أن أكون شمعة دائمة الاشتعال أمام الناس، ولا أحترق إلا سرا. علمتني الحياة أن أنزل الناس منازلهم، ولا أعطي شخصا حجما أكبر من حجمه الطبيعي، ولا أسمح لكائن من كان أن يحقر من شأني أو يهز ثقتي بنفسي، أو يصب عُقَده ونقصه عليَّ، فأمثال هؤلاء مصيرهم عندي دوما الحظر من كتاب حياتي.
علمتني الحياة أن أقطع لساني عمن يقاطعونني أو أقاطعهم لسبب أو لآخر، ولا أسيء إليهم بأي شكل، فاللقاء قدر، والفراق قدر، ولا أقول إلا ما يرضي ربي.
علمتني الحياة ألا أبالغ في الاهتمام بأحد لأن النبات يموت من كثرة الماء، وألا أجبر أحداًا على الاهتمام بي، حتى لا أكون كمن يسقي شجرة صناعية، وينتظر أن تثمر.
علمتني الحياة أن المغالاة في المثالية لا تقود إلى المثالية بقدر ما تقود إلى الإحباط والشقاق.. فالانفصال عن الواقع وصنع عالم آخر مثالي والعيش فيه والتعامل مع الآخرين بمثالية وحسن ظن شديد يوقع في كثير من الأزمات معهم ويؤدي إلى كثير من الصدمات لتوقع الأفضل دائما وعدم افتراض السوء، كما أنه من الخطأ أن يبالغ أي شخص في التضحية والإيثار ليسعد الآخر ويريحه على حساب نفسه ومشاعره، ويداوم على التنازل عن حقوقه والرضا بأقل القليل حتى ينعم بحقوقه كاملة، فمثل هذه التصرفات تؤدي إلى الندم والحسرة والألم، فالاعتدال والوسطية وعدم ظلم النفس وحبها دون إفراط أو تفريط أمور مطلوبة لإحداث التوازن لحفظ حقوق النفس وحقوق الغير.
علمتني الحياة ألا أقف مكتوفة الأيدي ومسلوبة الإرادة أمام من يظلمني ويسلبني حقي في أي أمر ما، وأن أعمل جاهدة على صد هذا الظلم ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وفي حال عجزت عن استرداد حقي وإيقاف من يظلمني عند حده، أفوض أمري إلى الله موقنة بأنه سيعامل من ظلمني بما هو أهله، وسيعوضني خيرا ويرد لي ما سُلِب مني إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة بمشيئته تعالى.
علمتني الحياة أنها سريعة التغير والتقلب، ولا تستقر على حال، فإذا أعطت أخذت، وإذا أفرحت أترحت، وإذا أضحكت أبكت، لذا فالتعلق بها وبملذاتها وهمٌ وعذاب، فما هي إلا معبرنا إلى الآخرة، إن أحسنا السير فيها وتحملنا ابتلاءاتها وأخرجناها من قلوبنا، نلنا ما يرضينا ويعوضنا خيرا في الآخرة بحول الله وقوته.
علمتني الحياة أن أكون معنى ساميا في حياة كل من يعرفني عن قرب، كأن أكون هناءً لكل تعيس، وعطاءً لكل محتاج، وأملًا لكل يائس، ورضا لكل ساخط، وصبرا لكل مبتلى، لأن الأجساد تُبلى، والأسماء غالبا ما تُنسى، ولا يبقى إلا جميل ونبيل المعاني، والسيرة الطيبة، محتسبة كل ذلك عند الله وراجية عفوه ورحمته وثوابه في الدارين.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.