لا يهم التوصيف، قناة سويس جديدة، أو تفريعة لقناة السويس القديمة، أو حتى ترعة كما يقول أشد الرافضين للمشروع الذين يرون الصورة قاتمة، ولا يريدون رؤية ولو نقطة بياض وحيدة. المهم عندي أن هناك إنجازا حقيقيا هذه المرة على الأرض، هناك إنجاز يمكن أن تراه عينيك، إنجاز يمكن أن تمسكه بيديك رملا وماء وبناء. هناك شريان مائي حقيقي تعبره سفنا ضخمة تحمل حاويات وبضائع لتنتقل من بحر إلى آخر ومن قارة لأخرى، لا يمكن أن يكون ما يحدث طوال عام من الحفر على الناشف والحفر المختلط بالماء والتكريك ورفع أطنان من الرمال، لا يمكن أن يكون المنتج النهائي ترعة، الترعة يحفرها بلدياتنا بالفؤوس والمقاطف، أو بكراكة صغيرة الحجم، أما القناة تحفرها الآلات والمعدات الحديثة العملاقة التي جاءت من تحالفات شركات عالمية. لا يمكن أن تكون تجارب التشغيل وعبور الحاويات فيلما تم إعداده على الكمبيوتر في ترعة تم بنائها على غرار حوض السباحة الذي تم تصميمه وبنائه لتصوير فيلم تيتانك الشهير، وظهر كأنه المحيط الأطلسي فعلا، هى عبقرية المخرج جيمس كاميرون وفريق التصوير وخدع هوليوود، لكن في مصر المشهد حقيقي، وليس تمثيلا، أوخدعا وتلاعبا بالجماهير. لماذا هذا الحماس البادي في هذه الكلمات؟. لأني واحد ممن يشددون في كتاباتهم على ضرورة الإنجاز، ليلا ونهارا، أطالب بالعمل والإنجاز لبناء دولة حديثة متقدمة، وها هو إنجاز قد تحقق، لذلك لابد من الاهتمام والاحتفاء به والكتابة بإيجابية عنه، وإلا لو سكت أكون مثل شاهد زور، ومثل من يكتب لأجل النقد فقط، ومثل من يجلس ليتصيد الأخطاء والإخفاقات، ومثل من يرفع الشعارات وعندما تتحول لواقع فإنه يختفي. المصداقية والموضوعية تجعلنا نشيد بإنجاز القناة الجديدة، أو التفريعة، أو حتى الترعة التي تعبرها السفن العابرة للمحيطات، هل هناك ترعة تسير فيها ناقلات بضائع عملاقة ،الترعة لا تكفي ليعوم فيها عدد من الأطفال متجاورين، أنا فلاح، وأعرف الترع صغيرة وكبيرة. حتى اليوم نقول إن مترو الأنفاق أحد أفضل مشروعات وإنجازات عهد مبارك، لماذا نغمط الرجل حقه حتى لو كان استبد وتكبر وتغطرس وفسد نظامه ورجاله ثم سقط؟. ولو كانت تلك القناة، أو التفريعة، أو الترعة تم حفرها في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، هل كانت ستحصل على ختم المصداقية والشرعية ممن يعارضونها ويسخرون منها اليوم؟. كانت ستعتبر إنجازا، وتُوضع في سجله، وتكون مقترنة باسمه وبحكمه، لكنها جاءت من نصيب السيسي لتسجل في تاريخه الرئاسي. على العموم هناك عدة نقاط أشدد عليها هنا وهى: 1 - قيمة الإنجاز أيا كان حجمه، وقد ظهر ذلك في حفر القناة الجديدة. 2 - قيمة الوقت واختصار الزمن من أجل الإنجاز حيث تحدد يوم الإعلان عن المشروع أن تنفيذه لن يزيد عن عام واحد فقط، وتم ذلك بالفعل، ونحن في مصر نحتاج احترام المواعيد والصرامة في الالتزام بها، أما سلوك نلتقي بعد الظهر دون ضرب موعد محدد يجب أن ينتهي، وسلوك "فوت علينا بكره" لابد أن يكون مصيره إلى زوال. 3 - امتلاك إرادة التنفيذ، وأنا دوما أؤكد على ضرورة الإرادة والعزيمة والإصرار، وهذه الإرادة يجب أن تكون نهج العمل في كل مرافق الدولة، وفي كل مشروعاتها سواء كانت صغيرة، أم كبيرة. 4 - أدرك أن القناة الجديدة لن تحل مشاكل مصر المالية والاقتصادية، فمردودها سيكون خمسة مليارات دولار أو حتى سبعة، لكن هذا المبلغ يمكن أن يساهم في علاج جزء من عجز الموازنة، لكن المردود الأهم سيكون لو تم البدء في تنفيذ المشروع الأكبر والأضخم وهو تنمية قناة السويس كلها لتكون منطقة عالمية لعبور السفن والشحن والتفريغ والتخزين والخدمات اللوجستية والمناطق الحرة على غرار ما هو حاصل في سنغافورة وفي دبي وفي غيرهما. 5 - على الأجهزة والإعلام ألا يصوروا للمصريين أن حل مشاكلهم مرتبط بافتتاح القناة الجديدة في إطار الترويج والتسويق للنظام لأنها كما قلنا لن تضيف بمفردها الكثير للدخل القومي إلا عندما تصير مع القناة القديمة ضمن مشروع التنمية الأوسع والأشمل لمحورقناة السويس، لا يجب جعل الناس ينتظرون بحور اللبن والعسل حتى لا يُصابون بصدمة عندما لا يجدون تحسنا سريعا في حياتهم ومعيشتهم ويفقدون الأمل ويتحول الدعم والتشجيع إلى يأس وإحباط واكتئاب وغضب. مبروك لمصر ذلك المشروع، ونتطلع للمزيد. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.