عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سنة العراق ...إشكالية المشاركة وهاجس الانسحاب
نشر في المصريون يوم 28 - 01 - 2006

هناك من يعتقد أن ضعف الموقف السني في التفاوض والضغط ناتج عن كونه لا يمتلك إقليماً سُنياً واضح المعالم، فيه مقومات الإقليم الذي يستطيع أن يقف على قدميه ويشكل بعداً وعمقاً للسنة وملاذاً يستطيعون الاحتماء فيه من نار الطائفية، وبالتالي فإن الطرف الشيعي يستطيع أن يفرض ما يريده لأن لديه ملامح عامة لإقليم قائم على الأرض فيه من المقومات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية ما يؤهله للوقوف في وجه أي مشروع وطني إذا ما تعارض مع مصالحه الفئوية منذ الأيام الأولى لاحتلال العراق واغتصاب أرضه وتدنيس كرامة أهله: انقسم الشارع العراقي إلى صفين: صف مناصر للمحتل وسائر في ركابه، أو على أقل تقدير قابل بالأجندة الأميركية غير معارض لها، معتقداً أنها الطريق الوحيد لوصوله لسُدة الحُكم التي سال لها لعابه منذ عقود خلت من الزمن، ومحاولاً التبرير لموقفه هذا بدعاوى المظلومية والحرمان، وكان الممثل لهذا الصف كل من الشيعة ذوي الولاء الإيراني والأكراد وطيف من بعض القوى الليبرالية العلمانية القادمة من الخارج. أما الصف الثاني: فكان معارضاً ومقاوماً لهذا الوجود الاحتلالي الاستعماري الأميركي، ولم يأتلِ هذا الصف جهداً ولا مسلكاً إلا وسلكه في طريق مقاومته لهذا الاحتلال، وكان هذا الصف ممثلاً بالعرب السنة. هذا الموقف الثاني أتى من كون السنة متحررين من عقدة النقص والمظلومية، مع يقينهم-وما شهد عليه الواقع-من أن صدام ونظامه المخلوع إن عدل في شيء فكان عدله في تقسيمه لظلمه على فئات شعبه، لذلك كان تحرير العراق والحفاظ على وحدته هو برنامجهم الوطني الذي سعوا من أجله. * الموقف السني والمشاريع الأخرى والشارع السني هو الآخر تعددت فيه الرؤى وانقسمت حول الآليات التي يجب أن يتعاملوا بها مع الواقع الجديد، والذي برزت فيه أربع مشاريع رئيسة هي باختصار: 1. المشروع الأميركي الاستعماري: أداة تنفيذه عسكرية، ترافقها أجندة سياسية غير واضحة المعالم يشوبها شيء من الغبش في الرؤية، تتخبط بين اللوبي الصهيوني الضاغط لتجزئة البلد، وبين أجندة أميركية قائمة على الهيمنة دون التقسيم. 2. المشروع الشيعي المداهن للاحتلال الأميركي والمدعوم من قبل إيران: ويعتبر امتداداً لمشروع (تصدير الثورة الإيرانية) للمنطقة، وهدف هذا المشروع الشيعي: التغلغل في مرافق الدولة العراقية ومحاولة السيطرة على الجيش والأجهزة الأمنية والاستفراد بالقرار السياسي، مستعيناً على ذلك بالفراغ الذي تركه العرب السنة من خلال انسحابهم من المشهد السياسي ومن مؤسسات الدولة. ويبدو أن لهذا المشروع محورين للحراك: الأول: محاولة السيطرة على المدن الجنوبية ذات الصبغة الشيعية وابتلاعها. الثاني: محاولة التغلغل ومشاركة العرب السنة في مناطقهم، واقتضام بعض المناطق منهم، مستعينين بأجهزتهم الأمنية لتحويل المناطق السنية إلى جحيم لا يُطاق. 3. المشروع الكردي: وهو مشروع قومي انفصالي تحركه العصبية القومية، مستغلة الانتهاكات والمضايقات التي مارسها صدام ونظامه على الكرد، فتعمل القوى المتنفذة في كردستان من خلال الثقافة التي تروج لها، على تسويق مواقف صدام ونظامه بأنها مواقف العرب العراقيين لتضمن حماسة الشارع الكردي لفكرة الانفصال وإعلان الاستقلال. وهذا المشروع مداهن للاحتلال، مرحبٌ به، معترف له بالفضل، مستعد للتحالف مع أي كان من أجل تحقيق أجندته ومطامحه. 4. المشروع العلماني: وهو مشروع مدعوم إلى حد ما من قبل أميركا، هدفه تغريب العراق وإخراجه من صبغته الإسلامية إلى الأنماط الغربية في بناء المجتمعات وأساليب الحكم وتوزيع الحريات. * آليات المواجهة للعرب السنة وسط هذا الجو الممتلئ بالتيارات المتناقضة، انقسم العرب السنة إلى عدة توجهات، أهمها: 1. تيار يؤمن بالمشاركة السياسية، معتبراً إياها لوناً من ألوان المقاومة والجهاد السياسي، وذلك لوقف المشاريع الأربعة الأخرى، أو على الأقل وقف المشاريع الثلاث الأخيرة آنفة الذكر، متعللاً بالسياسة الشرعية، وغير معارض للعمل العسكري المقاوم، معتبراً إياه جزءً مكملاً وأساسياً لمواجهة المشروع العسكري الأميركي. 2. تيار مقاوم عسكري عراقي بأجندة وطنية، يبتعد عن العملية السياسية، لكنه غير معارض أو معترض على التيارات السنية المشاركة فيها. 3. تيار عسكري مقاوم بأجندة خارجية -إلى حد ما-، معترض على العملية السياسية، وله مواقف عدائية من القوى السنية المشاركة فيها، ولا يؤمن بأي عمل سياسي. 4. تيار سلمي مقاطع ومعارض للعملية السياسية، يعتقد أن المشاركة فيها تعطي شرعية للمحتل، لا يأبه لضياع مؤسسات الدولة ولم يُقدم مشروعاً عملياً واقعياً لمواجهة المشاريع الأربعة الأخرى. * العرب السنة والأداء السياسي المتعثر ووسط هذه الصورة جاء الأداء السياسي السني المتعثر، ابتداءً بدخول مجلس الحكم والحكومة التي شكلها بريمر، ثم حكومة علاوي، لينسحب من بعد ذلك العرب السنة على إثر اجتياح الفلوجة، وليعلن العرب السنة وقتها انسحابهم من العملية السياسية، تاركين الساحة للمشاريع الأخرى التي وجدت في ذلك فرصة ذهبية للوصول إلى غاياتها التي عملت عقوداً من الزمن لأجلها. وشكلت مقاطعة العرب السنة للانتخابات الأولى فرصة سانحة للشيعة والكرد، مكنتهم من تقاسم الحكومة والبرلمان الذي كتب دستوراً مرعباً للمستقبل العراقي، كُتب ليمثل الأجندة الشيعية والكردية، وبقى العرب السنة يشجبون ويستنكرون وينددون بهذا الدستور الذي عجزوا عن إسقاطه في ثلاث محافظات سنية بعد تزوير المفوضية العليا للانتخابات نتائج الاستفتاء على الدستور. وتحت ضغط مجازر وانتهاكات وحملات الإبادة للقوى الأمنية لوزارتي الداخلية والدفاع ذات التركيبتين الطائفتين وجد العرب السنة أنفسهم قد فقدوا أشياء كثيرة، مما دفعهم لدخول الانتخابات الثانية مجتمعين تحت مظلة جبهة التوافق العراقية، معتبرين بأنها الفرصة الأخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. * صدمة النتائج والموقف الجديد وجاءت انتخابات منتصف كانون الأول 5 لتلقى تجاوبا ومشاركة واسعة نسبياً للعرب السنة الذين اضطروا للانخراط في العملية السياسية تحت ضغط الواقع والمتغيرات العديدة التي فرضتها المرحلة، ولكن الرياح لم تجر بما تشتهي السفن، فقد فُتح باب التزوير واسعاً ليعطي مؤشراً واضحاً على تقدم ملحوظ للمشروع الشيعي الذي ألمحنا أنه يريد ابتلاع المحافظات الجنوبية ذات الصبغة الشيعية ويشارك السنة في مناطقهم، وهو تماماً ما حدث. وبنظرة عابرة في نتائج الانتخابات ستجد ذلك واضحاً جلياً، ففي المحافظات الجنوبية والوسطى التسع كانت كل المقاعد تقريباً للائتلاف الشيعي، ولم تحظ أي من القوائم الأخرى بشيء، حتى قائمة علاوي التي كان من المؤمل أن تحصل على نسبة لا بأس بها في المحافظات الجنوبية، لم تتحصل على شيء يذكر. ومن جهة أخرى، حصل الائتلاف الشيعي على مقاعد تفوق نسبة الشيعة في بغداد، وبشكل فاضح بدا فيه التزوير جلياً، بل الأتعس من ذلك حصول الائتلاف على مقاعد عديدة في ديالى وصلاح الدين والموصل. ومن الإفرازات الغريبة لنتائج الانتخابات العراقية، والتي تخالف المعايير الدولية، هي أن يحظى الائتلاف الشيعي ب33% من مقاعد محافظة ديالى التي يمثل الشيعة فيها 35% من السكان، في حين أن العرب السنة في البصرة لا يحصلون إلا على أقل من 7% من الأصوات وهم يمثلون 35% أيضاً من سكان البصرة. وانطلاقاً من هذا الواقع الجديد، وجد السنة أنفسهم مرة أخرى في موقف حرج لا يُحسدون عليه، فهم بين مطرقة المشاركة في العملية السياسية بهذه النسبة من المقاعد التي أفرزتها نتائج الانتخابات (التي طعن بها أكثر من خمسين كياناً سياسياً)، وبين سندان الانسحاب من العملية السياسية برمتها والعودة لصفوف المعارضة من خارج البرلمان، والذي جربه العرب السنة على مدى السنة والنصف المنصرمة، ولم يجنوا منه شيئاً يستحق الذكر سوى القتل والاعتقال وهدم البيوت، فكل من الشيعة والكرد له مشروعه الذي خطه لنفسه دون أن يلتفت للمنسحبين، وأميركا هي الأخرى لم تأبه لذلك الانسحاب السني، بل زادت من ضغطها على المناطق السنية في طريق محاربتها للمقاومة العراقية الباسلة. * مبررات خيار الانسحاب الجديد إن الداعين للانسحاب من العملية السياسية وتركها مرة أخرى للآخرين لهم رؤاهم ومبرراتهم التي يرون أنها منطقية، منها: 1. إن دخول العرب السنة للانتخابات كان الهدف منه تغيير الدستور كما أعلن وقتها، هذا من جانب، ومن جانب آخر: رفع المظالم التي لحقت بالعرب السنة من قبل وزارتي الداخلية والدفاع، وعليه فإن نسبة تمثيل العرب السنة لا تؤهلهم لعملية تغيير الدستور كما وعدوا الجماهير، لأنهم لم يصلوا أصلاً إلى نسبة الثلثين التي تؤهلهم لطرح الفقرات المعدلة للاستفتاء للتصويت عليها من قبل الشعب، والتي من الوارد جداً أن تلغى من قبل ثلاث محافظات جنوبية أو كوردية إذا عارضت الأجندات الخاصة بهم. 2. كما يبدو من التسريبات من خلف الأبواب المغلقة لأروقة السياسة العراقية، فإن الائتلاف الشيعي عازم على تشكيل حكومة وحدة وطنية تعطى فيها وزارة بلا سلطة للعرب السنة من باب الإرضاء ليس إلا. 3. يرى أصحاب هذا الرأي أن دخول العرب السنة انطلاقاً من هذه الرؤية سوف يعطي شرعية سياسية للبرلمان أو مجلس النواب القادم وللحكومة المنبثقة عنه من غير أن يحقق للسني العربي ما يصبوا إليه. 4. إن أصحاب نظرة الانسحاب يعتقدون أنه من الأنسب أن تحافظ القيادة السنية على قاعدتها الجماهيرية من خلال عدم المشاركة، لأنها لا تستطيع أن تفي بالوعود التي قطعتها على نفسها للجماهير، وبالتالي فإن بقاءها خارج اللعبة السياسية سوف يعزز من التفاف الجماهير حولها، هذا على ما يرى أصحاب هذا الرأي. 5. أصحاب هذه النظرة يعولون على فشل الحكومة القادمة بالوفاء للشارع -العراقي عموماً والشيعي خصوصاً- بالوعود التي قطعوها على أنفسهم، هذا من جانب، ومن جانب آخر تنامي الوعي الانتخابي للناخب العراقي وتحرره من عقدة التصويت انطلاقاً من الدوافع الطائفية والمذهبية، وبالتالي فبالحفاظ على الناخب السني والظفر بدعم الناخب الشيعي-وربما الكردي- فإنه من الممكن في الانتخابات القادمة وبعد أربع سنوات أن يصوت الناخب العراقي لمشروع إنقاذ وطني حقيقي يضمن وحدة وسلامة العراق. 6. أصحاب هذا التوجه يعولون على العمل العسكري المقاوم وما يوفره من ضغط على الأميركان وعلى الحكومة القادمة على حد سواء، وما يشكله من عدم استقرار في الوضع الأمني الداخلي، وهذا ما يشكل حجر عثرة أمام القوات المحتلة لانسحابها من العراق، وكذلك ما يمثله من تعويق حقيقي في وجه الحكومة القادمة، وبالتالي وتزامناً مع الأداء الحكومي الذي من المتوقع أن يكون سيئاً فإن هذين العاملين ربما سيولدان تياراً جماهيرياً عراقياً سيضغط لإسقاط الحكومة والبرلمان قبل انتهاء الدورة الانتخابية القادمة. * مسوغات دعاة المشاركة إن الداعين للمشاركة في العملية السياسية والاستمرار بها وفق نتائج الانتخابات الأخيرة على ما هي عليه من تزوير وتمثيل غير متوازن، لديهم ما يرونه مسوغاً لمشاركتهم: 1. إن العرب السنة جربوا الانسحاب من العملية السياسية في المرة السابقة وعملوا كمعارضة من خارج البرلمان والحكومة، لكن ذلك الدور لم يجد نفعاً، بل على العكس فإنه وفر فرصة لتفرد الشيعة بالقرار السياسي، كما إن المظالم والانتهاكات والاعتقالات وإشعال المناطق السنية بنيران الأزمات لم تتوقف بهذا الانسحاب. 2. لابد من وجود طرف سني داخل قبة البرلمان والحكومة يعمل كشريك في الوطن مع الآخرين ويُقرب وجهات النظر ونزع غلواء الطائفية محاولاً بذلك التقريب بين الجميع ليندفعوا باتجاه مشروع إنقاذ وطني للبلد. 3. الداعون للمشاركة يرون أن ما حصل عليه السنة وبالتحالف مع قوائم أخرى لها نفس التوجهات أو تقترب منها من الممكن لهم أن يُغيروا شيئاً من الدستور، وإن عليهم المحاولة وبذل الجهد قدر الإمكان، وهو برأيهم أفضل من الانسحاب المباشر قبل المحاولة. 4. إن الانسحاب سوف يرمي البلد في أتون مرحلة مجهولة ومخيفة، وسوف يزيد من تدهور الوضع الأمني، والذي قد يفتح الباب أمام حرب أهلية لا تحمد عقباها، وبالتالي فإن المشاركة والتغير البطيء من الداخل هو أفضل من الانسحاب وترك البلد في مهب الفتنة. 5. أصحاب هذا التوجه يرون أن العرب السنة جربوا خيار
المقاومة العسكرية لوحده، وقد أثمر ذلك الخيار عن توليد ضغط قوي على الجانب الأميركي استثمره واستفاد من نتائجه الشيعة ، وخرج السنة صفر اليدين، فبدل أن يشعروا بالتحرر وجدوا أنفسهم أسرى لحكومة ذات أجندة خارجية-أو على الأقل طائفية-، وعليه فلابد من وجود طرف سني سياسي يستثمر الضغط الذي تمثله المقاومة العسكرية وتوظيفه ضمن مشروع وطني شامل. 6. إن التأثير الفاعل للمشارك السياسي ليس بمقدار ما يملك من مقاعد في الحكومة والبرلمان وإنما بما يملك من ثقل حقيقي على الأرض، من أوراق للضغط، ومن كيان سياسي واجتماعي صلب قائم كحقيقة واقعة على الأرض، وبالتالي فإنهم يرون أن العرب السنة لو امتلكوا هذا الثقل على الأرض، فإنه سوف يجبر النقص الذي حصل في مقاعد البرلمان والحقائب الوزارية جراء التزييف في نتائج الانتخابات. * الهمس الخافت لإقليم سُني هناك من يعتقد أن ضعف الموقف السني في التفاوض والضغط ناتج عن كونه لا يمتلك إقليماً سُنياً واضح المعالم، فيه مقومات الإقليم الذي يستطيع أن يقف على قدميه ويشكل بعداً وعمقاً للسنة وملاذاً يستطيعون الاحتماء فيه من نار الطائفية، وبالتالي فإن الطرف الشيعي يستطيع أن يفرض ما يريده لأن لديه ملامح عامة لإقليم قائم على الأرض فيه من المقومات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية ما يؤهله للوقوف في وجه أي مشروع وطني إذا ما تعارض مع مصالحه الفئوية، كما أن الكرد لديهم إقليمهم المستقر والمنظم منذ قرابة الخمسة عشر عاماً، وبالتالي فإن موقفهم أيضاً فيه شيء من القوة. أصحاب هذه النظرة يعتقدون أنه إن لم يقم إقليم سني فيه قوة عسكرية سنية، فإن الطرف الشيعي سيستمر في ممارسة الضغط على المناطق السنية بأجهزته الطائفية، وبالتالي سوف يزيد من النار المشتعلة في هذه المناطق، وهو ما يضعف من قابلية المفاوض السني/ لأنه سيكون مهيأ لإعطاء التنازلات من أجل ضمان أمن وسلامة المناطق السنية ووقف إرهاب الدولة المنظم. إن من يؤيد إقليم سني يعلل موقفه هذا بأن الهدف من وراء هذا الإقليم هو تحقيق التوازن مع الفدراليات الأخرى كخطوة أولى لإقناع الأطراف الأخرى لتبني مشروعاً وطنياً، باعتبار أن الجميع يتساوون أو يتقاربون في الوجود الحقيقي على الأرض، وهم، أي المؤيدون لإقليم سني، يميلون إلى الانسحاب من العملية السياسية والالتفات بجدية إلى إنشاء إقليم للسنة العرب يشكل عنصر توازن حقيقي بدلاً من المشاركة في عملية سياسية غير متوازنة. * الحلول البديلة والموقف الوسط لو نظرنا إلى هذه الاتجاهات الثلاث، والتي من الصعب أن تجد نقطة تلاقي بينها على شكلها الحالي، من الممكن أن نجد موقفاً وسطاً يمكن أن يكون حلاً بديلاً ونقطة تلاقٍ لهذه الأفكار المتضادة في ظاهرها. والحل ربما يكون بالمشاركة في العملية السياسية داخل المجلس النيابي والحكومة، على شرط أن تكون هذه المشاركة لتسعة أشهر فقط، وهي فترة كافية لتقويم أداء الكتلة السنية وحلفائها، وبعد التسعة أشهر إذا كان التقويم سلبياً تُلزم هذه الكتلة بالانسحاب من العملية السياسية، وترتبط المشاركة بجملة خطوات: 1. تشكيل كتلة من خلال التحالف مع الكتل الصغيرة الأخرى. 2. السعي للحصول على نسبة الثلث في البرلمان من خلال هذا التكتل من أجل امتلاك حق نقض القرارات، ومن ثم تفعيل هذه الكتلة داخل المجلس النيابي، وبالتالي إرغام الأطراف الأخرى للعودة إلى مبدأ التوافق الذي من الممكن أن يكون صمام أمان لمجمل العملية السياسية. 3. أن تضغط هذه الكتلة للحصول على منصب رئاسة الجمهورية بالإضافة لإحدى الوزارتين الأمنيتين الرئيستين: الداخلية والدفاع. وتأتي أهمية منصب رئاسة الجمهورية وإن كانت صلاحياته محدودة لأمرين رئيسين: أولاً: تدويل قضية العراق وفضح الانتهاكات الحكومية في حال حدوثها. ثانياً: في حالة الانسحاب من العملية السياسية، فإن ذلك سوف يكون له أثراً بالغاً، وسيشكل ضغطاً دولياً من الممكن أن يعيد شيئاً من التوازن، أو يكون عاملاً مضافاً لإحداث التوازن. 4. إن على المطالبين بإنشاء إقليم عربي سني أن يعلموا أن هذا المطلب يحتاج إلى ميزانية اقتصادية، وهذه الميزانية ترسمها وتحددها الحكومة ويقرها المجلس النيابي، وبالتالي فإن عدم المشاركة في الحكومة والمجلس النيابي يعني في مضمونه أن هذه الميزانية سوف لا تتوفر، لأنه ليس من المعول على الحكومة التي يغيب عنها السنة أن تنصفهم وتخصص لهم من الموارد ما يؤهلهم لبناء بنية تحتية باستطاعتها تشكيل إقليم بشيء من القوة، وبالتالي فإن المشاركة في العملية السياسية يوجه أساساً لبناء إقليم من خلال الضغط للحصول على موازنة مالية معقولة. 5. إن المشاركة المشروطة لتسعة أشهر ستكون أكثر جدوى لأنها ستشعر الشارع السني خصوصاً والعراقي عموماً بأن من اُنتخبوا قد قاموا بالدور الذي عليهم ولم يخذلوا أنصارهم وحاولوا قدر الإمكان، ولكن الفرقاء السياسيين الآخرين لهم توجهات تمثل مصالحهم الضيقة، ولا يمكن الاستمرار معهم في مشاركة سياسية، وبالتالي فإن هذا الموقف سوف يعزز من التفاف هؤلاء الأنصار حول قيادتهم ويضمن إلى حد ما تكاثر المؤيدين من أنصار القوائم الأخرى. بقي أن نقول: إن هذه مجموعة من الرؤى والتصورات وتوصيف للحالة العراقية على مدى السنوات الثلاث الماضية، وهي محاولة لتسليط الضوء على الايجابيات والسلبيات في المشاريع السنية المطروحة على الساحة، ثم هي رؤية للحل الذي من الممكن أن يكون بديلاً بين أصحاب نظرة الانسحاب الفوري من العملية السياسية وبين المتشبثين بها. المصدر : العصر

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.