حافلة هي ، أفهمها مستوردوها كينونتها تدليسا بأنها ماكينة تفريخ بشرية، وظيفتها تكديس المواطنين في أنبوب صفيح يمشي الهوينا ، في شوارع تزين جوانبها تلال من المخلفات والقمامة ،جمع بعضها في هيئة منتظمة على الشكل الهرمي المحبب لدى المصريين ،و بعثرت الاجزاء الأخرى كيفما أرادت لها الأقدار أن تستقر ذات اليمين و ذات اليسار ، لتعطي شكلا سرياليا جديدا على شوارع الاسكندرية ، وكل حين تقف الحافلة فجأة وسط زعيق ابواق السيارات المعترضة ، و تلفظ جسد أحدهم في أحد أماكن لفظ البشر على أم الطريق نفسه، و قد تخلص من جحيم الحر و الرطوبة و القذارة داخلها لينعم خارجها بالرطوبة و القذارة فقط . و ما ان مرت هذه الحافلة الحبلى بالمواطنين جواري ، حتى ملأت الضحكة شدقي، فقد ألصق السائق ورقة جميلة على الزجاج الخلفي للحافلة ، عليها صورة رائعة للإسكندرية ، كتب عليها " ابتسم أنت في الإسكندرية " و كأن زائري الاسكندرية و قاطنيها سينسون مشاهد القمامة و الشوارع المزدحمة في عشوائية بمجرد رؤيتهم للصورة، تداعبهم كلماتها فيتذكرون أن الحظ قد ضحك لهم عندما أوقعهم في براثنها ، و لم يضحك للآخرين المساكين الذين لابد و أنهم يعيشون ليالي أسود من ظلمات البحر اللجي في المحافظات الأخرى . و بالطبع الصورة قد ألصق وجهها من الداخل ، فالمستور مكشوف ، و ان كان لابد من أن يُخدع أحدهم ، فليخدع ذلك الأبله الذي سيبتسم لصورة الاسكندرية المزيفة ، و على العموم هم لم يخطئوا كثيرا فبالتأكيد هي قد كتبت للأوفر حظا خارج الحافلة . هذا هو حال مصر تحديدا ، فليس المهم ما تفعله بنا في الداخل طالما أننا – نوهم – من في الخارج أن مصر هي جنة الله في الأرض ، و أنها أم الدنيا ،فاذا ما حضر أحدهم ليستطلع الجنة عن قرب ، أوهمناه اننا نحيا في سعادة وسط أكوام العشش الصفيح و الشوارع المهترئة و برك الصرف الصحي، في انعدام من النظافة و التعليم و الصحة و المعيشة الآدمية ، فاذا انتقد أحدهم الأوضاع ، نظرنا اليه من عُليّ باشمئزاز ، متهمين إياه بالحقد و الغيرة مطالبين أن يغادر الجنة لأنه يغار من روعة مصر و بهائها ، مرديين تحيا مصر ... تحيا مصر. وهذا أيضا ديدن أغلب المشاريع القومية التي لم يتحقق منها على الأرض إلا النذر اليسير ، انتهاء بمؤتمر شرم الشيخ الذي خرج في أروع صورة ممكنة، وأخرجت معه الماكينة الاعلامية الحكومية لسانها إلى الإخوان المسلمين ، الذين لابد و أنهم ضربوا بأقدامهم الأرض بكاء و حسرة على انجازات تاريخية ، لم يستطيعوا تحقيقها لأنهم عملاء لقطر طبعا و لا يحبون مصر ، أما المخرجات الحقيقية للمؤتمر و ما تحقق و مالم يتحقق ، و هل تحسنت الظروف المعيشية للمواطنين بعدها أم لم تتحسن ، فذلك لا يسترعي انتباههم في شيء ، المهم أنهم أغاظوا الإخوان المسلمين . قياسا على ما سبق ، لم أجد نفسي متعجبة عندما بلغت مسامعي الدعوة التي وجهتها سيدات من مختلف الأحزاب والقوى السياسية، للمشاركة في الفرحة بافتتاح مشروع قناة السويس الجديدة، من خلال إطلاق «1000 زغرودة» موحّدة بميدان التحرير، من منطق " اللى يوجع الإخوان، زغرودة حلوة ترن في الميدان" ، حتى تكون «الزغرودة» أبلغ رد من نساء مصر على المشككين في نجاح هذا المشروع ! و بدورنا نقترح على السيدات أن يطلقن 1000 زغرودة أخرى لتشجيع السفن على المرور و تجربة القناة الفرعية الجديدة ، و 400 زغرودة لتوجيه الجنيهات الذهبية المقدمة في حفل الافتتاح الى حملات اتبرع و لو بجنيه ، و 500 زغرودة لحث وزير التعليم عن التراجع عن زيادة مصروفات المدارس الخاصة 40% ، و 1500 زغرودة لحث الحكومة على الالتزام بالميزانية المنصوص عليها في دستور 2014 و الخاصة بقطاع الصحة ، و2000 زغرودة للوزراء ليبتكروا طرق جديدة لحل عجز الموازنة بعيدا عن حلب جيوب المواطنين. و لأن مشاكل الحكومة و أزماتها اليومية لا تنتهي ، فنرجو من السيدات ألا يبرحن الميدان انطلاقا من واجبهن الوطني تجاه مصر ، وأن يتفرغوا تماما لإطلاق الزغاريد الوطنية ، كما أدعو الرجال ألا يثقلوا على النساء بطلباتهم البيتية ، و اذا أمكن ترك وظائفهم و الامساك بالصاجات و حزام الرقص اذا استجدت في الأمور أمور.