يبدو أن الهجوم الذي شنته مجاميع ما يعُرف باسم الطلبة المنتمين لقوات التعبئة الشعبية (الباسيج) على السفارة البريطانية في طهران مؤخراً؛مايزال مثار جدل كبير بين أجنحة نظام الملالي، فالمرشد الأعلى خامنئي المدافع عن السياسة الخارجية الهجومية أخذ جانب الصمت تجاه الهجوم على السفارة البريطانية الذي أعقب الانفجارات التي حدثت في معسكر ملارد وأصفهان مؤخراً، ولم يدلى خامنئي عقب تلك الحوادث بأي تصريحات وهو ما فسره المراقبون على أنه نوعاً من الصدمة التي أحدثتها تلك الانفجارات والتي لم يتمكن جهاز الأمن والاستخبارات الإيرانية (اطلاعات)؛ الذي يصف نفسه بأنه أكبر صائد للجواسيس حتى هذه اللحظة من معرفة الأيادي التي نفذت تلك الانفجارات الهائلة التي وقعت في قاعدتين عسكريتين حساستين جداً. هذا ما جعل خامنئي الذي التزم الصمت لحد الآن ليصبح أسيراً في عش الدبابير متعرضاً فيه للدغات متتالية من كل ناحية وصوب، ومن أهمها الهجمات التي أخذ يشنها عليه جناح الرئيس أحمدي نجاد، والتي كان من بينها رسالة النقد الأخيرة التي وجهها نجاد لخامنئي ولامه فيها على سكوته عن تصرفات رئيس البرلمان علي لاريجاني الذي اتهمه نجاد بالوقوف وراء تحريك الرعاع للهجوم على السفارة البريطانية. ويفسر مراقبون للشأن الإيراني موقف خامنئي من هجوم الطلبة التابعين لمليشيا (الباسيج) على السفارة البريطانية بأنه يريد منه التشبه بموقف الخميني من الاحتلال الذي قام به ما سمي آنذاك “الطلبة الجامعيون السائرون على خط الإمام” للسفارة الأمريكية في طهران أوائل الثورة الإيرانية، أو ربما أراد خامنئي أن يكون له طلبة سائرين على خطه على منوال الطلبة السائرون على خط الإمام. ويتساءل المراقبين إذا ما كان حقاً هناك تشابه بين ما قام به هؤلاء الرعاع الذين هاجموا السفارة البريطانية ونهبوا ممتلكاتها وعاثوا خراباً بمحتوياتها، وهم من تعود على مهاجمة مقار الأحزاب والجمعيات السياسية الإصلاحية ومهاجمة وضرب تجمعات الطلبة الجامعيين المعتصمين، وبين احتلال السفارة الأمريكية وما نتج عنه من وقائع آنذاك. فاحتلال السفارة الأمريكية وعلى الرغم من الجو الثوري الذي كان حاكماً في البلاد آنذاك لم يحدث فيه كسر زجاج نافذة واحدة، فما هو وجه التشابه بين الهجوم الذي قام به رعاع (الباسيج) على السفارة البريطانية وما قام به أولئك الطلبة على السفارة الأمريكية؟ وما هي أوجه الاختلاف بين الظروف الراهنة والظروف السابقة؟. لقد جرى احتلال السفارة الأمريكية في الوقت الذي كانت فيه إيران تعيش أجواء ثورية عارمة، وكانت تنشط في إيران أحزاب وحركات سياسية من مختلف الاتجاهات، وكانت هناك صحافة نشطة تصدر في البلاد، وكانت هناك جماهير غفيرة من مختلف الفئات تقف خلف الخميني، وكان الأخير يستمد من هذه الشعبية قوة للوقوف بوجه منتقديه بحجة الدفاع عن مصالح الجماهير. إلا أن ما تشهدة إيران في الوقت الراهن مغايراً كلياً عما كان عليه الأمر آنذاك، فحالياً ليس الأحزاب المخالفة للنظام وحدها ممنوعة من العمل وحسب بل حتى الأحزاب والجمعيات الموالية للنظام ممنوعة أيضاً من النشاط السياسي، فالإصلاحيين قد تم وقف نشاطهم، والطلبة الذين قاموا باحتلال السفارة الأمريكية باتوا في السجون، ورؤساء سابقين للبرلمان والحكومة أصبح مصيرهم الحبس المنزلي. إن أولى مستلزمات محاربة الأمبريالية التي يزعمها قادة النظام الإيراني تكمن في وجود الحريات سياسية والدعم الشعبي للنظام، فالخميني حين أيد احتلال السفارة الأمريكية كانت ظروف إيران وموقعه وموقع نظامه قوي ومستحكم، لكنه مع ذلك كان يسعى أكثر فأكثر إلى تقوية مكانته وتحكيم نظامه، فبعد أسبوعين من احتلال السفارة الأمريكية وجد الخميني أن المواجهة مع أمريكا أصبحت حتمية، لذلك وبهدف تقوية الجبهة الداخلية أعلن عن ما عرف بمشروع الوحدة الوطنية الذي حمل 26 مادة كان من بينها الاستعداد للاعتراف بالحكم الذاتي لإقليم كردستان الإيراني الذي كان يعيش وقتها اضطرابات شديدة. فلو قارنا وضع إيران الحالي بما كان عليه عند احتلال السفارة الأمريكية لن نجد وجهاً للمقارنة بينهما، فقد وقع الهجوم على السفارة البريطانية في ظل تشتت بين أركان السلطة والنظام، وأجواء من القمع والاضطهاد الشديدين، وحملة من الاعتقالات في صفوف النخب السياسية والثقافية والطلابية، وتنفيذ الإعدامات الجماعية بحق النشطاء من أبناء كافة الشعوب والقوميات، ومصادرة الحريات الدينية لأهل السنة وسائر أتباع الديانات والمذاهب الأخرى. ولا ندري كيف يمكن لنظام يصادر الحريات العامة وينتهك أبسط حقوق الإنسان لمواطنيه ويتخوف من التجمعات السياسية والاعتصامات الطلابية كتخوف الجن من كلمة بسم الله الرحمن الرحيم أن يحارب من يسميها بالقوة الأمبريالية؟. إن جميع الدلائل والشواهد الظاهرة تدل على أن الهجوم على السفارة البريطانية لم يكن بقصد مواجهة القوى الأمبريالية كما يروّج له إعلام نظام الملالي، وإنما الهدف الحقيقي من وراء ذلك هو من أجل ممارسة مزيد من القمع والاضطهاد ضد الشعوب الإيرانية بحجة مواجهة الأمبريالية العالمية من جهة وتصفية الحسابات بين أجنحة النظام المتصارعة من جهة ثانية. صباح الموسوي باحث وكاتب من الأحواز