حذر الكاتب محمد المخزنجي، أحد أبرز الناشطين المعارضين لاستخدام الطاقة النووية بكل أشكالها من خطر تشييد مصر لمحطة نووية في منطقة "الضبعة" بغرض الاستخدام السلمي لتوليد الطاقة الكهربائية، في ظل أزمة الوقود التي تعانيها مصر خلال السنوات الأخيرة. وقال المخزنجي - الذي كان شاهدًا على حريق مفاعل "تشيرنوبيل" النووي بأوكرانيا (الاتحاد السوفيتي سابقا) أثناء دراسته الطب هناك إن أخطار مشروع تشييد محطة نووية في مصر، "تفوق مثيلاتها لدى غيرنا، وهو باهظ تكاليف الإنشاء والتشغيل والترميم، وكهرباؤه أغلى سعرًا". وكشف المخزنجي في مقاله المنشور بجريدة "المصري اليوم" عن "المسكوت عنه"، وهو أنه "لا تنتهي همومه مع انتهاء أجله؛ فعملية تفكيكه وتطهير موقعه تستهلك سنوات وتكاليف تنوء بها دول كبرى""، واصفًا إياه بأنه "مقامرة تُسدِّد خسائرَها المُرجَّحة أجيالُ المستقبل". وأعرب عن ارتياحه لعدم الاتفاق النهائي مع روسيا لبناء أول مفاعل نووي في مصر وتزويده بالوقود، قائلاً إنه يرفض توريط مصر فيما يسمى "الحلم النووي"، الذي وصفه ب "حزمة كوابيس"؛ لأسباب عديدة، بعضها معروف، وبعضها مسكوت عنه. وعلى رأس الأسباب التي يعارض من أجلها المخزنجي بناء محطة نووية في مصر "هاجس الأمان"، قائلاً إنه من غير المستبعد حدوث تسرب إشعاعي من المفاعلات النووية، "خاصة أن ظروفنا تزيد من احتمالات لم تكن مطروحة قبل ظهور وباء التطرف الوحشي المجنون الذي يتذرع بفتاوى فاسدة"، مبديًا مخاوفه من إمكانية تعرضه لقصف من البر أو البحر أو الجو. وأبدى شكوكه إزاء استمرار روسيا في تقديم 32طنًا من الوقود سنويًا لكل مفاعل، متسائلاً: "هل يملك أي من هؤلاء المروجين للحلم النووي ضمانًا لدوام هذه المكرمة الروسية، على امتداد أكثر من نصف قرن قادم يمثل العمر الافتراضي للمفاعلات الحديثة، في عالم مكتظ بالصراعات والتغيرات العاصفة والاضطرارية"؟. وتابع متسائلاً: "وهل لدينا مدافن جيولوجية صالحة لاستيعاب نفاياتها عالية الإشعاع"؟! وأشار إلى التكلفة العالية لاستخدامات الكهرباء التي يتم توليدها من المحطات النووية، لافتًا إلى أنه ستكون هناك تكاليف إضافية تلحق بتكاليف إنشاء المفاعلات النووية المزمع إقامتها في الضبعة، وتتعلق بطول شبكة نقل الطاقة الكهربائية، على امتداد مسافات كبيرة بين الضبعة والوادي، من حيث تكلفة هذه الشبكة وتأمينها ونسبة الفقد، التي تزيد مع طولها. ودلل بدراسة ل "مجلس البحوث العلمية والصناعية" بجنوب أفريقيا عقب اتفاق الأخيرة مع روسيا لإقامة عدة مفاعلات نووية حول أن الكهرباء المولَّدة نوويًا هي الأغلى من غيرها، فسعر الكيلووات منها 1 راند (عملة جنوب أفريقيا)، ومن الفحم 0.8 راند، والطاقة الشمسية (الكهرو ضوئية) 0.8 راند، والرياح 0.6 راند، بأسعار اليوم. مع ملاحظة أن جنوب أفريقيا لديها وفرة من اليورانيوم وخبرة فى عمليات التخصيب منذ فترة الحكم العنصرى. فضلاً عن ذلك، أشار المخزنجي إلى تكاليف وأعباء ومخاطر ومُعضلات تفكيك المُفاعلات النووية عند انتهاء العمر الافتراضي لها وتطهير المواقع التي كانت تشغلها من كل آثار إشعاعية ضارة بالحياة والأحياء، والتي ستكون عبئا بيئيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا على أولادنا وأحفادنا. وذكر أن السلطات البريطانية قدَّرت تكاليف تفكيك وتنظيف مواقع 19 مفاعلاً، بنحو 100 مليار جنيه إسترلينى، وفي فرنسا حددوا المتوقع لتفكيك المفاعلات القديمة بنحو 300 مليار يورو، ناهيك عن الصعوبات التقنية والبيئية والصحية التى تكتنف عمليات التفكيك والتطهير والدفن شبه النهائى للمكونات مرتفعة التلوث الإشعاعى. المخيف أكثر في عملية تفكيك المفاعلات المتقاعدة - – كما يكشف المخزنجي أن "المخلفات التى كانت تعد منخفضة الإشعاع، وكان يُسمح بإعادة تدويرها، بتطهيرها واستخدامها فى مكونات تقنية وإنشائية جديدة ثبت أنها قاتلة"، لافتًا إلى وفاة 60شخصًا من قاطنى شقق حديثة فاخرة فى تايوان، بالسرطان فى وقت قياسى وأعمار صغيرة، بعد أن دخل فى تشييدها حديد من أنقاض مفاعلات نووية مُفككة كان مُصنَّفا بأنه آمن لانخفاض إشعاعه، وتم استيراده من الهند والصين. وقال المخزنجي إن أكثر ما أرعبه في الاتفاق بين روسياوجنوب أفريقيا، بشأن بناء مفاعلات الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء أنه تضمن بندا يقول: فى حالة وقوع حادث نووى تتحمل جنوب أفريقيا كامل المسؤوليةIn the case of a nuclear accident، South Africa will accept all of the liability. وأرجع ذلك إلى أن "الروس هم أكثر مَن فى العالم خبرة بهول أعباء حادث نووى من واقع تجربتهم المريرة فى تشيرنوبل، ولايريدون تحمل مغبة حادث مماثل نيابة عن غيرهم، ولهم الحق فى ذلك"، متسائلاً: "فهل نقدر على ذلك؟ أشك". وذكر أنه "فى كارثة تشرنوبل لم يصل المفاعل المنكوب بعد كل الجهود الهائلة لاحتوائه إلى درجة السكون والأمان برغم دفنه فى تابوت جبار من الجرانيت والخرسانة، فقد تشقق التابوت بفعل الزمن والقصف المستمر للإشعاع الذى لم يخمد فى قلب المفاعل المقبور، ولم تقدر أوكرانيا وحدها على احتواء التابوت المتشقق، فاستعانت بالاتحاد الأوروبى الذى بدافع مخاوفه الذاتية مما يخبئه هذا التابوت، ويهدد قلب أوربا، تكفَّل ببناء "هنجار" فولاذى عملاق وشاهق يبلع تابوت تشيرنوبل، ولو إلى حين". ليتساءل المخزنجي: "فمن سيمد لنا يد العون فى مثل ذلك- لا قدر الله- بل لا أستبعد أن يرقص البعض فى ملمة بهذا الهول تودى بنا. فلماذا نهرول نحو اللغم"؟!