كما هو متوقع، اخترق الحوثيون الهدنة التى أعلنوها بداية الأسبوع الماضى، وأحكموا قبضتهم على الجبال المحيطة بمنطقة (دمّاج) اليمنية، فى حصار ظالم لأكثر من اثنتى عشرة ألف نسمة،جلّهم من الأطفال والنساء وطلبة العلم المسالمين، الذين وفدوا لهذه الضاحية اليمنية من كل أرجاء العالم، ليلتحقوا بمدرسة (دار الحديث) الشهيرة. ما يحدث فى اليوم فى (دمّاج) مأساة إنسانية حقيقية، والإعلام العربى والعالمى غائب تماماً عما يجرى هناك إلا من أخبار متفرقة، ولو غطت قناتا (الجزيرة) و(العربية) ب10% فقط من تغطياتها للثورات العربية؛ لانتبه العالم إلى ذلك الحصار الظالم الذى هو مقدمة لحرب إبادة شاملة تجاه أولئك المسالمين، الذين لا يملك بعضهم مسدس يدّ للدفاع عن نفسه، أمام عتاد وأسلحة ودبابات الحوثيين فى تلك المنطقة. الطريف أن قناة (الجزيرة) -فى تغطياتها القليلة-تأتى بمشاركة الناطق الرسمى للحوثيين ويطلق الكذبات تلو أختها، دون أن تعطى فرصة لإخوتنا المحاصرين هناك بتبيان وجهة نظرهم، وهو ما نأمل أن يتغير فى قادم الأيام. ما سبب الحرب؟ يقول الحوثيون فى بياناتهم بأنهم يودّون القضاء على ثكنات للتدريب العسكرى تتبع(دار الحديث) وأولئك السلفيين، وأنهم قاموا بالحصار فقط لإيقاف المدّ العسكرى الخارجى الذى يأتيهم!! طبعاً، هذه شنشة لا تنطلى أبداً على أى عاقل، فطلبة العلم هؤلاء، من تيّار سلفى لا يخوض فى السياسة، ومعروف عنهم أنهم ضدّ الثورات على الحكام، ووقفوا موقفاً مناهضاً من الثورة اليمنية، ورأوا عدم الخروج على على عبد الله صالح، واعتزلوا ذلك كله،وبقوا فى فصولهم الدراسية يطلبون العلم الشرعى، ومنصرفون عن السياسة. فحجة هؤلاء فى بدء الحرب على طلبة العلم العزّل هؤلاء شاحبة ولا تقوم، وما يفضح تهافت هذه الحجة؛أنّ الحصار طال الغذاء والدواء بحسب كل المراقبين والناشطين فى مجال حقوق الإنسان الذين خرقوا هذا الحصار ودخلوا لتلك المنطقة، ورأوا الأهوال وتحدثوا عنها فى مواقعهم، بعد أن أخذ الحوثيون منهم كل كاميراتهم -بحسب الحقوقى والناشط اليمنى مختار الرحبي- وهدّدوهم إن تحدثوا عما رأوه، بل حتى الصليب الأحمر قال فى تقارير محايدة له بأنّ بضعة أطفال يموتون يومياً فى (دماج) بسبب نقص الدواء والغذاء، وأنّ حالة المستشفى مزرية جداً،وقطعت حتى خطوط الهاتف الأرضى والكهرباء. غير أن السبب الحقيقى لهذه الحرب، جاء على لسان الشيخ حسين الحجورى الناطق باسم مركز (دمّاج)العلمى: "يحاربنا الحوثيون لأننا لسنا على مذهبهم، ويريدون فرض مذهبهم بالقوةعلينا بعد أن سقطت محافظة (صعدة) فى أيديهم، وفوق ذلك فهم يسعون إلى أن تكون لهم قوة موازية لقوة الدولة على الأرض حتى يكونوا مثل تنظيم (حزب الله) اللبنانى الذى يعمل كدولة داخل الدولة". هذا التصريح خطير جداً، ولا يعنى اليمن لوحدها بالتأكيد، وواضح أن الحوثيين استغلوا الظرف الأمنى وضعف الدولة اليمنية بسبب حالات التجاذب السياسية، وأرادوا أن يقوموا بتصفية خصومهم التاريخيين والذين كانوا كالشوكة لهم -ولا يزالون- فى جعل منطقة (صعدة) حوثية بالكامل،وطلبة العلم السلفيون هؤلاء، هم العقبة الكأداء أمام جموحهم ومخططهم الذى ينسلك فى المخطط الصفوى العام. وإنى أتساءل أين الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين عن هذه المأساة الإنسانية لطلبة العلم هؤلاء؟ والشيخ القرضاوى ومن معه فى ذلك الاتحاد لا تمرّ ثورة أو تقع حادثة إلا ويصدر بيانات إدانة وشجب وتعريف للعالم بما يحدث، ولكنهم فى هذه القضية ساكتون، وآملا لا يطول هذا السكوت، لأنه لو حدث ما يتوقعه المراقبون إن استمر الحال على ما هو عليه؛فسيفيق العالم على مأساة ومذبحة، وإنه لمن سخف القول ما يردّده بعض الدعاة بأن أولئكم(جامية) أسلطوا أقلامهم فى أعراض العلماء والدعاة، والحقيقة أن هذه الحجج الباهتة لتبرير موقف السكوت وعدم النصرة؛ ليست من المروءة والشهامة فى شىء، أناسٌ على شفا مذبحة، والوقت ليس وقت ملاومة وعتاب، بل نصرة ودعم. لا أملك فى هذه السطور سوى توجيه دعوة مناصرة لإخوتنا فى (دمّاج)، وهمسة –أكرّرها- فى أذن الدعاة والأحزاب والجماعات الإسلامية بأن الوقت ليس وقت معاتبة أو خلاف، بل المروءة والشهامة وقبلهما الدين الذى يأمرنا بنصرة أخوتنا هناك بالدم والمال وأما أخوتنا من أهل السنّة فى داخل اليمن وتلك القبائل اليمنية الأبيّة فإننا نناشدهم نصرة أخوتهم فى (دمّاج)، والتاريخ لن يرحم إن قمنا بخذلان هذه الفئة المستضعفة الأقلّ عدداً، والتى هى قوية بالله تعالى. وعلى العلماء حثّ المسلمين ونفرتهم لنصرة طلبة العلم أولئك الذين رفعوا راية السنّة فى تلك المنطقة خذلاننا لأخوتنا أولئك إيذانٌ بذلّ دائم، وإشارة حمراء إلى أن النار الصفوية ستجتاح الكلّ. [email protected]