رنّ جوالى فى مثل هذا اليوم من الأسبوع الماضى برقم غريب، تردّدت فى الردّ؛ إذ إننى عادة لا أجيب على الأرقام الغريبة التى لا أعرف مصدرها، بيد أنّ فضولاً اجتاحنى أن أكبس على زرّ الإجابة؛ لأفاجأ بصوت سعودى صميم لشاب فى منتصف العشرينيات، ميّزت من وهلتى بأنه من القصيم. وبكل أدب جمّ؛ رجانى أن أتصل عليه بعد أن تأكّد من أننى الشخص الذى طلبه بالاسم، وأخبرنى بأنه يهاتفنى من سجن فى العراق،وبأنه أحد المعتقلين السعوديين هناك. تريّثت، وأطرقت إطراقة طويلة وأنا أتعجّب عن الكيفية التى حصل بها على رقم جوالى، وكيف عرف اسمى، وهو معتقل بأحد سجون العراق القصيّة فى كردستان، وانتهبتنى الظنون -ونحن نعيش زمن الإرهاب والإرهابيين- من أن أتوّرط فى قضية من هذا الصنف،وأقع فريسة حسن ظنّ ساذج، بيد أنّ صوت الابن بندر اليحيى-عرفت اسمه لاحقاً- كان صوتاً لشاب مكروب، ذاق المرارة والخذلان والألم فعلاً، توسّم فى كاتب السطور أن ينجده من محنته، وأخذتنى والله حميّة تلقائية، ووطنية استعرّت فى داخلى، فاتصلت به، وقلت: ما قصتك، وكيف حصلت على جوالي، وجئتنى دون العالمين من البشر؟. بصوته المسكون بالألم والندم، قال لى بأنه أحد الشباب الذين هبّوا لتلبية نداء طرد الغازى فى العراق إبّان الاحتلال الأمريكى -فى عهد القمىء بريمر أو تذكرونه!!-واعتقل هناك، ومُذ ذاك وهو فى السجون العراقية، يتفنّن جلادوه فى تعذيبه الجسدى والنفسى، ويسمعوه أقذع الشتائم فى حقّ وطنه وأهله، وأنهم استعرّوا عليهم وقت ما دخلت قوات (درع الجزيرة) البحرين، ينتقمون منهم لأنهم سعوديون، بالرغم من أنه أفضل حالاً من زملائه الآخرين فى السجون الأخرى، إذ السجن الذى هو فيه بكردستان العراق،ومعظم سجّانيه سنّة، بهم بعض الرحمة والتعاطف، ولذلك كان اتصاله بي، وقد أخذ رقمى من أخيه، بعدما بحث عني؛ لمتابعته وزملائه فى ذاك السجن برنامجى الفضائى فى قناة(دليل)، بينما بقية المساجين السعوديين –يربون على ال170 سجيناً- الموزّعين فى سجون العراق المختلفة يلاقون الأمرّين، سيما أولئك الذين يرميهم حظهم الأسود لسجّانين شيعة، يمارسون عليهم التمييز والحقد الطائفى. شبابنا هؤلاء يواجهون مصيرًا قاتلاً وأحوالاً هائلة ومروّعة، فهم يهددون بالاغتصاب -إن لم يفعلوها بهم- وهم يواجهون بالتعذيب والتجويع والتنكيل، ومنهم من هو فى سجون مقتدى الصدر -تعلمون جيدًا ما يعنى هذا- ومنهم من هو فى سجون الأكراد فى أحوال سيئة بل أسوأ من السيئ، يتوزعون على سجون عدة، مثل «بادوش»، و «بوكا» و«أم قصر» و«البلديات» و«طارق» و«الأعظمية» و«الصوفجي» و«الشعبة الخامسة» و«الحلة المركزي» و«كيوتا» فى السليمانية، إضافة إلى سجون سرّية أخرى مقامة ضمن الثكنات العسكرية الأمريكية فى أنحاء العراق، ومنهم من كان فى سجن «أبو غريب» سيئ الذكر، مغيبّين ولا أحد يعلم حالهم سوى الله، حتى المنظمات الحقوقية العالمية تمّ رفض طلباتهم بمطالعة أحوال هؤلاء الشباب دون الآخرين ولا أعلم لماذا؟،وبحسب تقرير لجمعية الحقوق المدنية والسياسية فى السعودية، ذكروا أنّ هناك قرابة الأربعين معتقلاً سعودياً فى سجن «سوسا» فى مدينة السليمانية، بكردستان العراق، حيث يتم حشر قرابة خمسين معتقلاً من جنسيات مختلفة فى غرفة ضيقة، لا تتجاوز أبعادها بضعة أمتار مربعة، فلا يستطيعون النوم أو الجلوس، ناهيك عن الحركة وقضاء الحاجة، وتنتشر بينهم الأمراض الخطيرة والمعدية علينا أن نساهم يا أحبة فى إيقاف لوعات ودموع أمهاتهم، وليتصوّر كل منا أنّ بندراً هذا هو ابنه،كيف سيكون حاله؟!، بل كيف ينام، وفلذة كبده فى مكان سحيق بسجن مظلم!، ولعلى أوجّه هنا نداء لكل الحقوقيين السعوديين الذين أمطرونا بالبيانات عن المعتقلين عندنا؛ بأنّ هؤلاء أولى بدعمكم وإنسانيتكم أيضاً، وأتوسّم فى كل أولئك الناشطين الذين جلبوا منظمات (حقوق الإنسان) على بلادنا؛ أن تأخذهم حميّة لأبنائنا هؤلاء، وليبادروا بتوجيه تلك المنظمات إلى العراق لاستنقاذ أبنائنا، غير ناسى الناشطات اللواتى قمن بالمطالبات التترى لقيادة المرأة السعودية للسيارة، أن يوجّهن بعض اهتمامهن ويخاطبن المنظمات الإنسانية اللواتى تعاطفن معهن إلى أبنائنا هؤلاء فى سجون العراق، [email protected]