مع مطلع كل صباح، يتدفق الآلاف من التجار القادمين من الغابونوغينيا الإستوائية وإفريقيا الوسطى إلى جانب المحلّيين، إلى حيّ الميناء بدوالا، العاصمة الإقتصادية الكاميرونية، وتحديدا "سانداغا"، أكبر سوق مختصّة في بيع الخضر والفواكه في منطقة وسط إفريقيا.. فرادى ومجموعات إنكبّوا على أكداس الطماطم والجزر وغيرها من المنتجات الطازجة، لإنتقاء ما يروقهم منها لعرضها على زبائنهم في بلدانهم. سوق تسحر العين بما تقدمه من تمازج لألوان الخضر والفواكه، تختلط جميعها مع الأشكال الهندسية للباس ال "كاباس" النسائي للزبائن اللاتي يتدافعن في مدخل السوق في لهفة. "الثلاثاء من كل أسبوع، موعد يوم السوق الكبير الذي يقدم فيه التجار من الغابون و من غينيا الاستوائية ومن إفريقيا الوسطى لاقتناء مشترياتهم في سوق سانداغا، أكبر سوق من نوعها من منطقة وسط إفريقيا"، بحسب "أوسكار كونغ"، كبير تجار السوق، الذي يؤكد على أن باعة السوق يقومون بطلب كميات كبيرة من السلع لارتفاع عدد عملائهم". ويوضح "كونغ" في هذا الشأن إن "االتجار الغابونيين وأولئك القادمون من غينيا الاستوائية يقدمون على اقتناء مشتريات ترتفع قيمتها في بعض الأحيان إلى مئات الملايين من الفرنكات الإفريقية (آلاف الدولارات)"، مضيفا إنه منذ زهاء 3 سنوات لم يعد هؤلاء التجار يتنقلون بأنفسهم إلى السوق، بل صاروا يتلقون السلع التي يطلبونها مقدما، تصلهم إلى حيث هم. ولا يبارح أوسكار بعينه الشاحنات الرابضة أمام مدخل السوق التي تاتي من "دشانغ" و "بانغانغتي" و "بافوسام" و "فومبان" غربي البلاد ومن "بويا" جنوبي غرب الكاميرون مشحونة بالملفوف والكراث والجزر والفلفل والزنجبيل و السبانخ والخيار و الكرفس و غيرها من الخضروات الطازجة. "لويس رافائيل" يهتم من جانبه بإرسال السلع نحو الغابونوغينيا الاستوائية، وهو نشاط يمكنه كما غيره ممن يمارسونه من مداخيل محترمة. ويقول "رافائيل" في نبرة غلب عليها الفخر للأناضول إنه يتعين عليه إرسال 200 صندوق من الطماطم و 100 لفة من الكراث و 20 كيسا من الفلفل و 15 مثلها من الخس و أكثر من 10 كيسا من الجزر، وكميات كبيرة من الخيار والزنجبيل، إلى عملاء. ثم يؤكد على ان قيمة مشترياته ترتفع إلى 50 مليون فرنك إفريقي (83 ألف و 500 دولار) وهو ليس الوحيد الذي يقوم بذلك ممن يجمعون هذه السلع ويرسلونها مساء إلى ميناء دوالا ومنه نحو الغابون و إلى ميناء تيكو (جنوبي غربي غينيا الاستوائية)، فيما يتم إرسال السلع المتجهة نحو إفريقيا الوسطى في شاحنات عبر البر. في المقابل، يلفت "كونغ" إلى أن المبادلات مع إفريقيا الوسطى تراجعت وأن المشترين من هذا البلد صاروا نادري الوجود جراء انعدام الأمن على خط دوالا-غاروا-بولاي (مدينة شرقي الكاميرون،على الحدود مع إفريقيا الوسطى). وإلى جانب التجار الوافدين من إفريقيا الوسطى وغينيا الاستوائية و الغابون، تمتلأ سوق "سانداغا" بعدد كبير من التجار الكاميرونيين المحليين الذين يتزودون بالسلع، ومن بين هؤلاء "ميرلان موكونتشو" الذي يبدي ابتهاجه برقم مبيعات تجاوز 10 ملايين فرنك إفريقي (16 ألف و 700 دولار) أسبوعيا مضيفا أنه "يسهر على تزويد قرى موانكو (سانغا-ماريتيم) والقرى المجاورة لها على شواطئ "يويو" و "ياباسي". ومع مطلع كل صباح يحتشد تجار الجملة وباعة المواد الطازجة بالتفصيل من جميع أسواق "دوالا"، من "ندوغباسي" و "بونابيري" و "ندوكوتي" و "نكولولون" وأحياء أخرى للتزود بالسلع من سوق "سانداغا". "جانيت أوتو"، التي تشتغل كبائعة في سوق "ندوغباسي" (المدخل الشرقي لمدينة دوالا) تقول للاناضول إنها دأبت على التزود بما تحتاجه من السلع في هذه السوق منذ 7 سنوات. ويحرص تجار المكان الذين يشتغل أغلبهم بطريقة غير قانونية على التستر على المرابيح التي يجنونها غير أنهم جميعهم يؤكدون على ان هذا النشاط يمكنهم من ضمان كريم العيش، على غرار "باتيونت"، بائعة شابة تقول للاناضول إنها منذ أن فقدت والديها، انطلقت في بيع الطماطم في سوق دوالا لتلبية احتياجات 5 من أشقائها وشقيقاتها لتمكينهم من مواصلة دراستهم. وتزاول البائعة الشابة هذه المهنة على الرغم من أن حيازتها على شهادة تقني سامي في اختصاص التجارة ولكنها على غرار عدد كبير من الشباب في سنها خيرت العمل في سوق "سانداغا" على الاشتغال في إحدى المكاتب المكيفة التي تقدم "أجورا بائسة"، على حد تعبيرها. ومن ميزات سوق "سانداغا" إنه يضم عددا كبيرا من النساء التاجرات اللاتي يعرفن باسم "بايام سالام"، وهي كلمة مشتقة من لغة ال "بيدغان" المحلية وتعني "البيع والشراء"، نساء شمرن عن سواعد الكد يجهدن انفسهن من اجل إطعام أسرهن..