنظام رسكلة الدخان، ويتمثل ذلك في تحويل النفايات المجففة إلى مسحوق أسود يمر عبر آلة للضغط، ليخرج على شكل قالب فحمي أسود جاهز للاستعمال". هذا المشروع بدأ بقكؤة راودت ذهن تينكو في 2011، على إثر دورة تدريبية اجتازها في علم النبات بدوالا، حين أدرك أنّ السكان يقطعون خشب المنغروف ( متواجد على طول نهر ديبامبا غير بعيد عن دوالا) لغاية الطبخ، فكان أن بدأ بالتفكير في حل لهذه المعضلة، متذكرا كيف أن أجداده كانوا يستعملون نفايات الذرة عوض الخشب كمصدر للطاقة، فما كان منه إلا شكّل فريقا صغيرا شرع في العمل على الوصول إلى حل بديل. عضوان من الفريق وهما مهندسان توصّلا إلى تصميم آلة الضغط بالتعاون مع بعض التقنيين المحليين. تينكو أوضح إنّ "هذه الآلة المجهزة بمحرّك إلكتروني بإمكانها ضغط 500 كيلوغرام من النفايات يوميا، وقد تطلّب تصميمها أسبوعان بكلفة إجمالية ناهزت ال 900 ألف فرنك إفريقي (ألف و900 دولار)، غير أنّه بسبب الانقطاعات المتواصلة للتيار الكهربائي، فإن عملية الضغط تجري بشكل يدوي، ما يجعلها مضنية وتتطلب وقتا أطول". وتقدر نسبة الاستهلاك المنزلي للحطب بالكاميرون ب 82.3 %، فيما تبلغ نسبة استعمال فحم الحطب 30.6 %، ونسبة استهلاك الغاز 27 %، وفقا لتقرير أعدته وزارة حماية الطبيعة بالكاميرون عام 2012، جاء فيه أيضا أنّ هذا النوع الجديد من الفحم لا يزال غير مستخدم بكثرة في البلاد. التقرير نفسه كشف أن ارتفاع سعر الغاز يدفع بعض الأسر الكاميرونية إلى استهلاك فحم الحطب الملئ بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون الضار بالبيئة. ويبلغ سعر قارورة الغاز المنزلي سعة 12.5 كيلوغرام، حوالي 6 آلاف فرنك إفريقي (12.61 دولار)، فيما تضطر أسرة مكونة من 4 أفراد إلى اقتناء قارورتي غاز شهريا بما قيمته 12 ألف فرنك إفريقي (25.2 دولار). وفي المقابل، لا يتجاوز سعر الحطب بالنسبة لنفس الفترة أكثر من 3 آلاف فرنك إفريقي (6.3 دولار). ونتيجة لارتفاع استهلاك الحطب، احتلّت "الكاميرون المرتبة 15 عالميا في ترتيب البلدان التي تعاني من ظاهرة إزالة الغابات، بتدمير 400 ألف هكتار ما بين 1990 و2005، من أصل 23.9 مليون هكتار من المجال الغابي، فيما يستغل الجزء الأكبر من الحطب المتوفر، في تلبية حاجيات البلد من الطاقة"، وفقا لأرقام منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة (فاو). وفي سياق متصل، تقول إيفلين موانغي، ربة بيت إلتقتها الأناضول بدوالا، في حديث للأناضول، إن استعمال الفحم الإيكولوجي يلقى ترحابا كبيرا لدى المدافعين عن البيئة، كما أنه "بإمكاني استخدامه حتى داخل المنزل، فلا دخان ينبعث منه ولا يسبب سوادا لأواني الطبخ كما يفعل الفحم المستخرج من الحطب". ويامل القائمون على المشروع في ضوء الصدى الطيب الذي وجدوه لدى الأهالي في التوسع فيه قريبا. مزايا عديدة للفحم صديق البيئة استعرضها الكثير من الكاميرونيين ممن إلتقتهم الأناضول، فهو، علاوة على ما ذكر، يساهم في الحفاظ على نظافة المدينة عبر التقليص من حجم النفايات المنتشرة بالشوارع والأسواق، لا سيما في ظل اختلال عمل مصلحة جمع النفايات بدوالا، أحيانا.