هل فتحت النخبة الوطنية في مصر رسالة ديموقراطية الياسمين التونسية .. هل قرأوها .. هل استوعبوا فحواها .. وهل فهموا معانيها .. وأدركوا معاني وقيم الرسائل التي تحملها .. اسئلة عديدة غيرها تداعت الى ذهني وعقلي وقلبي وانا اسمع الخبر عبر مذياع السيارة .. وانتفضت منتشيا وانا اسمع الخبر .. وقلت في نفسي هاهي تونس تعلمنا درسا اخر بعد أن لقنتنا ثورة اليمن درسا اشرت اليه في مقال سابق على صفحات " المصريون " انذاك وكان بعنوان " ياثوار .. درس اليوم قادم من صنعاء " .. ولقد تعودت أن اسمع العديد من الاخبار السارة من تونس وعن تونس ..فضلا عن الذكريات الجميلة لعائلتي الصغيرة بها ومعها . تباينت ردود الافعال إزاء قرار لجنة جائزة نوبل للسلام للعام 2015 بمنح جائزتها العالمية للجبهة المدنية المهتمة بالحوار وترسيخ الديموقراطية وهي المعروفة باللجنة الرباعية للحوار الوطني في تونس والتي تكونت من أربع منظمات مدنية هي «الاتحاد العام التونسي للشغل» و«الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية» و«الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين» و«الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان» والتي تشكلت عام 2013 "عندما كانت العملية الديمقراطية تواجه خطر الانهيار نتيجة الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والاغتيالات" التي عصفت بالشقيقة تونس . والاسباب التي اعلنتها اللجنة في أحقية التحالف في الجائزة هي أن منح الجائزة للجنة كان بسبب : "«مساهمتها المهمة والحاسمة في بناء دولة ديمقراطية تعددية في تونس في أعقاب ثورة الياسمين العام 2011». ولعلي هنا أرى أن التحالف التونسي الديموقراطي الذي ضم بعض اطياف المجتمع المدني ، استحق هذه الجائزة وعن جدارة لاكثر من سبب اعددها في الاتي : ان الجائزة لم تكن في معناها الحقيقي تعني اللجنة الرباعية التونسية بذاتها وشخوصها ، ولكن للنخبة التونسية، التي كانت على مستوى المسؤولية الوطنية، وتحولت إلى أداة لبناء ديمقراطية تعددية إن اللجنة التونسية قدمت "مساهمة مصيرية في بناء ديمقراطية تعددية" بعد ثورة عام 2011. أنها أسست مسارًا سياسيًا بديلاً وسلميًا عندما كانت البلاد على شفا حرب أهلية . "لذا كان دورها فعالاً في تمكين تونس خلال بضعة أعوام من إقامة نظام دستوري للحكومة يكفل الحقوق الأساسية لجميع السكان، بغض النظر عن الجنس أو المعتقد السياسي أو المعتقد الديني" أن هذا التحالف الذي تأسس على اساس وطني وديموقراطي بالاساس كان واعيا وعلى درجة عالية من الشعور بالمسؤولية وبالمخاطر التي أحاطت بالثورة التونسية . ان القيمة الحقيقية لهذه الجائزة هي أنها لم تمنح لشخص كعادتها وقد رشح لها هذا العام اكثر من 273 اسما من كافة دول العالم ليس من بينهم مصريا ، وانما منحت للجنة مدنية قوامها اربع تنظيمات مدنية حقيقية ليس من بينها عسكريون او فلول او طابور خامس أو من يعملون ضد ابناء شعبهم . أن اللجنة عملت في وقت شديد الحرج وكان يهدد تونس بالاندفاع في مسار العسكرة أو مسار التمزق الذي شهدته تجارب أخرى في الربيع العربي . هم نجحوا في إنقاذ سفينة وطنهم من الغرق أو التمزق أو الانتكاس عن المسار الديمقراطي ، وحفظوا للربيع العربي هناك مساره نحو التعددية والديمقراطية والسلام الاجتماعي .وقد كوفئوا على الثمن الذي دفعه الشعب التونسي . هم اعادوا صياغة الثورة من جديد بعد انتكاسات ثورات الربيع العربي الاخرى . أنهم وفروا المناخ الذي مكن من "إقامة نظام حكم دستوري يضمن الحقوق الأساسية لجميع السكان بدون شروط تتصل بالجنس والأفكار السياسية والمعتقد الديني" ولاشك في أن ماحدث في تونس والدور الوطني الهام الذي لعبه التحالف ومعه كافة اطياف النخب السياسية والاجتماعية المدنية في تونس كان أداء فارقا في تحقيق الاستقرار والسلم المجتمعي وهذا بالضبط هو عكس ماقامت به النخبة المصرية التي كانت " غير ذلك " .. والتي عجزت عن أن تتحول إلى أداة بناء.. وباتت تصرفاتها وأداؤها كاريكاتوريًا لا يبعث على الاحترام، وإنما على الضحك وإطلاق النكات. وهذا بالضبط ما قالته رئيسة لجنة نوبل "كاسي كولمان فايف" ان هذه الجائزة التي جاءت تتويجا لجهود المخلصين من ابناء تونس الشقيقة ، تترك الكثير من المعاني التي لا تخفى على احد والتي ياتي في مقدمها ان هذا التكريم والتتويج ليس نهاية المطاف ، بل على العكس هو يعني ان المسؤولية عظيمة ، وعلى الا تتوقف مسيرة العمل الديموقراطي الذي اساسه التعددية واحترام الاخر ، وان العمل السياسي في اي مجتمع هو مسؤولية الجميع دون اقصاء او استقطاب ودون طائفية او فئوية ايضا . وفي ذات الوقت كان تعبيرا عن اعلاء شأن الوطن وتراجع الطائفية والحزبية والعقائدية والأدلجة والعشائرية التي اتسم بها اداء بعض النخب في اكثر من بلد عربي . فالتغيير السلمي في تونس - التي كانت في ذلك الوقت ممزقة سياسيا - اراه عملا سياسيا مدهشا. تمنيت أن تنتشر عدواه ليعم المنطقة بأسرها . وباعتقادي ان الاعلان عن منح هذه الجائزة الدولية الرفيعة رسالة موجهة الى اقطار اخرى والى شعوب اخرى والى نخب أخرى بالتزام الخط الديموقراطي حتى يتحقق الاستقرار والسلم الاجتماعي وتتحقق التنمية والازدهار لشعوب المنطقة التي هي أحوج ماتكون الى مثل هكذا مبادرات . وهنا يتحتم علينا القول بان منح هذه الجائزة لايعني توقف العمل الديموقراطي ، بل اراه دعوة الى مواجهة مايستجد من تحديات مستقبلية ، املا ان يجني التونسيون ثمار هذا الجهد الوطني المخلص الذي كان عملا وطنيا بامتياز توارت خلفه كل المطالب والطموحات الحزبية والفئوية والطائفية ايضا .. ولعل اسماع وانظار وعقول النخب العربية الاخرى تكون جاهزة لاستقبال هذه الرسائل .. فهل تملك هذه النخب " اذانا صاغية ، وقلوبا واعية ، ونفوسا مخلصة .. انا شخصيا اتمنى ان يحدث ذلك في اقرب فرصة .. وانا لمنتظرون . وعلى الله قصد السبيل .