من سنين طويلة وهم لا يرفعون شعار الديمقراطية فحسب ، بل ويجعلون من الديمقراطية قضيتهم الوجودية ، بل ويعيشون فى عزلة فكرية عن مجتمعهم بسببها ، زعموا، فالنخبة التنويرية عاشقة الديمقراطية ، وراعيتها كانت وما زالت تقول :( إن الديمقراطية هى الحل) . وكانت وما زالت تعتز بالديمقراطية التى عند أسيادها فى الغرب المتحضر ، وتعتبر ذلك سر تفوقه وتقدمه على الشرق المتخلف، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وأقدم كثير من أبنائها على مهاجمة هوية الأمة وثوابتها وقيمها، وهدم منظموتها الأخلاقية تحت شعار الديمقراطية ، أو بحديث الإفك الممجوج بأن دين الأمة يعارض الديمقراطية ، ومن ثَم لا بد من الإطاحة به على أرض الواقع ليتسنى لديمقراطية أسيادهم الغربيين أن تجد موقعًا لها فى بلادنا. وتحمل الناس ما تحملوا من مفتريات بعض أبناء النخبة ( حاملة لواء الديمقراطية) ولقوا من العنت والاستهزاء بشعائرهم الدينية ، وعاداتهم الاجتماعية ، وقيمهم الأخلاقية التى لا علاقة لها بالاستبداد السياسى الذى كانت تعيشه مصر ، بينما ظل بعض دعاة الديمقراطية يضع الاستبداد السياسى والثابت الدينى والمنظوم الخلقى فى قالب واحد ، ويعمل جاهدًا على جعله مرمىً لسهام نقده ، فتطيش تلك الموجهة إلى الاستبداد ولا تُغْنى شيئا ، وتنفذ تلك الموجهة إلى الثوابت والهوية والقيم فتمزق جسد مرجعية المجتمع وتوجب نزيف دماء مقوماته ومحفزاته. ولمّا أذن الله تعالى وقامت ثورة الجوعى إلى العدل والحرية والكرامة، وأسقطوا الاستبداد وهدموا ما شيده فى ثلاثين عامًا. انتظر الجمهور المتعطش للحرية ، والمكلوم من الظلم والاستبداد - انتظر من صفوته أن يتقدموا الصفوف ويطبقوا الديمقراطية التى كانوا يرفعون شعارها، ويزعمون أن رسالتهم الحياتية هى أن يتعلم الناس الديمقراطية ويطبقوها. ودقت ساعة الديمقراطية ( استلهاماً من مقولة المستبد الشهير) ، ونظر منظرو الديمقراطية وآباء التنوير فى مصر ، فإذا هم منبوذبون بحساب الديمقراطية ، وأنهم، تقريبًا، خارج اللعبة السياسية فى ظل الديمقراطية الحقيقية ، وأن أعداءهم ومحط استهزائهم وشتمهم ولقمة عيش أقلامهم سيكسبون بحساب الديمقراطية، فتخبطوا خبطًا عشوائيًا ، فمنهم من يومئ للعسكر بالبقاء فى السلطة ويغريهم بسحق أعدائه أولا.ومنهم من يقاوم وجود العسكر فى السلطة ، لكن البديل عنده ليس من يأتى بالانتخابات النزيهة ، بل من يأتى باختياره وعلى مزاجه الفكرى وانتمائه السياسى وإلا فلا. ولما جرت الانتخابات النزيهة ووقعت الفاس فى الراس، هرع دعاة (الديمقراطية هى الحل ) إلى التصريح بأنها مزورة وإن كانت نزيهة!! أو أن مجلس الشعب، القادم بأنزه انتخابات، هو أسوأ مجلس فى تاريخ مصر...إلخ. وأخيرًا بالسعى إلى نزع صلاحيات المجلس!! تسألنى: ما هذه الديمقراطية. الجواب: (خمس نجوم). والتى عند أسيادهم فى الغرب ( نجمتان) فقط!! [email protected]