أزمة كبيرة تواجهها حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسى، بعد موجة من الاحتجاجات العمالية والفئوية التي انفجرت منذ إصدار السلطات قانون الخدمة المدنية، ومنذ الإعلان عن القانون تتخذ الاحتجاجات منحى تصاعديا، فبعد أن انطلق العمال في مظاهرة حاشدة بوسط القاهرة، في مشهد أعاد للأذهان تحركات المحلة في 2008 التي ما لبثت أن امتدت على مستوى الجمهورية، اعتصم أفراد الشرطة وتحديدا في مديرية أمن الشرقية، للمطالبة بتحسين دخولهم وميزات أخرى. وأقر الرئيس عبدالفتاح السيسي القانون المذكور في مارس ويواجه معارضة من عدد كبير من الموظفين الذين تظاهروا بالآلاف منذ أسابيع في قلب القاهرة ضده، بعد رفض الحكومة الاستجابة لمطالبهم، وتعديل القانون. ويشير مراقبون إلى أن عوامل الغضب تتجمع مجددا في مشهد يعيد للأذهان سحب ما قبل 25 يناير من جديد، حيث لم يشعر قطاع عريض من المصريين بتحسن في مستوى المعيشة والخدمات، على الرغم من مرور أكثر من عامين على الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي في يوليو 2013، وفقا لرصد لمنتدى المحروسة للبحوث والسياسات العامة، أظهر تنظيم العمال 385 احتجاجا خلال شهور (إبريل – مايو – يونيو) العام الحالي.
الحراك العمالى والفئوى قد يمتد لقوى المعارضة وفسَّر الدكتور مختار غباشي، رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، مظاهرات العمال الحاشدة التي انطلقت أمام نقابة الصحفيين اعتراضا على قانون الخدمة المدنية الجديد واعتصام أمناء الشرطة، بحالة الضيق العمالي والشعبي من الخلل المالي والوظيفي والإداري في مؤسسات الدولة، وعدم قدرة الحكومة في التعاطي مع أزمات العمال، وعجزها في توفير متطلبات المواطنين، خاصة في الكهرباء والصحة والتعليم. وقال "غباشي" في تصريحات ل"المصريون"، إن "العمال وصلوا لمرحلة من الضيق تجاه الدولة، بعد أن انتظروا تحركا رسميا، لكن انتظارهم طال وانتهى بخيبة الرجاء بعد أن أكد وزير المالية أن قانون الخدمة المدنية لا رجعة فيه". وأشار غباشي إلى أنه من الممكن أن يتمدد الحراك العمالي والفئوي ليشمل قوى المعارضة، وبالتالي توظيفه سياسيا. وأضاف المحلل السياسي، أن "الإخوان والقوى الشبابية والثورية تبحث عن ظهير شعبي وعمالي ليدفعها في حالة الصراع مع الدولة منذ 30 يونيو و3 يوليو 2013، وتوظيفه لمصالحها السياسية". واستبعد غباشي تكرار تجربة 6 إبريل 2008، موضحًا: "صعب تكرار التجربة لأن الحكومة غير الحكومة، إضافة إلى أن النظام الحالي لن يسمح بأي تظاهرات تخترق الميادين العامة بعكس 2008، وقت أن كانت الميادين متاحة". وتابع: "المسألة متوقفة على قدرة كل طرف في الصمود، فلو صمد العمال ومن خلفهم القوى السياسية في الشارع سيغيرون القانون، وبالتالي فرض المزيد الشروط، وفي الوقت ذاته لو كانت الحكومة قوية بشكل يمكنها من فرض رؤيتها لن تهتم بأي حراك عمالي أو سياسي". وفي السياق ذاته، قال الدكتور حازم حسني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن سحب ما قبل ثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك تخيم على مصر الآن. وتوجه حسني برسالة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي تحذره من أن سيناريو 25 يناير يلوح في الأفق، قائلاً عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "هل يدرك الجالس على عرش مصر أن سُحُب ما قبل يناير قد بدأت تتجمع في سماء الواقع المصري من جديد"؟ وتابع حسني وهو أحد المؤيدين للإطاحة بحكم "الإخوان المسلمين"، متسائلاً: "أم أنه مشغول عن هذه الظواهر المناخية المقلقة ببناء قصور الرمال ومداعبة الأحلام؟ نعم، هي تشبه أجواء ما قبل يناير، لكنها لن تكون يناير.. اللهم احفظ مصر من العابثين والغافلين". ويشار إلى أن نحو 19 نقابة واتحاد مستقل بالقاهرة والمحافظات، أعلنوا اعتزامهم التجمع في مليونية بحديقة الفسطاط بالقاهرة، 12 سبتمبر القادم، لرفض وإسقاط قانون الخدمة المدنية رقم 18 لسنة 2015 والذي ينظم حقوق العاملين في الوظائف الحكومية في الدولة. ويعد اختيار حديقة "الفسطاط" للتظاهر لتفادي إصدار إذن قد ترفضه وزارة الداخلية وفقًا لقانون التظاهر الصادر في نوفمبر 2013 في الوقت الذي يسمح القانون بالتظاهر في أماكن محددة من بينها حديقة الفسطاط وفقا لقرار من محافظ القاهرة الدكتور جلال مصطفى سعيد قرار في ديسمبر 2013 بتحديد مساحة نحو 20 فدانا في حديقة الفسطاط في حي مصر القديمة بإتاحة الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية دون التقييد بالإخطار. 7 مواد جدلية ومن أبرز المواد الجدلية في القانون جدول أجور الموظفين، وطريقة التقييم، والجزاءات، والعلاوات، والحوافز المادية السنوية، والخروج على المعاش المبكر، والتعيينات، فضلاً عن وجود استثناءات في تطبيق القانون على بعض الوزارات والهيئات. وأكدت وزارتا التخطيط والمالية، أن رواتب العاملين بالحكومة لن تتضرر بعد تطبيق قانون الخدمة المدنية، بل على العكس، فإن القانون يكفل زيادات دورية في مستويات أجور العاملين بالجهاز الإداري للدولة من خلال منح علاوات دورية.