يصدر غدا الأربعاء كتاب "عملية قيصر في قلب آلة الموت السورية" الذي يسرد شهادة المصوّر في جهاز الشرطة العسكرية للنظام السوري، الذي نشر آلاف الصور عن ضحايا التعذيب على يد ميليشيات الأسد. شهادة "قيصر" الذي تمكّن من الهرب إلى الخارج في العام 2013، اعتبرها القضاء الفرنسي أخيراً أدلّة لمحاكمة بشار الأسد بتهمة ارتكاب جرائم حرب. المهنة: مصور جثث اسمي قيصر. كنت أعمل لدى النظام السوري. كنت مصوراً في الشرطة العسكرية في دمشق. سوف أخبركم عن عملي قبل الثورة، وخلال العامين الأولين منها. لكن لا يمكنني تفسير كل الأمور لأني أخاف أن يتعرف النظام علي من خلال المعلومات التي سأفصح عنها. أنا لاجئ في أوروبا.. أخاف أن يجدوني ويتخلصوا مني، أو ينالوا من عائلتي.
في الفصل الثاني من كتاب "عملية قيصر" في قلب آلة القتل الخاصة بالنظام السوري، يروي المصوّر المنشق عن جهاز الشرطة العسكرية في النظام السوري، "قيصر"، طبيعة مهنته كمصوّر جثث، والتحولات التي طرأت عليها بعد اندلاع الثورة، ربيع عام 2011.
قبل الثورة، كنت مسؤولاً عن تصوير الجرائم والحوادث التي يتورط فيها عسكريون. يشمل ذلك عمليات انتحار، وغرق، وحوادث سير وحرائق. كنا، أنا والمصورون الآخرون، نذهب إلى أمكنة الحوادث ونصوّر المنطقة والضحايا. هناك كان القاضي أو المحقق يقولان لنا: "صوّر هذا الشخص... صوّر ذلك الأمر".
في أحد الأيام أخبرني زميل لي عن ضرورة تصوير جثث مدنيين. كان قد عاد للتو من تصوير جثث متظاهرين من محافظة درعا: كنا في الأسابيع الأولى للثورة في شهر مارس أو إبريل 2011. أخبرني وهو يبكي: (لقد أهان الجنود الجثث، وقاموا بدوسهم بأحذيتهم. لم يرغب زميلي أن يعود، فهو كان خائفاً. حين اضطررت للذهاب، رأيت الأمور بنفسي. قال الضباط إنّ هؤلاء هم إرهابيون، لكنّهم كانوا ببساطة متظاهرين. كانت الجثث مصفوفة في مشرحة مستشفى تشرين العسكري، وهو غير بعيد عن المركز الرئيسي للشرطة العسكرية. في البداية، كان يوضع الاسم على كل جثة. بعد بعض الوقت، أي حوالى بضعة أسابيع أو شهر، لم يعد للجثث أي أسماء، فقط أرقام. في مشرحة مستشفى تشرين قام جندي بإخراجهم من البرادات، ووضعهم على الأرض كي نتمكن من تصويرهم ومن ثم أعاد الجثث إلى البرادات. كنتُ أجد نفسي مضطراً للتوقف وأخذ استراحة كي لا أبكي. أذهب لغسل وجهي. في البيت لم أكن بوضع جيد أيضاً. لقد تغيّرت. كنت ذا طبع هادئ، وأصبحت سريع الانفعال، مع أهلي، وأخواتي. في الواقع، كنت مرعوباً، وأشاهد في رأسي كل ما رأيته خلال النهار. كنت أتخيل إخوتي وأخواتي وقد أصبحوا من تلك الجثث. جعلني كل ذلك مريضاً. لم أعد أحتمل كل ما يحصل، وقررت حينها الحديث مع سامي، وهو صديق يعيش في المنطقة نفسها. كان قيصر يرغب بالتوقف عن العمل والانشقاق. سمع سامي حججه، وأقنعه بالاستمرار لأنه الوحيد الذي يستطيع جمع الأدلة من داخل النظام. وعده بالوقوف إلى جانبه مهما حصل. خلال عامين ورغم خطورة ذلك على حياته، سيقوم قيصر بنسخ ملايين الصور الخاصة بالمعتقلين والتي يمكن مشاهدتها اليوم في متحف الهولوكوست في واشنطن وعلى مواقع الانترنت. سيسانده سامي يوماً بيوم خلال عامين. وهو يستمر اليوم، في العام 2015، في مساندته في مكان ما حيث يعيش في أوروبا.