القدر المقدور لا يفرق بين شيخ وشاب ولا بين ذكر وأنثى ، ولا بين مطلوب أو مزهود فيه ، إنه تجلِّى لقانون القهر الإلهى ، ومظهر من مظاهر مساواة البشر كل البشر أمام هذا القانون. • جبار هو ومقتدر ذلك الموت ، يقتحم البروج المشيدة بجدارة ، ويختطف بجسارة من كان فى قائمته وقد جاء دوره ولو كان قامة ومقامًا. • قليلون هم أولئك الذين ارتفعت هممهم لمعالى الخلود بمواقفهم ، فطرقوا أبوابه حتى دخلوا ، وبقيت كلماتهم بعد رحيلهم حية نابضة تحدد موقفًا وتشكل ضغطًا وتوضح فكرة وتهدى حائرًا وتسوق دليلا وتؤرق مضاجع الظالمين. • ولقد كان فارسنا المفكر والعالم الدكتور عبد الحليم عويس واحدًا من هؤلاء . • ولئن فاتته فى وطنه جوائز التقدير برغم عطائه العلمى الذى تجاوز عشرات المراجع لتذهب فى شكل فضائحى لمن يلوثون شرف ثقافة الأمة، فإن جهده فى موازين الله لن يكون هباء ، وعدالة الله تحسب فى موازينه أثار الكلمة الطيبة وتداعياتها فى الزمان والمكان حين تحمل بالأنفاس الطاهرة وتفيض حبًا لله وذودًا عن كتابه وحمية لمنهجه. • فى أحد المؤتمرات بقاهرة المعز التقيت الرجل ولم أكن قد رأيته من قبل. • اسمه فى عالم المعرفة الإنسانية قمر يضىء وشمس لا يخبو لها شعاع، تسبقه إليك كتاباته وكتبه ومواقفه الجليلة، ويشدك إليه إحساسك بأنك انتقلت حضاريًا وإنسانيًا إلى الزمن الجميل. • يتمتع بروح تألف من يقبل عليه فتحبه ويحبك. والإحساس بالزمن يتلاشى حين تستمع إليه فتستمتع روحك ويطيرعقلك فرحًا بالإضافات الجديدة التى تحصل عليها فى تلك الجلسة. • الرجل ثرى فى ثقافته وثرى فى عقله وثرى أيضاً فى عطائه الحضارى المتميز. • على ملامحه تبدو أصالة ابن القرية ، فتواضعه ممزوج بالعزة، وقوة تماسكه ممزوجة بالحنان وقدرته فائقة على تجاوز الصعاب وتحدى المتاعب مهما كانت ثقيلة. • قلبه كبير مثل السماء فى اتساعها، وعقله يزن الوجود بميزان العالِم ، فلا يحتبس فى عصبية للجنس أو اللون. • التقيته وقدمت له نفسى ولم أكن قد شرفت بلقائه من قبل ،وبمجرد ذكر اسمى شد على يدى بقوة قائلا لى: منذ عامين قرأت لك كتابًا بعنوان من قضايا التحدى فى القرن الواحد والعشرين، قلت له معذرة سيدى هو بحث كتبته عن العلامة بديع الزمان سعيد النورسى وليس كتابًا، فقال بلغة الجزم والعزم: قرأته كتابًا وليس بحثا فتعجبت ؟ وأنهيت الحديث حتى لا يدور جدل بيننا وقلت فى نفسى ما هذا ؟ هل الرجل أدرى بنفسى منى؟ وكأن الرجل استشعر ما يدور فى ذهنى فسألنى ماذا عندك اليوم من ارتباطات ؟ فقلت: لا شىء فقط سأعود إلى بيتى، فاستأذن فى زيارتى وحددنا الوقت وكنا فى نهاية المؤتمر، • وفى الموعد المحدد طرق الباب وكان بصحبته صديق من تلامذته، استقبلته مرحباً ، وإذا به يخرج مجموعة من نسخ ذلك الكتاب الذى تحاورنا حوله صباح ذلك اليوم وكانت المفاجأة، أن أحد المطابع المهتمة بتراث ذلك العالم التركى العظيم سعيد النورسى قد حصلت على البحث وطبعته كتابا. • منذ ذلك الوقت توطدت علاقتنا وشعرت أننى قد حصلت على كنز ثقافى ومعرفى من طراز فريد وعجيب فى قاهرة المعز التى يدوم ويتجدد مع الزمان عطاؤها العلمى • عزاؤنا أنه قد شاهد وطنه مصر وقد تخلص من الديكتاتورية والطغاة والاستبداد قبل أن يرحل عن عالمنا • ولا نملك إلا أن نحمد الله ونسترجع فنقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لله ما أعطى ولله ما أخذ وكل شىء عنده بمقدار . وهنيئًا لك أيها الفارس ذلك الجوار الأعظم وعظم الله فيك أجر العلماء وطلاب العلم وخالص العزاء لأسرتك الكريمة. د. إبراهيم أبو محمد مفتى عام القارة الأسترالية [email protected]