مر الآن أكثر من شهر على تصفية تسعة مواطنين إخوان في شقة بضاحية 6 أكتوبر، من بينهم برلماني شهير، ينتمي إلى إحدى العائلات الكبيرة في الدلتا. كل الدلائل كانت تشير إلى أنها عملية قتل خارج القانون، انتحلت فيها الداخلية صفة النيابة والقضاء: ألقت القبض عليهم وحكمت عليهم بالإعدام ونفذت الحكم.. واتبعت سبيل "الهجص" التسعيني الذي لم يعد يصلح لإقناع رأي عام.. السموات وشبكات التواصل الاجتماعي مفتوحة أمامه أربع وعشرون ساعة. طوي ملف التسعة الذين صفتهم الشرطة، ولم نسمع بعد شهر من الجريمة، أن ثمة إجراءات اتخذتها سلطات التحقيق.. بل إنه لم يصلنا ما يفيد بأن النيابة انتقلت إلى مكان الحادث وعاينت مفرداته وتفاصيله أو استمعت لأقوال الشهود. تصفية تسعة مواطنين، في أكتوبر، وفبركة روايات "تافهة" لإثبات أنهم "إرهابيون" كانت منعطفًا خطيرًا في مسيرة الصدام بين السلطة والمعارضة. الرئيس السيسي قبلها بيوم أثناء تشييع النائب العام الراحل هشام بركات أدلى بتصريحات غاضبة ومتوترة، أفصح خلالها عن تذمره من القانون، واعتبره قيدًا على ما وصفه ب"العدالة الناجزة".. فيما جاء تصفية المواطنين التسعة في اليوم التالي، ليختم على تنحية القانون جانبًا بخاتم رئاسة الجمهورية.. هذا ما فهمناه حينها ولم يصدر من الأخيرة أي بيان يدين ما ارتكبته الشرطة، وينفي صلته بما صدر من الرئيس أثناء جنازة بركات في التجمع الخامس. الكل سكت إلا قلة وبلعوا الجريمة، وانشغلت الفضائيات ببرامج "الجنس الشرجي"، وحثوا في وجوه الناس التراب، ودسوا الرؤوس تحت البيادات، تستروا على جريمة إذا مرت، فستمسي سياسة منظمة، لجيل من أمن الدولة يحكم الداخلية الآن، وينتمي إلى مدرسة "لا أريد معتقلين.. وإنما جثثا".. مستوحاة من تجربة المواجهات مع الجماعة الإسلامية في تسعينيات القرن الماضي "العشرين". الطرمخة عليها رسميًا وإعلاميًا، كان نتيجته ما حدث أول أمس، واستسهلت الشرطة، القتل والتصفية خارج القانون، وقتلت طالبين في الجيزة.. وتحت غطاء إعلامي أمني، صورة شف مما صدر منها بعد اغتيالها لتسعة مواطنين إخوان في 6 أكتوبر. المسألة في خطورتها تتجاوز بعدها القانوني والحقوقي والإنساني لتضع البلد بالكامل أمام خيار العنف الدموي الأقرب إلى وحشية داعش. فعندما تقتل المواطنين في الشارع، وتتستر عليك السلطة، وسلطات التحقيق.. فلم يعد أمام الناس إلا حمل السلاح.. فهل هذا ما تريده قوى الاستئصال داخل الأجهزة، مما تتخذه حاليًا من ممارسات "ميليشياوية" ضد المعارضة؟! أمامنا الآن حادثتان خطيرتان.. والسكوت عليهما يعتبر عملاً مشجعًا على الإرهاب.. وممولاً اجتماعيًا وسلطويًا للعنف.. ما يوسع من الجهات المتهمة بشكل أو بآخر بتقوية الاندفاع صوب استخدام السلاح عوضًا عن المحاكم.. وهي في معناها الأخير، تشير إلى أن "داعش" ليست في سيناء وحدها.. ولكن معششة في عقول صناع القرارات الأمنية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.