لم يُجدِ نفعًا ذلك الحماس الشديد من قبل رئيس الوزراء السابق المهندس إبراهيم محلب لإنهاء الفساد والإهمال بقطاع الصحة بعد أن أبرزت أخطاء المسئولين المتكررة فيه كما أن الظالمين حقَا جاوزوا المدى وأصبحوا يعبثون علنًا بأرواح المرضى دون خوف من حساب أو عقاب.. فقد استقالت الحكومة وتم تغيير وزراء فيها، بينما لا يزال هناك ملفات خطيرة في كل وزارة لم تلق الأسئلة الشائكة بشأنها أي إجابة بعد، ولعل من أبرز وأخطر هذه الملفات هو علاج "فيروس سي" وما صحبه من أزمات تخص الأسعار وكورسات العلاج المعتمدة من قبل وزارة الصحة وما يثار عنها من أخطاء وكوارث صحية تتسبب فيها نظرًا لمخالفتها تعليمات الجمعية الأوروبية لأمراض الكبد. أثار الصيدلي ومندوب تسجيل الأدوية في وزارة الصحة "إسلام محمد" العديد من الأسئلة التي أثارت بدورها الشكوك بخصوص كورس علاج "السوفالدي" منذ تم اعتماده وتفعيله، حتى ألقى القبض عليه خلال الأيام الماضية واتهامه ب"تكدير الرأي العام" بسبب تعاونه مع الصحافة والإعلام لنشر تحذيرات وتساؤلات بخصوص طبيعة وطريقة العلاج وكذلك نسبة الانتكاسات التي تعرض لها عدد كبير من المرضى الذين خضعوا لها، وما يحيط بكل ذلك من شبهات تحوم حول مسئولين بقطاع الصحة و"الكبار" في مجال صناعة الأدوية، وهو ما نشرته "المصريون" في ملف خاص سابق. أكد إسلام أن الجميع كان متعاطفًا معه منذ القبض عليه وحتى خلال التحقيق، فالبلاغ مقدم ضده من "وزارة الداخلية" وليست الصحة، ولذلك فهو لم يحمل أي مضمون حقيقي يستوجب عقابه بشأنه.. كذلك الأدلة المقدمة لم تثبت سوى صحة ما نشره عن خطورة استمرار العلاج بالأدوية القديمة التي أوصت الجمعية الأوروبية بعدم اعتمادها في كورس العلاج، كما بيّنت أن هناك شيئًا ما غير مبرر كان وراء اختيار "سوفالدي" دون غيره من الأدوية التي تم طرحها بالخارج في نفس الوقت الذي طرح فيه وكانت أفضل وأكثر أمانًا. ورغم أن هناك تغييرًا وزاريًا صاحب الضجة التي أثارها إسلام بصفحته على "فيسبوك"، وكذلك التقارير والتحقيقات الصحفية التي نشرت بخصوص "سوفالدي"، إلا أن كواليس السوق الدوائي في مصر وطريقة التعامل مع أصحاب شركات الأدوية تجعل هناك صعوبة شديدة في الدعوة إلى التفاؤل ببداية حقيقية لعلاج الفيروس اللعين والقضاء عليه قريبًا كما روجت الحكومة، يقول إسلام إنه لأمر رائع أن تعلن وزرة الصحة عن التعاقد على أدوية حديثة مثل "دكلانزا" و"هارفوني" وغيرهما، لكن ما لا يلتفت إليه البعض أن هذه الأدوية ستأتي مستوردة وبكميات محدودة وباهظة الثمن تمامًا كما هو الحال مع "أوليسيو"، فهل سيأمر وزير الصحة بتسجيلها وبدء تصنيع المثيل المصري منها في وقت قريب أم يبقى الوضع كما هو عليه؟ أمر آخر نوّه إسلام عنه خلال حديثنا معه، وهو أنه تم الإعلان عن الأدوية لعلاج "المنتكسين" وهو ما يؤكد وجود انتكاسات اعترفت بها الحكومة أخيرًا، ولكن هنا يطرح سؤال آخر نفسه: هل سيتم علاج المنتكسين والمرضى الجدد بنفس الطريقة؟، مشيرًا إلى أن مؤتمر الجمعية الأوروبية للكبد في إبريل 2015 أوصت بخضوع من انتكس بعد العلاج الثنائي أو الثلاثي بالسوفالدي ولديه تليف بالكبد لعلاج 6 أشهر بالأدوية الحديثة بدلاً من 3 أشهر حتى لا ينتكس مرة أخرى، ما يعني أن هناك تكلفة مضاعفة تتحملها الدولة والمريض. كما أشار إلى أن هناك كارثة أكثر خطورة تتمثل في "تحوّر" الفيروس خلال خضوع المرضى للعلاج، لأنه قد ينتقل خلال هذه الفترة من شخص منتكس إلى آخر سليم، فيلجأ الأخير إلى العلاج كمريض جديد دون أن يعرف هو أو طبيبه أنه يحمل فيروس "منتكس ومتحوّر"، لأنه حتى الآن لا يوجد تحاليل تكشف طبيعة الفيروسات ودرجة تحوّرها. ومن خلال مصادرنا بوزارة الصحة، نعرف أن هناك علاقات وثيقة تربط أصحاب شركات الأدوية الكبرى بمسئولين كبار كذلك في وزارة الصحة، وأن الوزارة تعتمد عليهم في كثير من مصروفاتها الخاصة بالمكاتب والتكييفات وأجهزة الكمبيوتر وغيرها من الأمور التي تدخلها الوزارة تحت بند "التبرعات"، وهو ما لا يتغير أو يتأثر بتغيير وزير وقدوم وزير آخر، ويلقي بظلاله على حقيقة تأخير إنتاج "المثائل المصرية" للأدوية الحديثة لصالح بيع كميات أكبر من الأدوية المستوردة الباهظة الثمن وتطويل فترة العلاج لمضاعفة التكلفة على حساب صحة المريض وحياته وكذلك ميزانية الدولة.. فمن المسئول؟.