بخطة محكمة وبتدبير مسبق سعوا ليكون العالم الاسلامى ومنطقتنا هى " محور الشر " الموصوفة بالارهاب والهمجية وسفك الدماء ، بداية من آلاف الأفلام والمواد الاعلامية التى تكرس هذه الصورة فى الغرب ، مروراً بطبيعة التعامل مع الأحداث فى الشرق الأوسط اعتماداً على استفزاز بعض الكيانات والتنظيمات المحسوبة على تيار الاسلام السياسى والجهادى لساحات المواجهة الهمجية الثأرية ، التى ينجح خلالها الاعلام الغربى فى اظهار جانب واحد فقط من المشهد لترسيخ فرضية " الارهاب الاسلامى " ، وانتهاءاً بواقع اليوم الذى عزز من نجاح الولاياتالمتحدة والغرب فى تنفيذ مخططها ، حيث تضاعف نفوذ وانتشار الجماعات والتنظيمات " الارهابية " التكفيرية وصارت تسيطر على مناطق جغرافية تقيم عليها تصوراتها الشائهة للشريعة وتصدرها اعلامياً للعالم كله . وتراجعت مكانة القضية الفلسطينية وتحول الصراع من اسلامى – صهيونى وعربى – اسرائيلى ، ليتحول الى اسلامى – اسلامى و عربى – عربى . بل تحولت كثير من التنظيمات الاسلامية المحسوبة على النضال السلمى الأبيض الى مستنقع تلك الصراعات ومتاهة تلك المخططات والتحالفات الخارجية ، وصار هناك تنافس على ما أسموه " الخلافة " بين محور ايران وأذرعها الشيعية من ناحية ، تقابلها ثلاث تصورات ومشاريع خلافة سنية ، الأولى القاعدة وبيعة أمير طالبان ، والثانية داعش وبيعة البغدادى ، والثالثة محور الاخوان وحلفاؤها وبيعة السلطان العثمانى فى تركيا .. ليتراجع مفهوم النضال السلمى والدولة الوطنية ويترسخ الواقع الصراع الطائفى الذى خطط له الغرب وأرادوه لنا . بمعنى أن القضية خلال العقود الماضية كانت محدودة وفى اطار بعض الجماعات المحلية المشتبكة مع الأنظمة السياسية داخل دولها والتى عادة ما تكون بعيدة بعض الشئ عن الخط الوسطى العام للأمة ، أى أنها استثناء يسهل احتواؤه والتحكم فيه . لتظل لدى القاعدة العامة من جماهير المسلمين قناعة أن القوى الأجنبية هى مصدر الظلم السياسى والقهر والعنصرية ممثلة ومجسدة لارهاب الدولة ، لكن اليوم نجح الغرب والولاياتالمتحدة فى قلب الأوضاع تماماً لصالحهم حيث صارت الولاياتالمتحدة – على جرائمها ووحشيتها – هى ملجأ تلك الجماعات والتنظيمات ضد الدول العربية والاسلامية التى صارت هى مصدر الشرور والظلم ، وهى التى يجب الكفاح والجهاد ضدها ! كذلك نجحوا فى جعل الارهاب والغلو والتكفير هو القاعدة ، أما خلافه من وسطية وتقديم للمصالح الوطنية ونضال حقيقى ضد الظلم والاستعمار الغربى تحت راية الدولة الوطنية وبمعاونة جيوشها ومؤسساتها فهو الاستثناء . هذا الواقع المقلوب ينطبق عليه توصيف ادوارد سعيد الدقيق " تغطية الاسلام " ( covering islam ) فى دراسته التى صدرت عام 1980م ، فهم سعوا – ونجحوا فى ذلك الى حد بعيد – فى تغطية الاسلام الحقيقى ، فى مقابل اظهار اسلام آخر مختلف على يد بعض الجماعات الدموية الهمجية ، التى يوظفونها بسهولة فى ذلك المخطط استغلالاً لطموحات فى السلطة وتصورات قاصرة للاسلام والشريعة . وكنتيجة مباشرة لهذا الاستغلال أمست صورة المسلمين فى وعى العالم أكثر التصاقاً بالعنف والتخريب والتفجير والذبح والوحشية وضيق الأفق والتطرف الدينى وعدم احترام حقوق الانسان وعدم التسامح واللانسانية واستغلال المرأة والطفولة وامتهانهما ، فضلاً عن واقع التفكيك والتفتيت الذى تباشره الولاياتالمتحدة داخل بلادنا من خلال ما يسمى حربها على " الارهاب " . أرى أن مشكلتنا الأساسية فى " انساننا " الغائب عنا تماماً ، والمتروك لقوى أخرى تشكله وتهيئه وتروضه وتبرمجه بحسب ما تستفيد به فى مخططاتها وتحقيق أهدافها ، حتى وصلنا الى غيبة عامة عن الوعى ، كأن الغرب يسوقوننا الى ما يريدونه هم بطريقة آلية . نحن فى حاجة الى الوعى بذاتنا وحقيقتنا الاسلامية الممتدة عبر القرون بوراثة نبينا صلى الله عليه وسلم من خلال فهمه وتطبيقه الصحيح للاسلام وتعاليمه فى مختلف المجالات . وفى حاجة الى الوعى الصحيح بحقيقة " الاستخلاف " من حيث كونها أمانة ومسئولية وواجب يجب القيام به للعمران والنهضة ونشر قيم السلام والتعايش ونشر مفاهيم الاسلام الحقيقية والصحيحة .. لا نشر ما تريده الولاياتالمتحدة نشره وترسيخه عن " الاسلام " الخادم لمخططاتها . نحن فى حاجة الى الوعى الصحيح بحقيقة تراثنا الاسلامى وتجلياته المعرفية والعمرانية والثقافية والحضارية والاجتماعية والفقهية التى تناهض تماماً تلك المشاريع الغربية التى تنفذ بأيد وعناوين اسلامية مزعومة ومدعاة . وفى حاجة الى الوعى التام الناقد البصير بالعالم المحيط بنا وخبراته وحضارته وعقوله وثقافاته وقيمه ومنجزاته وعلومه ومعارفه ، فضلاً عن مخططاته وطموحاته ومطامعه وأساليب تفكيره . لكى تعود الأمة قادرة على الصمود والبقاء والفعل والتأثير الحضارى كما كانت من قبل ، لسنا فى حاجة لمزيد تنظيمات وجماعات أنهكت جسد الأمة ودمرت وعيها وضللت سيرها ، وسهلت على الأعداء السيطرة عليها ، انما فى حاجة الى فهم طبيعتنا كأمة وفهم حقيقة رسالتنا وحقيقة وجودنا وحقيقة ماضينا وحاضرنا ، وحقيقة ما نريد وكيف نحقق ما نريد . لخص ذلك كله الشيخ الشعراوى رحمه الله بقوله " الإرهاب ليس في الإسلام ، والمسلم لا يمكن أن يكون إرهابياً وخصوم الإسلام عز عليهم أن يخترقوا الإسلام من باب واحد هو الهجوم الصريح عليه ، فدخلوا من باب ثان هو العمل علي إفساد العقيدة وإثارة التعصب في أصحاب العقول والنفوس ، وخططوا لاستغلال المشاعر الدينية في عامة المسلمين ورفعوا شعارات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وبكلمات حق يراد بها باطل عملوا علي هدم الأساس الذي يقوم عليه الإسلام وهو التسامح وحرية العقيدة " .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.