في كلمته باللقاء الذي شهدته جامعة قناة السويس تحت مسمى "أسبوع شباب الجامعات" تكلم الرئيس عبد الفتاح السيسي كلاما شديد الخطورة والأهمية ، لأنه عبر عن مشاعره بالفعل وبعفوية وعن مخاوفه وشكوكه بعيدا عن الديبلوماسية ، وكان من أخطر ما قاله في كلمته وهو يعلق على البرلمان المنتظر قوله : (الدستور منح بنوايا حسنة صلاحيات واسعة للبرلمان، والبلاد لا يمكن أن تدار بالنوايا الحسنة فقط) ، هذا الكلام المذهل يؤكد ما كنا نظنه ظنا ، من أن قلق السيسي من البرلمان المقبل والصلاحيات التي يملكها "نواب الشعب" يسبب له إزعاجا حقيقيا ، الآن هو قال ذلك صراحة ، بل واعتبر أن الصلاحيات التي منحها الدستور للبرلمان هي توجه سلبي ، وإن كان التعبير قد خانه وهو يخونه كثيرا وهو يعبر عن ذلك بقوله "الدستور منح بنوايا حسنة .." ، وكأنه كان مطلوبا أن تكون النوايا غير حسنة لكي "نظبط" دستور على المقاس ، كما أن هذا الكلام يؤكد أن هناك نوايا ، حسنة أو غير حسنة ، لتعديل الدستور الحالي وسحب صلاحيات البرلمان لكي تعود النسخة "الفرعونية" من جديد التي تجعل الرئيس هو الدولة وهو السلطة وهو كل شيء ، وإذا كان الناخبون الذين اختاروا السيسي في الانتخابات هم الذين سيختارون نواب البرلمان المقبل ، فلماذا يشكك الرجل في "نواياهم" وحسن اختيارهم ، هل أحسنوا الاختيار فقط عندما انتخبوك أنت ، وهل القبول بالديمقراطية واحترامها فقط في حالة ما إذا كنت أنا الفائز الوحيد ؟!. السيسي في الاحتفالية أصر على أن يصطحب معه المهندس إبراهيم محلب ، رئيس الوزراء الذي أقاله أمس ، وأكد في كلمته على كفاءته وعلى إخلاصه وعلى وطنيته وعلى جهده الكبير في عمله وعلى نزاهته وأنه لكل ذلك سيبقي عليه إلى جواره في مؤسسة الرئاسة لأنه يحتاج إليه ، وهذا كلام بالغ الغرابة ، إذا كان الرجل فيه كل هذه المزايا الفخيمة ، فلماذا أقلته من الوزارة ، لماذا لا تبقيه لمصر لكي يعطيها من كفاءته وإخلاصه ووطنيته ونزاهته ، ثم هل من يفشلون في الوزارة ينتقلون إلى مؤسسة الرئاسة ، هذا كلام غير مفهوم ومنطق غريب بالفعل ، كما أن كل هذا الغزل الذي قيل في محلب يزيد التساؤلات المشروعة عن أسباب تعجيل إقالته ، رجل بكل هذه المواصفات لا تطيق تحمله في رئاسة وزارة عاما واحدا أو أكثر قليلا ، من يمكنه أن يقتنع بمثل هذا الكلام . الرئيس أيضا تدخل مباشرة في شؤون القضاء بتعليقه على التحقيقات ، وقوله أن وزيرا واحدا فاسدا لا يعني فساد الوزارة كلها ، من أخبرك أنه وزير واحد ، وهل انتهت التحقيقات ، وماذا إذا صحت تسريبات مصادر قضائية لعدد من الصحف بأن أكثر من وزير متورط في القضية ، كذلك ، كان الأهم من الدفاع عن شرف وكرامة وكفاءة إبراهيم محلب الذي أقلته أن تحدثنا عن رئيس الوزراء الجديد الذي اختاره ، وما هو تاريخه وكفاءته ونزاهته ، وما هي حدود الصلة التي كانت تربطه "بصديقه" محمد فودة ، المتهم الرئيس في قضية فساد الزراعة ، ولماذا تجاهل الرئيس كل الشبهات التي تصنعها حول شريف إسماعيل علاقته بأس الفساد في وزارة الزراعة وفساد وزارة الثقافة من قبله ، والرجل الذي سجن خمس سنوات أيام مبارك نفسه بتهمة الفساد ، ما هو المعيار الذي على أساسه اخترت "صديقه" رئيسا للوزراء بدلا من محلب الذي شهدت له بالنزاهة والشرف والكفاءة والوطنية . مرة أخرى أؤكد ، أن البرلمان المقبل في مهب الريح ، فإما أنه لن تتم الانتخابات من أصله ، بمشكلات قضائية أو إدارية أو (أمنية) أو بأي صيغة تعطله ، وإما أن يكون عمره قصيرا للغاية إذا تمت الانتخابات ، خاصة إذا كانت موازين القوة فيه ليست على المقاس المطلوب ، وفي تقديري أن إقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة قبل الانتخابات بشهر واحد وقبل انعقاد أولى جلسات البرلمان بأقل من ثلاثة أشهر ، حيث من حق "نواب الشعب" دستوريا اختيار رئيس الوزراء الجديد ، هو مؤشر واضح على ذلك ، لأنه من غير المنطقي أن يتم تشكيل حكومة لمدة شهرين أو شهرين ونصف فقط ثم تستقيل ، كما أنه من غير المتصور أن السيسي لم يصبر ثلاثة أشهر فقط على حكومة يرأسها الرجل الذي كال له المديح بهذه الصورة ، .. والله أعلم .