يحتفل المصريون فى الثالث والعشرين من شهر يوليو كل عام بثورة صارت عيدا قوميا لهم .فى الذكرى الثالثة والستين يجب أن نتوقف للدراسة والمراجعة،مقارنة بالثورات الكبرى فى التاريخ. كلما تقادم الزمن بالثورة الفرنسية والأمريكية والثورة اليونانية والثورة الإيرانية والثورة البلشفية والثورة الكوبية والثورة المصرية من المفيد رصد تقييم الشعوب لهذه الثورات .فالثورة الفرنسية تركت قيما خالدة ناضل الفرنسيون لتعميمها فى أوربا والعالم وسادت بعد قرن فى التربة الأوربية وحتى الومضات القليلة التى جاء بها نابليون إلى مصر كانت كافية لكى يؤرخ المؤرخون المصريون ببداية تاريخ مصر الحديثة التى كانت ترزح تحت الأتراك والمماليك . ونحن نعتقد أن النهضة التى أحدثها محمد على فى مصر هى استكمال لما أحدثته الحملة الفرنسية التى لم تدم سوى ثلاث سنوات . ولذلك من الخطأ أن يؤرخ لتاريخ مصر الحديثة بالحملة الفرنسية وحدها ،لأنها لولا محمد على لضاع أثر الحملة مع رحيلها. والثورات أحداث كبرى فى تاريخ الشعوب قد يغيب الحدث لكنه يترك القيم التى قامت الثورة من أجلها ،وقد تتحقق بعد ذلك ،وقد تنتظر التحقيق ،لكن المؤكد أن ثورات الشعوب هى إضاءات فى فضاء التاريخ الإنسانى ، ومن الخطأ الحديث عن ثورات ناجحة وأخري فاشلة ولكن الثورات حالة قد تحارب وقد يقيض لها تحقيق أهدافها. أما الثورة الأمريكية فهى ليست التمرد على بريطانيا وطرد جيشها المحتل ،لأن العلاقات بين بريطانيا وأمريكا علاقات ثقافية ولكن الثورة الأمريكية هى هذه القامات العملاقة والأفكار الباهرة،التى جمعت 13 ولاية على دستور خالد أكدت عليه بعد ذلك الثورة الفرنسية ويحتمل أن تكون هذه الثورة قد استعانت بالروافد الأمريكية والبريطانية منذ الماجنا كارتا وثورة كرومويل فى القرن السابع عشر . فالثورة الفرنسية ليست الحدث ولكن هى القيم والمسيرة وشكل المجتمع ولوبعد حين ،والثورة الأمريكية ليست الحدث بل الأثر الهائل الذى أنتج للبشرية ذلك العملاق الأمريكى الذى تصدر مسيرة البشرية فى العلوم والثقافة وغيرها. أما الثورة الإيرانية فهى مثل الثورة الفرنسية ثورة على نمط الحياة ونظام الحكم وتحالفاته التى تجذرت فى فارس ،فإذا بالثوار يلفظون النظام ويقيمون نظاما جديدا بتحالفات جديدة ووجد رفضا اقليميا ودوليا عاتيا لعدة عقود ، حتى تم الإعتراف به دوليا فى اتفاق فيينا فى الأسبوع الثانى من يوليو 2015 ولكنه ليس نهاية المطاف ،هو أحد المكاسب، لكن الثورة مستمرة بما تمثله من قيم الاستقلال والإعتماد على الذات والإعتزاز بالروح الفارسية بصرف النظر عن أوجه النقد الموجهة اليها خاصة في الخارج .وكما كان لافتا أن اصطف كل الإيرانيين فى الخارج وبينهم معارضة شرسة لنظام الجمهورية وهو يشعر بالإعتزاز والإنتصار بإيران الوطن وليس النظام. أما ثورة يوليو فى مصر ،فالحدث ليس هو الثورة ،بل هو انقلاب قام به الجيش فى ظروف معينة ، ولم يزعم أحد أنها ثورة بل كانوا يعتيرونها الحركة المباركة حتي بعد عام 1954ولولا هذه القيم التى رفعها عبدالناصر مثل العدالة الإجتماعية والحرية العالمية والإستقلال الوطنى والأمة العربية وغيرها لما كان بوسعنا أن نتحدث عن ثورة .صحيح أن تطبيق هذه المثل قد نختلف حول صوابه وسلامته،وأزعم أن القيم التى نادى بها عبدالناصر هى نفسها التى جددتها ثورة 25يناير هى نفسها التى رفعت على الأقل فى الحركة الشعبية يوم 30يونيو بصرف النظر عن طبيعة القوى التى وحد بينها اعتراضها سياسيا او نفسيا فى الرغبة فى إبعاد الإخوان المسلمين ..ولذلك لاتزال مطالب يناير معلقة ،وهى تجديد لمثل يوليو 1952 وأرجوا أن تكون حركة 3يوليو 2013 انتصارا لهذه المثل . لكن من ناحية أخرى ، إذا كانت الجمهورية الأولى الممتدة من عبدالناصر إلى مبارك قد تعاقب عليها حكام عسكريون ،فإن 25 يناير كانت تطالب بدولة مدنية ديمقراطية خالية من الفساد وهذه أهداف نرجو أن يتاح للمصريين تحقيقها بصرف النظر عن خلفية من يتصدى لها . إن المشكلة فى مصر هى أن المطلوب من الحاكم ليس فقط تحقيق المثل المعلقة منذ يوليو 1952 ولكن أيضا انشاء نظام سياسى يؤمن بحكم القانون وليس السلطة والقوة العسكرية ويؤمن بالحوار وليس باسكات الخصم المختلف بالسجن أو الإبادة،وعلى أساس أن مصر ملك لكل أبنائها ،ولابد من أن تكون كل الأجهزة فى مكانها ووظائفها بأسرع مايمكن، ولذلك لم يكن صائبا من حيث مستقبل مصر أن تصاغ دساتير 2012،2014 بحيث يحدث خلل فى وضع الجيش كجزء من السلطه التنفيذية ،حتى لو كان هذا الوضع مؤقتا ،فالدستور الخارج عن الأعراف الدستورية لن يكون ضمانا لحماية وضع شاذ صيغ تحت تهديد السلاح أو وهم الحاجة إليه، لأن الواقع أقوي من أي نص. بقيت الثورة الفرنسية لأنها قامت على الحرية وطبقت الحرية ،وكذلك الثورة الأمريكية ،أما الثورة الإيرانية فقد قامت على قيم منها الحرية بمفهوم خاص ، وكذلك الثورة المصرية،ولذلك قامت ثورة 25يناير لاسترداد المعنى المستقيم للحرية والتأكيد على استمرار الأمل فى تحقيق قيم 1952،والعمل على استرجاع الرؤى المدنية الديمقراطية الحقيقية بعد أن عانت مصر من غيابها منذ 1952. الثورة اليونانية هدفت إلى التخلص من الحكم التركى وقد ساندتها أوربا حينذاك فى ثلاثينات القرن التاسع عشر .والدرس المستفاد ،هو أن كل الثورات كانت ضد النظم القائمة أو ضد الاستعمار الخارجى ،وقد زال الإستعمار ،وزالت النظم ولكن قيم الثورة تتحقق فقط إذا كانت تنشد الحرية وتجسد نظاما قادرا على تحقيق هذه الحرية . معضله 25 يناير أنها لم تنشئ نظاما فى بيئة متوازنة لكى تجسد قيمها فى العدل والحرية ،وإنما كانت البيئة لاتزال رخوة . وكان النظام الذى قامت ضده لايزال مشروخا ومحطما نفسيا من قوة الثورة لولا أن المجلس العسكرى قد استأنف نفس النظام بأسلوب آخر وطمأن ذلك النظام ،ثم تقدم الإخوان ليمثلوا الثورة والثوار فى بيئة مربصة ،فكانت القيود والتحفظات عليهم كجماعة إسلامية وسلوكهم مع الثوار وفى الحكم،سببا فى استنفار الثوار ونظام مبارك وظهيره المجلس العسكرى والأقباط لإسقاط الإخوان فى 30يونيو فى انتفاضة شعبية التبس تفسيرها وعلاقتها بيناير على الكثيرين ،ومنهم من قارب بين يناير ويونيو ثم ضرب يناير وأعلى من شأن يونيو، بما قيل أن يونيو استغلت عناصر يناير لضرب يناير ،مما دعا شركاء يونيو واللذين وضعوا أيديهم فى أيدى من قامت يناير ضدهم الي التحفظ على مساريونيو الذى أعاد المجتمع إلى ماقبل ينايرفي تقدير الكثيرين مالم تتحقق أهداف يناير بقوي يونيوومن اهمها نظام مبارك وهو لذلك أمر مشكوك فيه. كانت يناير مدعومة من الاخوان ضد نظام مبارك وكانت يونيو مدعومة بنظام مبارك ضد الاخوان . أما الثوار في الحالين فكانوا ضد مبارك والاخوان حتي لاتقع مصر ضحية تصفية الحسابات بين الطرفين أيهما أحق بمصر ليستبعد الاخر ، رغم تحفظ البعض علي هذه المقاربة.