رصد الدكتور ناجح إبراهيم، القيادي السابق بالجماعة الإسلامية، 4 مشاهد تؤكد سوء تعامل السجون مع السجناء، والتي قد تصل في أحيان إلى حد الوفاة بالأمراض بسبب عدم وجود رعاية طبية. وكان نص مقال "إبراهيم" في صحيفة "المصري اليوم" بعنوان "المشاهد الأربعة بين «السلاموني» و«سيسيلى»:
مشهد (1) ■ أغلقت السجون المصرية تمامًا على أكثر من عشرة آلاف معتقل في منتصف التسعينيات من القرن الماضى.. وبدأ توغل الأمراض الخطيرة بينهم، وعلى رأسها الدرن، الذي فشل أطباء السجون في تشخيصه حتى جاءت لجنة من وزارة الصحة فشخصته وبدأت علاجه.. وكان في سجن الوادي الجديد عنبر للدرن فيه قرابة 500 معتقل.. فضلاً عن السجون الأخرى.. ما أدى في النهاية إلى وفاة قرابة 100 معتقل نتيجة الإهمال في الرعاية الصحية التي كانت تحتاج فقط لبعض الإجراءات البسيطة مثل ثلاجة للأنسولين، حيث توفى عدد من المعتقلين المرضى بالسكر إما لعدم وجود أنسولين أو لفساده لعدم وجود ثلاجة تحفظه.. وكان الخروج للعيادة وقتها أشبه بالمستحيلات.. وتصاحبه وصلة من الضرب والإهانة للمرضى، فالسجون المصرية في التسعينيات أُهدرت فيها الكرامة الدينية والإنسانية للمعتقلين.
مشهد (2)
■ تولى المرحوم اللواء أحمد رأفت إدارة النشاط الديني بالداخلية عام 2001.. وتشجع لفكرة مبادرة منع العنف التي طرحتها الجماعة الإسلامية ونجح في تفعيلها لتكون واقعًا حيًا.. وأقنع رؤساءه ومرؤوسيه بتحسين السجون كمدخل لحل المشكلة.. حتى أصبحت السجون الأفضل في المنطقة العربية.. وأعاد الكرامة الدينية والإنسانية لجميع المعتقلين.
مشهد (3)
■ فى عام 2006 مرض المقدم المتقاعد عبود الزمر مرضًا شديدًا في الثانية فجرًا.. وقد جاوز الستين.. علم اللواء رأفت بذلك فأمر المقدم النجار بنقل الزمر إلى المستشفى فذهب بسيارته الخاصة ونقله دون حراسة أو إجراءات روتينية، واستدعى صديقه استشاري الباطنة المسيحي د. نصيف الذي جاء سريعًا وعالجه ثم أعيد إلى السجن. ■ أما اللواء خالد خلف الله، مفتش الوادي الجديد وقتها، فقد كان يزمجر في التليفون لنقل معتقل مريض من سجن الوادي إلى مستشفيات أسيوط لإجراء جراحة دقيقة. ■ أما اللواء دكتور سامي الكيلاني، الحاصل على زمالة الجراحة الملكية البريطانية، فقد جاب السجون وأجرى مع زملائه مئات الجراحات الدقيقة.
■ لقد انتعشت المنظومة الصحية في السجون بطريقة حضارية لم يسبق لها مثيل بدءًا من 2001 حتى قيام ثورة 25 يناير.. فهي الفترة الذهبية للرعاية الصحية وكذلك التعليمية والإنسانية بالسجون.
مشهد (4)
■ دخل المحاسب عزت السلاموني السجن منذ عدة أشهر على ذمة النيابة فى قضية التحريض على التظاهر.. لم يحمل سلاحا أو يصدر عليه حكم فى قضية عنف.. ومنذ أسبوع كان صائما فتلوى من شدة الألم فى بطنه.. استغاث زملاؤه كثيرا لكى يذهب لمستشفى السجن دون جدوى منذ المغرب حتى منتصف الليل.. لم يكن هناك طبيب مناوب فى سجن استقبال طرة.. استعانوا باستشارى باطنة سجين وشخّص حالته بأنه انسداد معوى حاد.. ظل السلاموني يتلوى طوال الليل والاستغاثات تتواصل حتى طلع نهار الثلاثاء 28/7/2015 نُقل أخيرا إلى مستشفى الليمان.. وهو أهم مستشفى فى السجون المصرية.. قرروا حاجتهم لجراحة في مستشفى جامعي.. ذهب إليه بعد يوم، طلب المستشفى 450 جنيها ثمنا للأشعة لإتمام التشخيص.. لا يجوز للسجين أن يحمل نقودا ولا يستطيع أحد من أفراد قوة الترحيل أن يتكلف مثل هذه المصاريف خاصة أنها تتكرر معهم.. أعادوه إلى السجن مرة أخرى.. كل ذلك وهو يعانى من عربة الترحيلات وكلابشاتها والآلام التي تمزق بطنه.. انتظر عدة ساعات حتى تتم الإجراءات ليعود إلى زنزانته.
■ فجر الأربعاء 29 / 7/ 2015 يزداد الألم أكثر وأكثر فى بطن السلامونى.. تتعالى أصوات العنبر بكل الاستغاثات.. أخذوه ثانية إلى مستشفى السجن تمهيدا لنقله إلى مستشفى الليمان ثم قصر العينى ولكنه فارق الحياة بعدها بيوم واحد.
■ لقد حكي لي أحد الأطباء أن كل الترحيلات إلى المستشفيات تتم بعد ترحيلات النيابة والمحاكم.. فيذهب المريض إلى قصر العينى الساعة الثالثة أو الرابعة عصرا بعد انصراف الأطباء فيعود خالى الوفاض ثم يذهب إلى ربه سريعا.
■ السجين لا يملك من أمره شيئا، وسجانه يملك علاجه وطعامه ورؤية أهله وحتى الهواء الذى يتنفسه.. هو فى النهاية إنسان حتى لو اختلف معك.. هو مواطن.. وإن لم تعتبره كذلك فاعتبره أسير حرب وعامله بقوله تعالى: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا».. أو عامله كالدجاجة الأمريكية «سيسيلى» التى ركّبت لها صاحبتها ساقا صناعية تكلفت 20 ألف جنيه فى ولاية ماساشوسيتس.
■ والسجون المصرية ممزقة بين وازعين هما الأمن والإنسانية.. والضابط دائما يعاقب على الأمن ولا يعاقب على الإنسانية.. وعلى رأس الأخيرة العلاج والطعام.
■ وإذا كان هناك سجين على ذمة النيابة ولم يمارس عنفا ويعانى من السرطان ولم يصدر عليه حكم.. فما المانع من إطلاقه، فهل تخشى دولة قوية وعريقة من إطلاقه ليموت بين أهله؟
■ ولماذا تتحمل الدولة إبقاء سجناء بعضهم جاوز الثمانين أو بينهم وبين الموت شبر وتتحمل مسؤوليتهم أمام الله والناس؟
■ لقد أطلق المرحوم رأفت آلاف المعتقلين، وبعضهم كان خطيرا، بعد أن كسب ودهم وثقتهم.. وسمح لبعضهم بأن يزوروا بيوتهم ويعودوا دون حراسة لأنه صدقهم فصدقوه.. وأكرمهم فأكرموه.. وأحسن إليهم فأحسنوا إليه.
■ رحم الله مصر.. رحم الله الإنسان فى داخلنا قبل أن يمضى دون رجعة.