يُغادر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون منصبه العام المقبل 2016. وهي فرصة سانحة لإدخال بعض التغيير على الطريقة المُبهمة المتبعة في تعيين الأمين العام، مثلما تقول مجموعة "المساءلة والتناسق والشفافية" المعروفة اختصارا ب (ACT)، والمتركبة من بلدان أعضاء في الأممالمتحدة تقودها سويسرا، بهدف إصلاح طريقة عمل مجلس الأمن. "الإجراءات المتبعة في اختيار وتعيين أمين عام الأممالمتحدة تفتقر إلى الشفافية والشمولية"، يقول بيتر سيغر، سفير سويسرا لدى الأممالمتحدة في نيويورك، المنتهية ولايته. وأضاف المسؤول السويسري في مقابلة مشتركة مع كل من swissinfo.ch ووكالة الأنباء السويسرية SDA-ATS، أن "تعيين الأمين العام أقلّ شفافية من انتخاب البابا". تحت شعار "دعوة للعمل" نظمت سويسرا، بصفتها منسقة لهذه المجموعة، حلقة نقاش في مقرّ الأممالمتحدة في نيويورك يوم 30 يونيو 2015، وقدمت مقترحات المجموعة لتحسين عملية الإختيار والتعيين. وقد أرسلت هذه المقترحات كذلك إلى رؤساء مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة. وكما هو معلوم، تنص المادة 97 من ميثاق الأممالمتحدة على أن الأمين العام يُعيّن من قبل الجمعية العامة للمنتظم الأممي بعد توصية من مجلس الأمن. وفيما لا تسعى هذه المجموعة إلى تعديل النص الموجود، لكنها تعتقد أن "هناك مجالا كبيرا للتحسين على مستوى شفافية العملية وشموليتها". في الأثناء، يُعرب عدد متزايد من الدول الأعضاء في الأممالمتحدة وكذلك الأطراف الفاعلة ومنظمات المجتمع المدني عن خيبة أملهم وعدم رضاهم عن الطريقة التي تجري وفقها العملية حاليا، ويُطالبون بتعديل هذا الإجراء. ويتداول اليوم على نطاق واسع أن اختيار الأمين العام يتم عمليا من قبل الولاياتالمتحدة وروسيا والصين، الأعضاء الثلاثة الأقوى من مجموعة الخمس الدائمين بمجلس الأمن. واحد للجميع السفير بيتر سيغر أشار إلى أن "الأمين العام ليس مجرّد أمين عام لهؤلاء الأعضاء الدائمين الثلاثة، بل هو أمين عام جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 193. إنه يمثلنا جميعا". ثم أضاف: "وبالتالي، تتوقّف شرعيته على أن تشارك جميع البلدان الأعضاء في تعيينه. وعلى الأقل، لابد أن يكون الجميع على علم بقائمة المرشّحين" وبالنسبة لسيغر، فإن الأمين العام للمنتظم الأممي "يُمثل - من خلال مكتبه - سلطة أخلاقية سامية، ويجب أن يكون الأعضاء أكثر اطلاعا على عملية الإختيار والتعيين"، ويضيف "لهذا السبب أطلقنا جملة من المقترحات الملموسة حول الكيفية التي يجب أن تنظّم بها عملية الإنتخاب المقبلة، من خلال فتح باب الترشّح للجميع وضبط قائمة المترشّحين، ثم تنظيم جلسات استماع، تسمح لهم بشرح دوافع تقدّمهم لهذه الوظيفة ورؤيتهم لدور الأممالمتحدة، بما يسمح لجميع البلدان الأعضاء أن تكون لديها فكرة حول من هُم هؤلاء؟ وما هي القيم التي يدافعون عنها ويناضلون من أجلها؟". وبالنسبة للسفير المنتهية ولايته: "تعتقد سويسرا وبقية أعضاء مجموعة (ACT) أنه من مصلحة الأممالمتحدة على المدى البعيد، أن تكون هذه العملية أكثر انفتاحا وشفافية وشمولية. فقط بفضل الشفافية والموثوقية والمصداقية، تستطيع هذه الأخيرة أن تتقدّم، هذه هي الدوافع التي حركتنا لإتخاذ هذه المبادرة. وكل أملنا أن ننجح في إضفاء المزيد من الوضوح والشفافية على عملية انتخاب الأمين العام القادم". التوازن بين الجنسيْن ضمَّت قائمة المشاركين في حلقة النقاش حول مقترحات ACT، ماري روبنسون، وهي أوّل امرأة تتولى رئاسة إيرلندا والمفوّضة السامية لحقوق الإنسان بالأممالمتحدة سابقا. لقد قدمت كلمتها باسم "الحكماء"، وهي مجموعة مستقلة متكوّنة من القادة العالميين الذين لم يعودوا يشغلون وظائف عامة. وهُم يعملون من أجل إحلال السلام وحقوق الإنسان، وقد بادر بإطلاق فكرة تأسيسها الزعيم الراحل الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا. وعلى غرار مجموعة (ACT)، جعلت مجموعة "الحكماء" من قضية اختيار وتعيين أمين عام الأممالمتحدة، أحد أهَم محاور عملها. وقالت ماري روبنسون: "أمين عام الأممالمتحدة يحتاج أن يكون ممن لهم سلطة أخلاقية عالية، وهو الشخص الذي يستطيع أن يقف إلى جانب الفقراء والمُهمّشين، ولكن أيضا شخص له مهارات إدارية كبيرة". وأضافت بأن مجموعة "الحكماء" تدعو البلدان الأعضاء في الأممالمتحدة إلى دعم التوجه الداعي إلى أن تكون عملية اختيار وتعيين الأمين العام القادم أكثر شفافية وشمولا. وقالت الرئيسة الإيرلندية السابقة: "إن مقترحات (ACT) لا تذهب بعيدا وعلينا أن نكون أكثر جرأة"، ثم أضافت أن "الأمين العام هو ممثل للجميع. ولماذا لا يتم إشراك المجتمع المدني أكثر؟ قد يكون هذا مُساعدا، إذا كان مجلس الأمن سيقدّم أكثر من مرشّح. الأمين العام يحتاج أن يكون شخصا مستقلا ولا يخضع إلى أي جهة. لذلك، نعتقد أن تعيينه لفترة واحدة، ولكن لمدة سبع سنوات سيكون حلا جيّدا". وذكّرت روبنسون بأنه "بعد سبعة أمناء عامين رجال، حان الوقت لكي تتولى هذه الوظيفة امرأة. ولكن إذا ما وُجد الرجل الأكفأ لتولي المنصب فليكن"، مشيرة إلى أن في ذلك "قيمة رمزية عالية لخدمة قضية المرأة. فهذه الأخيرة كانت لها طريقة مختلفة في الحُكم، ونهجا أكثر عملية"، على حد قولها. وشدّدت المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان على أن "التغييرات التي نريد إدخالها على عملية الاختيار والتعيين، قابلة للتنفيذ. وهي قابلة للتنفيذ في هذه المرة، ولا تتطلّب أي تعديل على مستوى ميثاق الأممالمتحدة. إذا ما تسنّى إقناع مجلس الأمن بالسير في هذا الطريق، فبالإمكان السير نحو الأمام من الآن". ووفقا لوجهة نظر روبنسون، فإن "تحقيق المزيد من الشفافية ومن الأحكام التنظيمية، ستعطي مؤشرا أيضا على أن الأممالمتحدة قادرة على التطوّر عندما يكون نظامٌ ما غير مقبول". يكفي كلاما كذلك، شارك في حلقة النقاش ويليام باس، المدير التنفيذي لمعهد السياسة الدولية، ممثلا عن "واحد لسبعة مليار"، وهي حملة "من أجل ديمقراطية أوسع في اختيار أمين عام الأممالمتحدة"، تحظى بالدعم من طرف أكثر من 100 منظمة من منظمات المجتمع المدني على المستوى العالمي. وعلى غرار المجموعتيْن المذكورتين آنفا، تأسف هذه الحملة لعدم وجود معايير اختيار رسمية ومُعلنة، ولغياب جدول زمني واضح مع مواعيد نهائية، وكذلك عدم توفر قائمة عامة مختصرة، وإعلام لكل الدول الأعضاء بأسماء المرشحين. كذلك، يطالب القائمون على هذه الحملة بانتخاب الأمين العام لفترة واحدة غير قابلة للتجديد، كما يأسفون لعدم تولي أي امرأة لهذا المنصب الرفيع حتى الآن. ويليام باس عبّر عن الأمل في أن تتحرّك الأممالمتحدة والبلدان الأعضاء في مجلس الأمن، بعد 20 عاما من الحديث عن المشاكل التي تُعاني منها هذه العملية، بشكل عام "إلى الأمام، بما يسمح للمرشحين الأكثر تأهيلا بالوجود على القائمة، لأن الملايين من الأشخاص في العالم يعتمدون على الأممالمتحدة لتحسين أوضاعهم الحياتية. وسيكون من المؤسف إذا لم تتحرّك البلدان هذه المرّة لتقويم هذه العملية". بمشاركة ماثيو ريكروفت، سفير المملكة المتحدة لدى الأممالمتحدة، يكون أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن قد سجل حضوره في حلقة النقاش هذه. وبالمناسبة، أوضح السفير البريطاني أن بلاده تدعم المساواة بين الجنسيْن على هذا المستوى، قائلا: "إنه الوقت المناسب لكي يُمنح الإعتبار للمرأة". وذكر ريكروفت أيضا أن المملكة المتحدة تدعم وضع جدول زمني عادي يُمكن الإعتماد عليه، وأضاف أنه سيحاول حثّ مجلس الأمن على "دعم هذه التغييرات، من أجل المزيد من الشفافية والشمولية، بما يسمح للمرشحين تقديم أنفسهم لأعضاء الأممالمتحدة، ولمؤسسات المجتمع المدني"