على قناة الناس، وفى حلقة "مصر الجديدة" التى يقدمها الشيخ خالد عبدالله، وشاركت فيها يوم الثلاثاء الماضى، مع الخبير الإعلامى الشهير الأستاذ ياسر عبد العزيز، جرى نقاش حول حوار نقلته "المصريون" عن إحدى الفضائيات المصرية الخاصة، مع الداعية السلفى الكبير فضيلة الدكتور ياسر برهامى.. وكان موضوع الجدل والذى شارك فيه أيضا بمداخلة عبر الهاتف الدكتور برهامى.. قول الأخير إن الهدف الرئيس لوجودهم فى البرلمان هو "إقامة الدين". تصريحات برهامى اعتبرها البعض "سابقة لأوانها".. وفسرت بأنها "يوتوبيا" إسلامية، تحلق بعيدا عن الواقع الموضوعى وعن أحلام وأشواق واحتياجات الناس.. وأضيفت إلى سلسلة التصريحات التى اعتبرت "خشنة" عشية دورة الإعادة من الجولة الأولى للانتخابات، وأثمرت نتائج مؤلمة بالنسبة للتيار السلفى وكان أبرز تجلياتها "هزيمة" المهندس عبد المنعم الشحات فى معقل السلفية المصرية بالإسكندرية ود. محمد يسرى فى مدينة نصر وهى منطقة تتوازن فيها المزاج الدينى مع المدنى.. وبها وجود سلفى كبير كان يكفى لمنح يسرى بطاقة العضوية فى برلمان الثورة. والحال أن تصريحات "برهامى" بشأن "إقامة الدين".. تأتى فى سياق "البنية التراثية" المؤسسة للحالة السلفية على تنوعها، والتى تستقى وعيها بعلاقة الدين بالدولة من الخبرة السياسية الإسلامية فى عصر الخلافة. فمن الثابت أن ثمة قلقا على "استقرار" الدولة.. كان عادة ما تهيمن هواجسه على الفقهاء المسلمين عبر التاريخ الإسلامى.. إذ ظل "إقامة الدين" مشروطا ب"بقيام الدولة".. فإذا انهارت الأخيرة.. اختفت الأولى بالتبعية. وهو افتراض صحيح.. جرى اختباره تاريخيًا مع التجربة العثمانية.. فعندما ألغيت دولة الخلافة "انهيار الدولة".. اختفى بالتبعية الإسلام السياسى والحضارى.. ولم يتبق منه إلا الإسلام "الشعائرى" إذا جاز التعبير، وهى الحالة التى لا يزال عليها الإسلام منذ عام 1923، وإلى الآن.. ولذا لُصقت ظلما صفة "فقهاء السلطان" على بعض العهود التى شهدت اضطرابات سياسية كبيرة فى الدولة الإسلامية.. وهو اتهام ظالم من أساسه، إذ لم يكن يومًا ثمة "فقيه سلطان" إلا حالات استثنائية لا تمثل القاعدة أو الأصل.. وإنما ظهر علماء وفقهاء انحازوا إلى "الاستقرار" لضمان بقاء الدولة حماية للدين.. وهى النظرة العميقة التى ثبت صحتها بعدها مع ظهور كمال أتاتورك فى تركيا. ولعل هذا الوعى بالتاريخ.. يفسر معنى تصريحات الشيخ ياسر برهامى.. فهو سليل المدرسة السلفية التى تمتد أصولها إلى هذا المذهب السياسى الذى يراهن عادة على قوة الدولة واستقرارها لإقامة الدين. [email protected]