بينما تتجه أنظار الكثيرين إلى نتيجة الانتخابات الفلسطينية المقبلة يتطلع قليلون إلى الإجابة عن سؤال من يمول الانتخابات الفلسطينية؟ ثمة من يعتقد أن هنالك دعم أمريكي للتمويل ورفض إسرائيلي في المقابل، وثمة من يفترض أيضا أن الدعم الأمريكي، يكاد ينحصر في إطار حركة فتح ومؤسسات السلطة بينما تتكفل بعض دول أوروبا بدعم الفصائل الأخرى دون حركة حماس تحديدا. السؤال الآخر والأكثر أهمية، هل ثمة دول عربية تتصدى لدعم حركة حماس تحديدا في هذا الظرف؟ والإشارة هنا لدمشق التي تبدو معنية أكثر من غيرها بدعم حماس. المراقب لحملة الدعاية الانتخابية تحديدا تلك التي تخص الفصائل، يدرك تماما أن ميزانيات ضخمة تعجز قد رصدت لها يعجز عن توفيرها أي فصيل فلسطيني. فملايين الدولارات التي تم ضخها حتى اللحظة حبرا على ورق وساعات بث تلفازي طويلة تثير الشكوك حول مصادرها الخارجية والداخلية، فمن متهم لبعض القوائم ذات التوجهات الليبرالية بتلقي أموال طائلة من جهات غربية أمريكية أو أوربية لدعم حملتها، إلى اتهام لبعض الجهات بتلقي مساعدات عربية وإسلامية لنفس الغرض كما أسلفنا. النائب نبيل عمرو أحد قادة حركة فتح كان أول من اُتهم بتلقي دعم أمريكي لحملته الانتخابية، إذ نشرت مواقع إعلامية الكترونية فلسطينية نص وثيقة تزعم أنها من مؤسسة الوكالة الأمريكية للتنمية(U.S.A.D) ، يقول نصها: "إن المؤسسة ستدعم حملة عمرو وعدد من القادة الفلسطينيين لدورهم الريادي في تعزيز السلام بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، ودورهم في محاربة الإرهاب". وهي الوثيقة التي نفاها عمرو بشدة، متهما حركة حماس بالوقوف وراء فبركتها ونشرها على المواقع الإعلامية، ما دفعه لتقديم شكوى إلى النائب العام اتهم فيها قيادة حركة حماس بالافتراء والتزوير والتشهير ضده شخصيا وضد عدد من الشخصيات الفلسطينية من خلال استخدام رسالة مزورة ادعت تمويل الحملات الانتخابية لعدد من مرشحي حركة فتح. الخصومة السياسية بالطبع واردة في هذه الحالات، لكن الذي لا شك فيه مطلقا أن واشنطن ومن خلفها عواصم أوروبية أخرى معنية تماما بفوز تيار محدد وهو تيار السلطة في وجه توقعات بفوز ساحق لحركة حماس. * فهل تحتاج فتح بالفعل إلى تمويل خارجي؟ اعتقد أن مخاوف الآخرين من فوز محقق لحماس يدفعهم لضخ الأموال في جيب فتح وتسخير كافة الإمكانيات المتاحة لمنع ذلك بأي ثمن كان، والحديث عن أن فتح ستغطي نفقات حملتها بنفسها ضرب من العبث والاستهتار بالعقول. لكن البعض يذهب في توقعاته إلى حد الإسفاف بالحديث عن تمويل إسرائيلي لحركة فتح لضمان عدم فوز حركة حماس، وهي وجهة نظر غير قابلة للتطبيق وغير معقولة. أما الناحية التي لا بتلفت لها هنا هو وضع فتح يدها على كل ما تملكه السلطة الفلسطينية من إمكانيات في مقابل ضعف إمكانيات الفصائل الأخرى لتضمن نجاحها وفوزها وهو تمويل واضح شئنا أم أبينا. القوائم الانتخابية الإحدى عشرة بعضها متهم اليوم في الشارع الفلسطيني بشبهة تلقي الدعم المالي وهي شبهة تنتقص من تضحيات الشعب الفلسطيني الذي يخوض تجربة ديمقراطية تستحق التقدير. وعلى رأس قائمة الشبهات هذه "قائمة الطريق الثالث"، التي يقودها وزير المال الفلسطيني الدكتور سلام فياض والدكتورة حنان عشراوي، والتي يقال إنها حصلت على دعم أمريكي سخي لتمويل حملتها الانتخابية، إلى جانب قائمة فلسطين المستقلة التي يقودها الدكتور مصطفى البرغوثي. وأصحاب القائمتين معروفون بعلاقاتهم الدافئة والحميمة مع المؤسسات الأوروبية المانحة. مطلوب من كل التيارات الفلسطينية المشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية أن تقف بصدق أمام الشعب الفلسطيني لتعلن كل واحدة منها مصدر تمويل حملاتها الانتخابية. حتى حركة حماس التي لا تنفي بدورها تلقيها مساعدات مالية من مؤسسات عربية وإسلامية في الخارج باعتبارها مساعدات شعبية، لكنها مساعدات لم تخصص لتمويل الحملة، بل تأتي لدعم حركة حماس منذ سنوات، إضافة إلى اعتماد حماس على مصادر تمويل ذاتية داخلية. ويضع القانون الفلسطيني قيدين على تمويل الحملات الانتخابية الأول عدم الحصول على أموال من جهات خارجية، والثاني أن لا تزيد مصاريف حملة القائمة الانتخابية على مليون دولار أميركي وان لا تزيد مصاريف حملة المرشح المستقل عن(60) ألف دولار. لكن لجنة الانتخابات المركزية تعترف بعدم قدرتها على متابعة مصادر تمويل الحملات الانتخابية لأن القانون لم يكفل لها الآليات اللازمة لذلك. غدا الأربعاء سينتخب أكثر من مليون فلسطيني مرشحيهم "للمجلس التشريعي"، أو البرلمان الفلسطيني وفق التسمية الأخرى، وهو الذي يتم هذا الشهر السنة العاشرة لانطلاقته. والبرلمان المنصرف كان يفترض به حسب اتفاقات أوسلو أن يكون مجلسا منتخبا للفترة الانتقالية، حتى إقامة دولة فلسطينية، لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن وتطورت الأمور منذ 10 سنوات، انقضت باتجاه دراماتيكي على الساحة الفلسطينية كانت آخر تجلياته دخول حركة حماس معترك السياسة. وفيما سجلت فتح 111 مرشحا أغلبهم غير معروفين تماما للشارع الفلسطيني، رشحت حماس 115 مرشحا للتنافس على كسب ثقة الفلسطينيين. والأهم من ذلك كله موقف الإسرائيليين ورد فعلهم حيال هذه الانتخابات، إذ يبدو أن إسرائيل عادت وفكرت من جديد وفهمت أن إجراء انتخابات تشريعية رغم الدلائل على احتمال، فوز حماس فيها يبقى أفضل من إلغائها. استطلاعات الرأي الأخيرة التي جرت في الضفة الغربية تتوقع نجاحا كبيرا لحركة حماس، والاستطلاع الأخير الذي أجرته جامعة بيرزيت في الضفة يُظهر تقدما بنسبة 5 في المائة فقط لصالح حركة فتح. إسرائيليا يعتقد على نحو واسع أن ما يقرب من نصف مرشحي حماس سيفوزون في هذه الانتخابات وهم بالضرورة لن يشاركوا في تركيبة الحكومة الفلسطينية القادمة. المصدر العصر