اتخذت الاستعدادات لاجراء الانتخابات البرلمانية بعد أيام وربما يكون هذا الاقتراح قد جاء متأخرا جدا لكنه خطر لى فى اللحظات الأخيرة. نحن بحاجة إلى مجلس نواب، انتخاباته المؤجلة تحرم مصر من برلمان أيا كان لمراقبة الحكومة أو حتى التواطؤ معها، فان تواطأ معها وتكاثرت المظالم دون راد أورادع، كان ذلك سببا فى أن يعصف الشعب بهم جميعا بشكل أشد مما حدث لنظام مبارك.
يتحصل الاقتراح فى تعيين مجلس نواب يضم ستين عضوا، ولمدة عام واحد، تعين الحكومة عشرين، وتعين الأحزاب عشرين، وتعين النقابات عشرة أعضاء، كما يتم ترشيح وتعيين عشرة من المصريين فى الخارج من ذوى الرؤية والحياد والخبرة لإفادة المجلس وإثرائه.
تكون مناقشات المجلس علنية، ويوضع جدول أعماله من اقتراحات المواطنين، وتصدر قراراته بأغلبية أربعة أخماس . يبدأ المجلس بمناقشة علنية للقضايا العاجلة وهى الفساد وسوء الإدارة وهدر الأموال العامة وتجريف الأراضى الزراعية وسيناء وتلويث النيل والبطالة والإرهاب والقوانين الجائرة وإصلاح الجهاز القضائى والأمنى والإعلامى ووضع خطة للإنتاج والتشغيل ورعاية الأخلاق العامة وإعادة الاعتبار للمواطن وكرامته وتوجيه الحكومة إلى تصحيح الأخطاء وتأجيل المشروعات البعيدة العائد، والتفاعل مع المشاكل الصحية والحياتية واليومية للمواطنين من خلال صندوق مغلق فى كل شارع وقرية تجمع فيه الخطابات وتسلم لأمانة المجلس كل يوم.
هذا الاقتراح يحقق وجود برلمان لمدة عام تتحقق به إصلاحات أساسية تسمح بعد ذلك بتشكيل مجلس منتخب.
أما أسباب هذا الاقتراح فتتحصل فى أن البلاد ليست مهيأة لانتخابات نزيهة، وهى فى نفس الوقت بحاجة إلى برلمان حتى لا يظل الحكم شموليا فى يد الرئيس بجميع السلطات. وتتشكل مع المجلس حكومة كفاءات حقيقية لكل وزير رؤية منشورة حول عمل وزارته نصفها من المصريين فى الخارج ويستبعد منها من تلوثت يده بالفساد والإفساد، ويكون المجلس النيابى والحكومة لمدة عام بصلاحيات تامة ويتم تطبيق الحقوق والحريات فى الدستور بدقة.
أما أسباب الأقتراح فهى:
أولاً: أن الدستور تم وضعه واعتباره ضرورة كإطار قانونى لنظام جديد ورغم الملاحظات القاتلة عليه وأبسطها أن يضع مقدمته شاعر فى سابقة فريدة للفارق الهائل بين الشعر والقانون، ولذلك جاء الدستور مزايدة على الدستور السابق عليه، فكانت النتيجة أن أعلن الرئيس السيسى صراحة أن الوقت لا يزال مبكرا لتطبيق الدستور، ولكن هذا التصريح لن يمنع المحكمة الدستورية من الناحية الفنية من الحكم بعدم دستورية القوانين الكثيرة التى أصدرها بسلطة تشريعية استثنائية، فصار معدل ممارسة هذه السلطة خارجا عن المألوف، وسبقه إلى ذلك رئيس الدستورية العليا وهو قطعا أكثر إدراكا للتعامل مع هذه المرحلة.
ثانياً: أن نظام مبارك الذى اختفى مؤقتا عقب ثورة 25 يناير يعود مرة أخرى ليسحب البساط من تحت أقدام نظام يتشكل رغم وجود أرضية مشتركة، وقد وجد فى الانتخابات ضالته حتى لو كانت نزيهة حتى يسيطر على البرلمان، بعد أن تخلص السيسى من التيار الإسلامى الذى كان يخشاه مبارك ويجرى التزوير لاستبعاده لكى يسيطر الحزب الوطنى. أما الأحزاب المسماة مدنية فليس لديها شعبية حقيقية وهذا هو السبب الذى دفع البعض إلى مطالبة السيسى بإنشاء حزب يملأ الفراغ الذى نشأ بعد العصف بالتيار الإسلامى.
ثالثا: أن الأحزاب فى مصر ورقية وقائمة على أساس هش، فلاهى مقنعة للرأى العام، ولا هى قادرة على التأثير على الحكومة لتقديم خدمات، ومعظمها يريد ضمان مصالحه وليس مصالح الناس، فليس لها شرعية أبعد من الولاء للحاكم والترويج له.
رابعاً: أن حكم القانون والعدالة ليست فى أحسن أوضاعها والشعب لم يعد يهتم بالإنتخاب ويثق فيه كأداة لتحقيق آماله، بعد أن انحدرت آماله إلى مجرد المطالب البيولوجية، مما سمح بازدهار المال السياسى لشراء المرشح والناخب، والجميع متشائم من تشكيل المجلس، ناهيك عن التحديات الأمنية وتكاليف التامين علي القضاة والجيشوالشرطة فضلا عن التكاليف الباهظة للعملية الانتخابية على مرحلتين بما يكلف الدولة مليارات الجنيهات التى يحتاجها الشعب البائس إذا أحسن توجيهها.
خامساً: فإذا كانت الانتخابات فى هذه الظروف محفوفة بالمخاطر السابق ذكرها، وعدم وجود برلمان من المآخذ الجادة من جانب الداخل والخارج على النظام، يصبح البرلمان المعين حلا وسطا. ففى ظل عدم وجود حياة سياسية أى مياه تسبح عليها المراكب الحزبية وعدم انضباط الحالة القانونية والتوتر الشامل يجعل الانتخابات أمرا خطرا. وفى الماضى، كانت كل الأحزاب المسماة مدنية مسنودة ومتحالفة بشكل أو بآخر مع التيار الإسلامى، الذى كان مع نظام مبارك هما القطبان الكبيران فى نظام مستقطب، وكان نظام مبارك يرجح فقط بسبب التزوير، وفى انتخابات 2010 تورطت كافة أجهزة الدولة فى التزوير، فاستبعد الطرف الآخر تماما فقامت الثورة. أما اليوم، فقد استعاد نظام مبارك لياقته المالية وفنونه فى التزوير المعنوى والمادى ولن تستطيع الأحزاب القليلة المؤيدة للثورة أن تناطحه، مما يجعل لهذا النظام الغلبة فى البرلمان وتشكيل الحكومة بصلاحياتها فى الدستور الأقوى من الرئيس، الذى لن يتمكن من توسيع صلاحياته دستوريا أو خارج الدستور مما يحدث فوضى وصراعا شديدا بين الأجنحة للاستيلاء على السلطة وعلى مصر ودفع البلاد إلى مزيد من البلاء .